إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مواضيع روضة السعداء المتميزة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عنوان الموضوع :
    مقدم من طرف منتديات أميرات



    ها نحن نلتقي معكم في موعد جديد
    يجمع بين الفائدة و المتعة
    في
    صيف روضة السعداء
    ننهل معاً من معين كتاب
    ثم نقوم بطرح مسابقة حوله



    يقول تعالى :
    وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ / الأنفال 46

    و يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
    من يتصبر يصبرّه الله، و ما أُعطي أحد عطاء خيراَ و أوسع من الصبر/ صحيح الجامع


    إن أمراً هذه منزلته في الكتاب و السنة لجدير بالدراسة و التطبيق

    لذا نطرح بين أيديكم اليوم كتاب

    عدة الصابرين و ذخيرة الشاكرين

    لابن القيم رحمه الله



    سوف أقوم بإضافة مقتطفات من الكتاب على مراحل
    و بعدها أطرح أسئلة المسابقة في موضوع مستقل إن شاء الله

    :

    فتابعونا و شاركونا





    >>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
    ==================================




    " في فضل الصبر "

    قال تعالى
    وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
    فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة

    وأخبر أن الصبر خير لأهله، فقال تعالى
    وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ

    وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو و لو كان ذا تسليط، فقال تعالى
    وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا

    وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره و تقواه أوصلاه إلى محل العز والتمكين، فقال
    إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

    وعلق الفلاح بالصبر والتقوى فعقل ذلك عنه المؤمنون، فقال تعالى
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

    وأخبر عنه محبته لأهله وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين، فقال تعالى
    وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ

    ولقد بشر الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون، فقال تعالى
    وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ

    وأوصى عبادة بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين، فقال تعالى
    وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ

    و جعل الفوز بالجنة و النجاة من النار لا يحظى به إلا الصابرون، فقال تعالى
    إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ

    وأخبر أن الرغبة في ثوابه و الاعراض عن الدنيا و زينتها لا ينالها ألا أولوا الصبر المؤمنون، فقال تعالى
    وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ

    وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييز لهم بهذا الحظ الموفور، فقال في أربع آيات من كتابه
    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

    والصبر ساق إيمان المؤمن الذي لا اعتماد له إلا عليها. فلا إيمان لمن لا صبر له، و إن كان، فإيمان قليل في غاية الضعف، و صاحبه يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به و إن أصابته فتنة انقلب على وجهه، خسر الدنيا والآخرة ولم يحظ منهما إلا بالصفقة الخاسرة.
    فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم، و ترقوا إلى أعلى المازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر و الشكر إلى جنات النعيم.
    وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم..





    __________________________________________________ __________




    لغة هو المنع والحبس. فالصبر حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما..
    و يقال صبر إذا أتى بالصبر وتصبر إذا تكلفه واستدعاه واصطبر إذا اكتسبه وتعمله وصابر إذا وقف خصمه في مقام الصبر.

    أما حقيقته فهو خلق فاضل، و قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها
    هو التباعد عن المخالفات والسكون عند تجرع غصص البلية، و هو الغنى في البلوى بلا ظهور شكوى
    معنى هذا أن لله على العبد عبودية في عافيته وفي بلائه، فعليه أن يحسن صحبة العافية بالشكر وصحبة البلاء بالصبر.

    قيل الصبر أن لا يفرق بين النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما، قلت ولكن هذا غير مقدور ولا مأمور به، فقد ركب الله الطباع على التفريق بين الحالتين. وإنما المقدور حبس النفس عن الجزع، لا استواء الحالتين عند العبد، وساحة العافية أوسع للعبد من ساحة الصبر، كما قال النبي في الدعاء المشهور "إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي"
    و لا يناقض هذا قوله "وما أعطى أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر" فإن هذا بعد نزول البلاء ليس للعبد أوسع من الصبر، وأما قبله فالعافية أوسع له.

    حد الصبر أن لا يعترض على التقدير. فأما إظهاره للبلاء على غير وجه الشكوى، فلا ينافي الصبر
    قال الله تعالى في قصة أيوب إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا مع قوله مَسَّنِيَ الضُّرُّ

    وأما قوله على غير وجه الشكوى، فالشكوى نوعان :
    أحدهما الشكوى إلى الله، فهذا لا ينافي الصبر.
    كما قال يعقوب إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ مع قوله فَصَبْرٌ جَمِيلٌ
    وقال أيوب مَسَّنِيَ الضُّرُّ مع وصف الله له بالصبر
    وقال سيد الصابرين صلوات الله وسلامه عليه "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي"
    وقال موسى صلوات الله وسلامه عليه "اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك"
    والنوع الثاني شكوى المبتلى بلسان الحال والمقال، فهذه لا تجامع الصبر بل تضاده وتبطله، فالفرق بين شكواه والشكوى إليه.

    وقيل الصبر شجاعة النفس ومن ها هنا أخذ القائل قوله الشجاعة صبر ساعة. و قيل الصبر ثبات القلب عند موارد الاضطراب.
    والنفس مطية العبد التى يسير عليها إلى الجنة أو النار، والصبر لها بمنزلة الخطام والزمام، فرحم الله امرءا جعل لنفسه خطاما وزماما، فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معاصي الله، فإن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه..

    النفس فيها قوتان : قوة الإقدام و قوة الاحجام.
    فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه وقوة الاحجام إمساكا عما يضره.
    ومن الناس من تكون قوة صبره على فعل ما ينتفع به وثباته عليه أقوى من صبره عما يضره، فيصبر على مشقة الطاعه ولا صبر له عن داعي هواه إلى ارتكاب ما نهى عنه. ومنهم من تكون قوة صبره عن المخالفات أقوى من صبره على مشقة الطاعات، ومنهم من لا صبر له على هذا ولا ذاك، وأفضل الناس أصبرهم على النوعين.
    فكثير من الناس يصبر على مكابدة قيام الليل في الحر والبرد وعلى مشقة الصيام، و لا يصبر عن نظرة محرمة. وكثير من الناس يصبر عن النظر، ولا صبر له على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأكثرهم لا صبر له على واحد من الأمرين، وأقلهم أصبرهم في الموضعين.

    قيل الصبر ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الهوى والشهوة.
    معنى هذا أن الطبع يتقاضى ما يحب وباعث العقل والدين يمنع منه، والحرب قائمة بينهما وهو سجال ومعرك هذا الحرب قلب العبد، والصبر والشجاعة والثبات المحمود هو الصبر النفساني الاختياري عن إجابة داعي الهوى المذموم.

    مراتبه و أسماؤه بحسب متعلقه :
    فإنه إن كان صبراً عن شهوة الفرج المحرمة، سمي عفة وضدها الفجور والزنا. و إن كان عن شهوة البطن وعدم التسرع إلى الطعام أو تناول ما لا يجمل منه، سمي شرف نفس وشبع نفس وسمي ضده شرها ودناءة و وضاعة نفس. وإن كان عن إظهار ما لا يحسن إظهاره من الكلام، سمي كتمان سر وضده إذاعة وإفشاء أو تهمة أو فحشاء أو سبا أو كذبا أو قذفا. وإن كان عن فضول العيش، سمي زهداً، وضده حرصاً. وإن كان على قدر يكفي من الدنيا سمي قناعة، وضدها الحرص أيضاً. وإن كان عن إجابة داعي الغضب، سمي حلماً، وضده تسرعاً. وإن كان عن إجابة داعي العجلة، سمي وقاراً وثباتاً، و ضده طيشاً وخفة. وإن كان عن إجابة داعي الفرار والهرب، سمي شجاعة وضده جبناً و خوراً. و إن كان عن إجابة داعي الانتقام، سمي عفواً و صفحاً، وضده انتقاماً وعقوبة. وإن كان عن إجابة داعي الامساك والبخل، سمي جوداً و ضده بخلاً. وإن كان عن إجابة داعي الطعام والشراب في وقت مخصوص سمي صوماً. وإن كان عن إجابة داعي العجز والكسل سمي كيساً. وإن كان عن إجابة داعي إلقاء الكيل على الناس وعدم حمل كلهم سمي مروءة.
    فله عند كل فعل وترك، اسم يخصه بحسب متعلقه، والاسم الجامع لذلك كله 'الصبر'

    وهذا يدلك على ارتباط مقامات الدين كلها بالصبر من أولها إلى آخرها.





    __________________________________________________ __________




    الفرق بين الصبر و التصبر و الاصطبار و المصابرة

    الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه و حاله مع غيره.
    فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن، إن كان خلقا له وملكه، سمي " صبراً "

    وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي " تصبراً "
    و إذا تكلفه العبد و استدعاه، صار سجية له، كما في الحديث عن النبي أنه قال " ومن يتصبر يصبره الله"
    كذلك سائر الأخلاق، و هي مسألة اختلف فيها الناس : هل يمكن اكتساب واحد منها، أو التخلق لا يصير خلقاً أبداً ?

    كما قال الشاعر:
    يا أيها المتحلي غير شيمته ** إن التخلق يأتي دونه الخلق
    قالوا و قد فرغ الله سبحانه من الخلق و الخلق و الرزق و الأجل.

    و قالت طائفة أخرى بل " المزاولات تعطي الملكات "
    و معنى هذا أن من زاول شيئاً و اعتاده وتمرن عليه، صار ملكه و سجيه وطبيعه.

    قالوا " العوائد تنقل الطبائع "
    و قد جعل الله سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل.
    غير أن هذا الانتقال قد يكون ضعيفاً، فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث.
    و قد يكون قوياً ولكن لم ينقل الطبع، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي الباعث و اشتد.
    وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبه طبعاً ثانياً، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه.

    أما " الاصطبار " فهو أبلغ من التصبر. فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب.
    فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب. فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطباراً.

    أما " المصابرة " فهى مقاومة الخصم في ميدان الصبر.
    فإنها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين، كالمشاتمة و المضاربة. قال الله تعالى :
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

    فأمرهم بالصبر، وهو حال الصابر في نفسه.
    و المصابرة، وهي حاله في الصبر مع خصمه.
    و المرابطة، وهي الثبات و اللزوم و الإقامة على الصبر والمصابرة.
    فقد يصبر العبد و لا يصابر، و قد يصابر و لا يرابط، و قد يصبر و يصابر و يرابط من غير تعبد بالتقوى.
    فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، و أن الفلاح موقوف عليها، فقال :
    وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

    فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر، فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى و الشيطان فيزيله عن مملكته..





    __________________________________________________ __________




    الصبر ضربان : ضرب بدني و ضرب نفساني
    و كل منهما نوعان : اختياري و اضطراري

    فهذه أربعة أقسام :

    الأول البدني الاختياري كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختياراً و إرادة
    الثاني البدني الاضطراري كالصبر على ألم الضرب و المرض و البرد و الحر
    الثالث النفساني الاختياري كصبر النفس عن فعل ما لا يحسن فعله شرعاً و لا عقلاً
    الرابع النفساني الاضطراري كصبر النفس عن محبوبها قهراً إذا حيل بينها و بينه

    فإذا عرفت هذه الأقسام، فهي مختصة بنوع الإنسان دون البهائم، و مشاركة للبهائم في نوعين منها، و هما : صبر البدن و النفس الاضطراريين، و قد يكون بعض البهائم أقوى صبراً من الإنسان. إنما يتميز الإنسان عنها بالنوعين الاختياريين. و كثير من الناس تكون قوة صبره في النوع الذي يشارك فيه البهائم، لا في النوع الذي يخص الإنسان، فيعد صابراً و ليس من الصابرين..

    :::

    فإن قيل : هل يشارك الجن و الإنس في هذا الصبر؟
    نعم، هذا من لوازم التكليف، و الجن مكلفون بالصبر على الأوامر و الصبر عن النواهي كما كلفنا نحن بذلك.

    فإن قيل : فهل هم مكلفون على الوجه الذي كلفنا نحن به أم على وجه آخر؟
    ما كان من لوازم النفوس كالحب و البغض و الإيمان و التصديق و الموالاة و المعاداة، فنحن و هم مستوون فيه. و ما كان من لوازم الأبدان كغسل الجنابة و غسل الأعضاء في الوضوء و الاستنجاء و الختان و غسل الحيض و نحو ذلك، فلا تجب مساواتهم لنا في تكلفه و إن تعلق ذلك بهم على وجه يناسب خلقتهم و حيائهم.

    فإن قيل : فهل تشاركنا الملائكة في شيء من أقسام الصبر؟
    الملائكة لم يبتلوا بهوى يحارب عقولهم و معارفهم، بل العبادة و الطاعة لهم كالنفس لنا. فلا يتصور في حقهم الصبر الذي حقيقته ثبات باعث الدين و العقل في مقابلة باعث الشهوة و الهوى. و إن كان لهم صبر يليق بهم، و هو ثباتهم و إقامتهم على ما خلقوا له من غير منازعة هوى أو شهوة أو طبع.

    فالإنسان منا إذا غلب صبره باعث الهوى و الشهوة، إلتحق بالملائكة
    و إن غلب باعث الهوى و الشهوة صبره، إلتحق بالشياطين
    و إن غلب باعث طبعه من الأكل و الشرب و الجماع صبره، إلتحق بالبهائم

    قال قتادة : خلق الله سبحانه الملائكة عقولاً بلا شهوات، و خلق البهائم شهوات بلا عقول، و خلق الإنسان و جعل له عقلاً و شهوة. فمن غلب عقله شهوته فهو مع الملائكة، و من غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم.

    و لما خلق الإنسان في ابتداء أمره ناقصاً، لم يخلق فيه إلا شهوة الغذاء الذي هو محتاج إليه.
    فصبره في هذه الحال بمنزلة صبر البهائم، و ليس له قبل تمييزه قوة صبر الاختيار.
    فإذا ظهرت فيه شهوة اللعب، استعد لقوة الصبر الاختياري على ضعفها فيه.
    فإذا تعلقت به شهوة النكاح، ظهرت فيه قوة الصبر.
    و إذا تحرك سلطان العقل و قوي، استعان بجيش الصبر.
    و لكن هذا السلطان و جنده لا يستقلان بمقاومة سلطان الهوى و جنده.
    فإن إشراق نور الهداية يلوح عليه عند أول سن التمييز، و ينمو على التدريج إلى سن البلوغ كما يبدو خيط الفجر ثم يتزايد ظهوره. و كلها هداية قاصرة غير مستقلة بإدراك مصالح الآخرة و مضارها، بل غايتها تعلقها ببعض مصالح الدنيا و مفاسدها. فإذا طلعت عليه شمس النبوة والرسالة وأشرق عليه نورها، رأى في ضوئها تفاصيل مصالح الدارين و مفاسدهما، فتلمح العواقب و وقع في حومة الحرب بين داعي الطبع و الهوى، و داعي العقل و الهدى، و المنصور من نصره الله و المخذول من خذله، و لا تضع الحرب أوزارها حتى ينزل في إحدى المنزلتين، و يصير إلى ما خلق له من الدارين.





    __________________________________________________ __________



    أقسام الصبر بحسب اختلاف قوته و ضعفه و مقاومته لجيش الهوى له ثلاثة أحوال :

    أحدها أن يكون القهر و الغلبة لداعي الدين، فيرد جيش الهوى مغلولاً، و هذا إنما يصل إليه بدوام الصبر.
    و الواصلون إلى هذة الرتبة هم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، وهم الذين تقول لهم الملائكة عند الموت ألا تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، و هم الذين جاهدوا في الله حق جهاده.

    الحالة الثانية أن تكون القوة و الغلبة لداعي الهوى، فيسقط منازعه باعث الدين بالكلية، فيستسلم البائس للشيطان و جنده، و له معهم حالتان :

    إحداهما أن يكون من جندهم و أتباعهم، و هذه حال العاجز الضعيف.
    الثانية أن يصير الشيطان من جنده، و هذه حال الفاجر القوي المتسلط و المبتدع الداعية المتبوع كما قال القائل :
    و كنت امرءاً من جند إبليس فارتقى * بي الحال حتى صار إبليس من جندي
    هؤلاء هم الذين غلبت عليهم شقوتهم و اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، و إنما صاروا إلى هذه الحال لما أفلسوا من الصبر.
    جند أصحاب هذه الحالة المكر و الخداع و الأماني الباطلة و الغرور و التسويف بالعمل و طول الأمل و إيثار العاجل على الآجل.

    أصحاب هذه الحال أنواع شتى :
    فمنهم المحارب لله ورسوله يصد عن سبيل الله ويبغيها جهده عوجا وتحريفا
    ومنهم المعرض عما جاء به الرسول المقبل على دنياه وشهواتها فقط
    ومنهم المنافق ذو الوجهين الذي يأكل بالكفر و الإسلام
    ومنهم الماجن المتلاعب الذي قطع أنفاسه بالمجون و اللهو و اللعب
    ومنهم من إذا وعظ قال واشواقاه إلى التوبة، و لكنها قد تعذرت علي فلا مطمع لي فيها
    ومنهم من يقول ليس الله محتاجاً إلى صلاتي وصيامي، و أنا لا أنجو بعملي و الله غفور رحيم
    ومنهم من يقول ترك المعاصي استهانة بعفو الله و مغفرته
    فكثر ما استطعت من الخطايا * اذا كان القدوم على كريم
    ومهم من يقول ماذا تقع طاعتي في جنب ما عملت، و ما قد ينفع الغريق خلاص إصبعه و باقي بدنه غريق
    ومنهم من يقول سوف أتوب، و إذا جاء الموت و نزل بساحتي تبت و قبلت توبتي

    إلى غير ذلك من أصناف المغترين الذين صارت عقولهم في أيدي شهواتهم، فلا يستعمل أحدهم عقله إلا في الحيل التي بها يتوصل إلى قضاء شهوته. وهو بقهره عقله وتسليمه إلى الشيطان، عند الله بمنزلة رجل قهر مسلماً و باعه للكفار و جعله أسيراً عندهم. هذا المغرور لما أذل سلطان الله الذي أعزه به و شرفه و رفع به قدره، و سلمه في يد أبغض أعدائه إليه و جعله أسيراً له تحت قهره وتصرفه و سلطانه، سلط الله عليه من كان حقه هو أن يتسلط عليه، فجعله تحت قهره و سلطانه يسخره حيث شاء و يسخر منه و يسخر منه جنده.
    فلما ترك مقاومته ومحاربته و استسلم له سلط عليه عقوبة له.
    قال الله تعالى :
    فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.

    :

    فإن قيل فقد أثبت له على أوليائه هاهنا سلطاناً، فكيف نفاه بقوله تعالى حاكياً عنه :
    وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي.

    و قال تعالى :
    وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ

    السلطان الذي أثبته له عليهم غير الذي نفاه من وجهين :
    أحدهما أن السلطان الثابت هو سلطان التمكن منهم وتلاعبه بهم وسوقه اياهم كيف أراد بتمكينهم اياه من ذلك بطاعته
    السلطان الذي نفاه سلطان الحجة فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة و لا برهان.
    الثاني أن الله لم يجعل له عليهم سلطاناً ابتداء البتة، ولكن هم سلطوه على أنفسهم بطاعته و دخولهم في جملة جنده.


    الحالة الثالثة أن يكون الحرب سجالاً و دولاً بين الجندين، فتارة له و تارة عليه
    و هذه حال أكثر المؤمنين الذين خلطوا عملا صالحاً و آخر سيئاً.

    :::

    تكون الحال يوم القيامة موازنة لهذه الأحوال الثلاث سواء بسواء :
    فمن الناس من يدخل الجنة و لا يدخل النار، و منهم من يدخل النار و لا يدخل الجنة، و منهم من يدخل النار ثم يدخل الجنة.

    من الناس من يصبر بجهد و مشقة، و منهم من يصبر بأدنى حمل على النفس.
    مثال الأول كرجل صارع رجلاً شديداً، فلا يقهره إلا بتعب و مشقة.
    و الثاني كمن صارع رجلاً ضعيفاً فإنه يصرعه بغير مشقة.
    فهكذا تكون المصارعة بين جنود الرحمن و جنود الشيطان، و من صرع جند الشيطان صرع الشيطان.

    ذكر عن بعض السلف أن شيطاناً لقي شيطاناً فقال مالي أراك شخيباً؟ فقال : إني مع رجل إن أكل ذكر اسم الله فلا آكل معه، و إن شرب ذكر اسم الله فلا أشرب معه، و إن دخل بيته ذكر اسم الله فأبيت خارج الدار. فقال الآخر: لكني مع رجل إن أكل لم يسم الله فأكل أنا و هو جميعاً، و إن شرب لم يسم الله فأشرب معه، و إن دخل داره لم يسم الله فأدخل معه، و إن جامع امرأته لم يسم الله فأجامعها.


    فمن اعتاد الصبر هابه عدوه، و من عز عليه الصبر طمع فيه عدوه و أوشك أن ينال منه غرضه.









    الصبر ينقسم إلى قسمين : قسم مذموم و قسم ممدوح

    فالمذموم الصبر عن الله و إرادته و محبته، و سير القلب إليه
    فإن هذا الصبر يتضمن تعطيل كمال العبد بالكلية، و تفويت ما خلق له.
    الصبر يحمد في المواطن كلها * إلا عليك فإنه لا يحمد

    :

    أما الصبر المحمود فنوعان : صبر لله و صبر بالله

    قال تعالى : وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ
    و قال : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا

    وقد تنازع الناس أي الصبرين أكمل ؟

    فقالت طائفة الصبر له أكمل، فإن ما كان لله أكمل مما كان بالله.
    فإن ما كان له فهو غاية، وما كان به فهو وسيلة، والغايات أشرف من الوسائل.
    ولذلك وجب الوفاء بالنذر إذا كان تقربا إلى الله لأنه نذر له، ولم يجب الوفاء به إذا خرج مخرج اليمين لأنه حلف به.

    وقالت طائفة الصبر بالله أكمل، بل لا يمكن الصبر له إلا بالصبر به، كما قال تعالى : وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ
    فدل قوله على أنه من لم يكن الله معه، لم يمكنه الصبر. و كيف يصبر على الحكم الأمري امتثالاً و تنفيذاً و تبليغاً، وعلى الحكم القدري احتمالاً له، من لم يكن الله معه ؟

    ومثل هذا سائغ في الاستعمال؛ أن ينزل إلى منزلة ما يصاحبه ويقارنه، حتى يقول المحب للمحبوب ' أنت روحي وسمعي وبصري'، و في ذلك معنيان :
    أحدهما، أنه صار منه بمنزلة روحه وقلبه وسمعه وبصره.
    والثاني، أن محبته وذكره لما استولى على قلبه و روحه، صار معه وجليسه. كما في الحديث يقول الله تعالى : أنا مع عبدى ما ذكرني وتحركت بي شفتاه. وفي الحديث : فإذا أحببت عبدي، كنت له سمعاً وبصراً ويداً و مؤيداً.

    والمقصود إنما هو ذكر الصبر بالله، وأن العبد بحسب نصيبه من معية الله له، يكون صبره. وإذا كان الله معه، أمكن أن يأتى من الصبر بما لا يأتى به غيره.
    قيل : فاز الصابرون بعز الدارين، لأنهم نالوا من الله معيته. قال تعالى : إنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ

    وها هنا سر بديع، وهو أن من تعلق بصفة من صفات الرب تعالى، أدخلته تلك الصفة عليه وأوصلته اليه.
    والرب تعالى هو الصبور، بل لا أحد أصبر على أذى سمعه منه.
    والرب تعالى يحب أسماءه وصفاته، ويحب مقتضى صفاته وظهور آثارها في العبد. فإنه جميل يحب الجمال، عفو يحب أهل العفو، كريم يحب أهل الكرم، عليم يحب أهل العلم، صبور يحب الصابرين، شكور يحب الشاكرين...

    :

    زاد بعضهم قسماً ثالثاً من أقسام الصبر وهو : الصبر مع الله ، وجعلوه أعلى أنواع الصبر، وقالوا هو الوفاء.
    فإن زعم أن الصبر مع الله هو الثبات معه على أحكامه يدور معها حيث دارت، فيكون دائما مع الله لا مع نفسه، فهو مع الله بالمحبة والموافقة، فهذا المعنى حق، ولكن مداره على الصبر على الأنواع الثلاثة المتقدمة التي ذكرت، وهي الصبر على أقضيته، والصبر على أوامره، والصبر عن نواهيه.
    وإن زعم أن الصبر مع الله هو الجامع لأنواع الصبر، فهذا حق ولكن جعله قسما رابعا من أقسام الصبر غير مستقيم.

    واعلم أن حقيقة الصبر مع الله هو ثبات القلب بالاستقامة معه، وهو أن لا يروغ عنه روغان الثعالب ها هنا وها هنا.

    وزاد بعضهم قسماً آخر من أقسامه وسماه : الصبر فيه
    وهذا أيضا غير خارج عن أقسام الصبر المذكورة، و لا يعقل من الصبر فيه معنى غير الصبر له، كما يقال : فعلت هذا في الله وله.
    وقد قال تعالى : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

    :

    أما قول بعضهم " الصبر لله غناء والصبر بالله بقاء والصبر في الله بلاء والصبر مع الله وفاء والصبر عن الله جفاء"
    فكلام لا يجب التسليم لقائله، لأنه ذكر ما تصوره. و إنما يجب التسليم للنقل المصدق عن القائل المعصوم.
    ونحن نشرح هذه الكلمات :

    أما قوله " الصبر لله غناء "
    فإن الصبر لله بترك حظوظ النفس، ومرادها لمراد الله، وهذا أشق شيء على النفس.

    أما قوله " والصبر بالله بقاء "
    فلأن العبد اذا كان بالله، هان عليه كل شيء ويتحمل الاثقال ولم يجد لها ثقلا.
    كما قال بعض الزهاد عالجت قيام الليل سنة وتنعمت به عشرين سنة ومن كانت قرة عينه في الصلاة لم يجد لها مشقة وكلفة.

    أما قوله " والصبر في الله بلاء "
    فالبلاء فوق العناء، والصبر فيه فوق الصبر له وأخص منه كما تقدم. فإن الصبر فيه بمنزلة الجهاد فيه، وهو أشق من الجهاد له.

    أما قوله " والصبر مع الله وفاء "
    فلأن الصبر معه هو الثبات معه على أحكامه.
    كما قال تعالى : وإبراهيم الذى وفي ، أى وفي ما أمر به بصبره مع الله على أوامره

    أما قوله " والصبر عن الله جفاء "
    فلا جفاء أعظم ممن صبر عن معبوده وإلهه ومولاه الذى لا مولى له سواه ولا حياة له ولا صلاح الا بمحبته والقرب منه وايثار مرضاته على كل شيء فأى جفاء أعظم من الصبر عنه

    :

    وزاد بعضهمم في الصبر قسما آخر وسماه : الصبر على الصبر ، كما قيل :
    صابر الصبر فاستغاث به الصبر * فصاح المحب بالصبر صبرا

    وليس هذا خارجا عن أقسام الصبر، و إنما هو المرابطة على الصبر والثبات عليه، والله أعلم.







يعمل...
X