عنوان الموضوع : شخصيات إسلامية مجابة
مقدم من طرف منتديات أميرات
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
زينب بنت خزيمة
__________________________________________________ __________
مقدم من طرف منتديات أميرات
أبو بكر بن عبد الرحمن
أحد فقهاء المدينة، الذين كانت تدور عليهم الفتوى، وأحد الفقهاء الذين اتخذهم عمر بن عبد العزيز للشورى، فكان لا يقضي أمرا إلا بعد أن يعرضه عليهم، كان ثقة، فقيها، كثير الحديث، عالما عاقلا، سخيا، يقصده الناس للاستعانة به في قضاء حوائجهم سواء من ماله الخاص، أو في الشفاعة لهم عند أصحاب السلطان، إذ كان له مكانة خاصة، وصداقة لعبد الملك كان يستعملها في عون أصحاب الحاجات عند أهل الحل والعقد من ذوي الجاه والسلطان.
أبوه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، المعروف بالشريد، وأمه فاختة بنت عتبة بن سهيل بن عمرو، أتى بهما من الشام، فسماهما عمر بن الخطاب الشريدين، وقال: زوجوا الشريد الشريدة، لعل الله ينشر منهما خيرا فتزوجا، وأقطعهما عمر بالمدينة خطة أوسع لهما فيها، فقيل له: أكثرت لهما يا أمير المؤمنين، فقال: عسى الله أن ينشر منهما ولدا كثيرا رجالا ونساء، وكأنما كان عمر ينظر بظهر الغيب، فقد كان لأبي بكر أخوة أشقاء هم: عمر وعثمان، وعكرمة وخالد ومحمد، وأختهم حنتمة، والمغيرة وأبو سعيد من أمهات أخريات.
وقد سرت الأمور بأبي بكر حتى صار سيدا من سادات قريش علما وكرما وسخاء وأمانة وسداد رأي، ومكانة مرموقة، وكان ذا منزلة عالية عند عبد الملك بن مروان، حتى إنه لما حضرته الوفاة أوصى ابنه الوليد قائلا: يا بني إن لي بالمدينة صديقين، فاحفظني فيهما، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وكان يقول: إني لأهم بالشيء أفعله بأهل المدينة لسوء أثرهم عندنا، فأذكر أبا بكر بن عبد الرحمن فأستحي منه، فأدع ذلك الأمر. وكانت مكانة أبي بكر هذه تجعل الناس يقدمون إليه يسألونه أن يعاونهم في سداد ما حل بهم من مغارم، لما عرف عنه من المسارعة في مثل هذه الأمور.
فقد ذكر أن جماعة من بني أسد بن خزيمة، وفدوا عليه يسألونه أن يتحمل عنهم دماء "ديات" كانت بينهم ـ وكانت عادة العرب أن يتجهوا بمثل هذه القضايا إلي من تدفعهم هممهم العالية، وشرفهم أن يتحملوا المغارم عن الناس حتى يحل السلام بينهم ـ فتحمل أربع ديات، ورأى أن يستعين بأخيه المغيرة بن عبد الرحمن، وكان جوادا أيضا في تحمل هذه الديات، وكان لأبي بكر ولد شاب عاقل كان يصحب أباه إلي المسجد بعدما كف بصره، فقال له أبوه: يا بني اذهب إلي عمك المغيرة ابن عبد الرحمن، فأعلمه ما حملنا من هذه الديات، وأسأله المعونة. فلما ذهب إلي عمه، وأخبره بما قاله أبوه، لم تطب نفسه بالمعاونة، وقال لابن أخيه: أكثر علينا أبوك. وينصرف الفتى من لقاء عمه غير الناجح، وتمضي أيام لا يذكر لأبيه ما رد به عمه عليه، حرصا على حسن الصلات بينهما، وذات يوم وهما في الطريق إلي المسجد، سأله أبوه: أذهبت إلي عمك؟
فأجاب: نعم. وسكت.
وأدرك أبو بكر من سكوت ابنه أنه لم يجد عند عمه ما يحب، وكأنما أعجب أبا بكر مسلك ابنه الحكيم، فأراد أن يغريه بالمداومة على هذا التصرف النبيل. من الحرص على سلامة القلوب بين الأشقاء. فقال له: يا بني، لا تخبرني ما قال لك، فإن لا يفعل أبو هاشم "يعني أخاه المغيرة" فربما افعل، وأغد غدا إلي السوق، فخذ لي عينه "يعني مما يباع" فغدا عبد الله إلي السوق، ففعل ما أمره به أبوه. ثم باعها. وأقام أياما ما يبيع في السوق طعاما ولا زيتا غير عبد الله بن أبي بكر من تلك العينة، فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلي الأسديين ففعل.
أما المغيرة بن عبد الرحمن أخو أبو بكر، فكان أيضا جوادا وكان يطعم الطعام حيثما ينزل. وينحر الجزور، ويطعم من جاء، وكان قد شارك في الغزو مع مسلمة بن عبد الملك في بلاد الروم، وأصيب عينه في إحدى هذه الغزوات، فصار أعور، ومن طريف ما وقع له بعد ذلك أنه بذل الطعام للناس في يوم من الأيام، التي تعود أن يفعل فيها ذلك، وكان بين الطاعمين أعرابي جعل يديم النظر إلي المغيرة، ولا تمتد يده إلي الطعام، ولفت تصرفه نظر المغيرة فسأله: ألا تأكل من هذا الطعام؟ مالي أراك تديم النظر إلي.
فقال البدوي في صراحة الصحراء التي لا تعرف المواربة: إنه ليعجبني طعامك، وتريبني عينك.
قال: وما يريبك من عيني؟
قال: أراك أعور، وأراك تطعم الطعام، وهذا صفة الدجال.
فقال له المغيرة: إن الدجال لا يصاب بعينه في سبيل الله.
وقد أجرى سخاء المغيرة ألسن الشعراء بالثناء عليه، فقد قدم الكوفة يوما، فنحر الجزور، وأطعم الطعام، والثريد على الأنطاع، فقال الأقيشر الأسدي:
أتاك البحر طم على قريش ومن أوتار عقبة قد شفاني فلا يغررك حسن الرأي منهم مغيري وقد راع ابن بشر ورهط الحاطبي ورهط صخر ولا سرج ببزيون ونحر
ومن سخاء المغيرة أنه وقف ضيعة على طعام يصنع بمنى أيام الحج. وكان أخوه عكرمة أيضا من ذوي الشأن في أيامه، وكان ثقة، قليل الحديث، وفيه يقول حكيم بن عكرمة الديلي لما تزوج بنت عمر بن عبد الله بن معمر:
تبشر يا ابن مخزوم بخود أتتك بمال شيراز وفسا فتلك مآثر الأموال لا ما أبوها من بني تيم الرباب وسايور الذي دون التقاب تجمع يوم سعدي والرباب
هذا حديث عابر عن أخوي أبي بكر قد كان لهما شأن في قومهما أما أبو بكر فقد ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان يوم الجمل لما يبلغ مبلغ الرجال بعد، فقد استصغر ورد هو وعروة بن الزبير، وهذا يعني أن فقده بصره كان بعد أن تقدمت به السن، وسمى راهب قريش لكثرة صلاته ولفضله، وقد روي عن أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وعن أبي مسعود الأنصاري.
وكان شأنه شأن فتيان قريش. له من النعمة واليسار ما يجعل حياته سهلة رخية، فقد كان يلبس كساء الخز، ويميل إلي الأناقة في مظهره وملبسه. فكان يأخذ من شاربه أخذا حسنا، ولا يحفيه، وفي مظهره ذلك مشابهة كثيرة مما عرف عن سعيد بن المسيب وسواه من فقهاء المدينة.
كان أبو بكر حريصا على أن يكون حسن السمعة، طيب الأحدوثة، معروفا بالأمانة والثقة، فقد استودع عنده عروة بن الزبير مالا لبني مصعب، فأصيب ذلك المال، وذهب كله أو بعضه في ظروف لا مسئولية لأبي بكر عنها. فأرسل إليه عروة يقول: لا ضمان عليك، إنما أنت مؤتمن، ولكن أبا بكر لا ترضى له همته ولا مكانته ذلك، وعلى الرغم من أنه يعرف أنه لا ضمان عليه ـ إذ كان كلاهما فقيها ـ فقد أبى إلا أن يرد المال الضائع، وقال: قد علمت أن لا ضمان على، ولكن لم تكن لتحدث قريش أن أمانتي خربت، وباع جانبا من أملاكه، فقضى بثمنه ما فقد.
وكان أحد الفقهاء الذين كان يستشيرهم عمر بن عبد العزيز إذا ما عرضت له قضية، وكان ممن صحب عمر بن عبد العزيز لتلقي الوليد حين حضوره إلي المدينة. ولما فسد الأمر بين سعيد بن المسيب وإسماعيل بن هشام المخزومي والي المدينة أيام عبد الملك حاول أن يكسر حدة الخلاف، ويوقع الصلح بين سعيد والوالي، وواجهه سعيد بعنف وهو في محبسه، ولكنه لم يتأثر منه، لأنه كان يريد إزالة الجفوة بينهما، ومن متابعة الحوار الذي دار بينهما يتبين أن أبا بكر كان هادئ الطبع لين العريكة، يحب أن يعالج الأمور في أناة ورفق، بدون تحد ولا عناد، على النقيض من سعيد بن المسيب الذي كان حاد الطبع، والذي جرت عليه صلابته كثيرا من المتاعب والآلام.
وقد أثر عن أبي بكر أنه كان يقول: إنما هذا العلم لواحد من ثلاثة، لذي نسب يزين به نسبه أو لذي دين يزين به دينه، أو مختلط بسلطان ينتجعه به، ولا أعلم أحدا أجمع لهذه الخلال من عروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، كلاهما ذو دين وحسب، ومن السلطان بمنزل. وكان منهج أبي بكر هو منهج فقهاء المدينة الذين يتزعمهم سعيد بن المسيب، وكانت لهم وجهة نظر تكاد تكون واحدة في تناول المشكلات المختلفة، وقد روي عن أبي بكر أنه قال: ما عليه أهل المدينة هو السنة. وقد أخذ عنه كثير من مشاهير العلماء في عصره، ومن أبرزهم ابن شهاب الزهري، الذي عده من بين الأربعة الذين لاقى بهم بحورا. وروي عنه أولاده عبد الملك، وعمر، وعبد الله، وسلمة، وأشهر أولاده في الرواية عنه هو عبد الملك.
وفاته
وقد جرى على أبي بكر ما جرى ويجري على كل حي، فانتقل إلي رحمة ربه سنة أربع وتسعين هجرية على الأرجح، وكانت تسمى سنة الفقهاء لكثرة من توفى فيها. وقيل في وفاته: إنه صلى العصر، فدخل فغتسله فسقط، فجعل يقول: والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئا، فما غرب الشمس حتى انتقل إلي رحمة الله
أبوه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، المعروف بالشريد، وأمه فاختة بنت عتبة بن سهيل بن عمرو، أتى بهما من الشام، فسماهما عمر بن الخطاب الشريدين، وقال: زوجوا الشريد الشريدة، لعل الله ينشر منهما خيرا فتزوجا، وأقطعهما عمر بالمدينة خطة أوسع لهما فيها، فقيل له: أكثرت لهما يا أمير المؤمنين، فقال: عسى الله أن ينشر منهما ولدا كثيرا رجالا ونساء، وكأنما كان عمر ينظر بظهر الغيب، فقد كان لأبي بكر أخوة أشقاء هم: عمر وعثمان، وعكرمة وخالد ومحمد، وأختهم حنتمة، والمغيرة وأبو سعيد من أمهات أخريات.
وقد سرت الأمور بأبي بكر حتى صار سيدا من سادات قريش علما وكرما وسخاء وأمانة وسداد رأي، ومكانة مرموقة، وكان ذا منزلة عالية عند عبد الملك بن مروان، حتى إنه لما حضرته الوفاة أوصى ابنه الوليد قائلا: يا بني إن لي بالمدينة صديقين، فاحفظني فيهما، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وكان يقول: إني لأهم بالشيء أفعله بأهل المدينة لسوء أثرهم عندنا، فأذكر أبا بكر بن عبد الرحمن فأستحي منه، فأدع ذلك الأمر. وكانت مكانة أبي بكر هذه تجعل الناس يقدمون إليه يسألونه أن يعاونهم في سداد ما حل بهم من مغارم، لما عرف عنه من المسارعة في مثل هذه الأمور.
فقد ذكر أن جماعة من بني أسد بن خزيمة، وفدوا عليه يسألونه أن يتحمل عنهم دماء "ديات" كانت بينهم ـ وكانت عادة العرب أن يتجهوا بمثل هذه القضايا إلي من تدفعهم هممهم العالية، وشرفهم أن يتحملوا المغارم عن الناس حتى يحل السلام بينهم ـ فتحمل أربع ديات، ورأى أن يستعين بأخيه المغيرة بن عبد الرحمن، وكان جوادا أيضا في تحمل هذه الديات، وكان لأبي بكر ولد شاب عاقل كان يصحب أباه إلي المسجد بعدما كف بصره، فقال له أبوه: يا بني اذهب إلي عمك المغيرة ابن عبد الرحمن، فأعلمه ما حملنا من هذه الديات، وأسأله المعونة. فلما ذهب إلي عمه، وأخبره بما قاله أبوه، لم تطب نفسه بالمعاونة، وقال لابن أخيه: أكثر علينا أبوك. وينصرف الفتى من لقاء عمه غير الناجح، وتمضي أيام لا يذكر لأبيه ما رد به عمه عليه، حرصا على حسن الصلات بينهما، وذات يوم وهما في الطريق إلي المسجد، سأله أبوه: أذهبت إلي عمك؟
فأجاب: نعم. وسكت.
وأدرك أبو بكر من سكوت ابنه أنه لم يجد عند عمه ما يحب، وكأنما أعجب أبا بكر مسلك ابنه الحكيم، فأراد أن يغريه بالمداومة على هذا التصرف النبيل. من الحرص على سلامة القلوب بين الأشقاء. فقال له: يا بني، لا تخبرني ما قال لك، فإن لا يفعل أبو هاشم "يعني أخاه المغيرة" فربما افعل، وأغد غدا إلي السوق، فخذ لي عينه "يعني مما يباع" فغدا عبد الله إلي السوق، ففعل ما أمره به أبوه. ثم باعها. وأقام أياما ما يبيع في السوق طعاما ولا زيتا غير عبد الله بن أبي بكر من تلك العينة، فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلي الأسديين ففعل.
أما المغيرة بن عبد الرحمن أخو أبو بكر، فكان أيضا جوادا وكان يطعم الطعام حيثما ينزل. وينحر الجزور، ويطعم من جاء، وكان قد شارك في الغزو مع مسلمة بن عبد الملك في بلاد الروم، وأصيب عينه في إحدى هذه الغزوات، فصار أعور، ومن طريف ما وقع له بعد ذلك أنه بذل الطعام للناس في يوم من الأيام، التي تعود أن يفعل فيها ذلك، وكان بين الطاعمين أعرابي جعل يديم النظر إلي المغيرة، ولا تمتد يده إلي الطعام، ولفت تصرفه نظر المغيرة فسأله: ألا تأكل من هذا الطعام؟ مالي أراك تديم النظر إلي.
فقال البدوي في صراحة الصحراء التي لا تعرف المواربة: إنه ليعجبني طعامك، وتريبني عينك.
قال: وما يريبك من عيني؟
قال: أراك أعور، وأراك تطعم الطعام، وهذا صفة الدجال.
فقال له المغيرة: إن الدجال لا يصاب بعينه في سبيل الله.
وقد أجرى سخاء المغيرة ألسن الشعراء بالثناء عليه، فقد قدم الكوفة يوما، فنحر الجزور، وأطعم الطعام، والثريد على الأنطاع، فقال الأقيشر الأسدي:
أتاك البحر طم على قريش ومن أوتار عقبة قد شفاني فلا يغررك حسن الرأي منهم مغيري وقد راع ابن بشر ورهط الحاطبي ورهط صخر ولا سرج ببزيون ونحر
ومن سخاء المغيرة أنه وقف ضيعة على طعام يصنع بمنى أيام الحج. وكان أخوه عكرمة أيضا من ذوي الشأن في أيامه، وكان ثقة، قليل الحديث، وفيه يقول حكيم بن عكرمة الديلي لما تزوج بنت عمر بن عبد الله بن معمر:
تبشر يا ابن مخزوم بخود أتتك بمال شيراز وفسا فتلك مآثر الأموال لا ما أبوها من بني تيم الرباب وسايور الذي دون التقاب تجمع يوم سعدي والرباب
هذا حديث عابر عن أخوي أبي بكر قد كان لهما شأن في قومهما أما أبو بكر فقد ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان يوم الجمل لما يبلغ مبلغ الرجال بعد، فقد استصغر ورد هو وعروة بن الزبير، وهذا يعني أن فقده بصره كان بعد أن تقدمت به السن، وسمى راهب قريش لكثرة صلاته ولفضله، وقد روي عن أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وعن أبي مسعود الأنصاري.
وكان شأنه شأن فتيان قريش. له من النعمة واليسار ما يجعل حياته سهلة رخية، فقد كان يلبس كساء الخز، ويميل إلي الأناقة في مظهره وملبسه. فكان يأخذ من شاربه أخذا حسنا، ولا يحفيه، وفي مظهره ذلك مشابهة كثيرة مما عرف عن سعيد بن المسيب وسواه من فقهاء المدينة.
كان أبو بكر حريصا على أن يكون حسن السمعة، طيب الأحدوثة، معروفا بالأمانة والثقة، فقد استودع عنده عروة بن الزبير مالا لبني مصعب، فأصيب ذلك المال، وذهب كله أو بعضه في ظروف لا مسئولية لأبي بكر عنها. فأرسل إليه عروة يقول: لا ضمان عليك، إنما أنت مؤتمن، ولكن أبا بكر لا ترضى له همته ولا مكانته ذلك، وعلى الرغم من أنه يعرف أنه لا ضمان عليه ـ إذ كان كلاهما فقيها ـ فقد أبى إلا أن يرد المال الضائع، وقال: قد علمت أن لا ضمان على، ولكن لم تكن لتحدث قريش أن أمانتي خربت، وباع جانبا من أملاكه، فقضى بثمنه ما فقد.
وكان أحد الفقهاء الذين كان يستشيرهم عمر بن عبد العزيز إذا ما عرضت له قضية، وكان ممن صحب عمر بن عبد العزيز لتلقي الوليد حين حضوره إلي المدينة. ولما فسد الأمر بين سعيد بن المسيب وإسماعيل بن هشام المخزومي والي المدينة أيام عبد الملك حاول أن يكسر حدة الخلاف، ويوقع الصلح بين سعيد والوالي، وواجهه سعيد بعنف وهو في محبسه، ولكنه لم يتأثر منه، لأنه كان يريد إزالة الجفوة بينهما، ومن متابعة الحوار الذي دار بينهما يتبين أن أبا بكر كان هادئ الطبع لين العريكة، يحب أن يعالج الأمور في أناة ورفق، بدون تحد ولا عناد، على النقيض من سعيد بن المسيب الذي كان حاد الطبع، والذي جرت عليه صلابته كثيرا من المتاعب والآلام.
وقد أثر عن أبي بكر أنه كان يقول: إنما هذا العلم لواحد من ثلاثة، لذي نسب يزين به نسبه أو لذي دين يزين به دينه، أو مختلط بسلطان ينتجعه به، ولا أعلم أحدا أجمع لهذه الخلال من عروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، كلاهما ذو دين وحسب، ومن السلطان بمنزل. وكان منهج أبي بكر هو منهج فقهاء المدينة الذين يتزعمهم سعيد بن المسيب، وكانت لهم وجهة نظر تكاد تكون واحدة في تناول المشكلات المختلفة، وقد روي عن أبي بكر أنه قال: ما عليه أهل المدينة هو السنة. وقد أخذ عنه كثير من مشاهير العلماء في عصره، ومن أبرزهم ابن شهاب الزهري، الذي عده من بين الأربعة الذين لاقى بهم بحورا. وروي عنه أولاده عبد الملك، وعمر، وعبد الله، وسلمة، وأشهر أولاده في الرواية عنه هو عبد الملك.
وفاته
وقد جرى على أبي بكر ما جرى ويجري على كل حي، فانتقل إلي رحمة ربه سنة أربع وتسعين هجرية على الأرجح، وكانت تسمى سنة الفقهاء لكثرة من توفى فيها. وقيل في وفاته: إنه صلى العصر، فدخل فغتسله فسقط، فجعل يقول: والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئا، فما غرب الشمس حتى انتقل إلي رحمة الله
==================================
بارك الله فيك أختي
و جمعنا و أبا بكر في الفردوس الأعلى
آمين
و جمعنا و أبا بكر في الفردوس الأعلى
آمين
__________________________________________________ __________
عائشة بنت أبي بكر
* "حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى"
بعد أن رحلت خديجة بنت خويلد إلي جوار ربها .. والتي قضى معها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ربع قرن .. وكان قد تجاوز مرحلة الشباب .. وكانت ابنته فاطمة الزهراء صغيرة في حاجة إلي رعاية من يقوم مقام الأم فعرضت عليه (خوله بنت حكيم) أن يتزوج "سودة بنت زمعة" التي مات عنها زوجها (السكران بن عمر العامري) عقب عودته مع سودة من هجرته إلي الحبشة. وكانت امرأة مسنة .. خشيت اضطهاد مكة لها .. وخافت على دينها من أن يفتتها فيه أهل مكة فاختارها النبي صلى الله عليه وسلم لرعاية ابنته فاطمة .. وليس هذا الاختيار بسبب رغبة في مال أو جمال فلم تكن تملك شيئا من ذلك .. وقد عبرت هي بنفسها عن ذلك للرسول فقالت:
ـ والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجا لك!
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها بعد رحيل أم المؤمنين خديجة بعدة سنوات .. وكانت عائشة مازالت صغيرة .. وكانت جميلة .. وذكية .. وتعرف القراءة والكتابة .. وتحفظ الكثير من الشعر .. تربت في بيت أبي بكر الصديق .. وأخذت من والدها العظيم ذكاءه ورقته .. وجميل شمائله.
ويقول الرواة إن التي اقترحت خطبتها للرسول خولة بنت حكيم .. في نفس الوقت الذي عرضت عليه الزواج من سودة بنت زمعة .. وهنا نتوقف عند سن عائشة عندما تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم. قالوا أنها كانت في العاشرة من عمرها. ولكن هناك من الدارسين من يرى غير ذلك .. فالعقاد يقول:
ـ "ولا يعرف على التحقيق في أي سنة ولدت عائشة رضي الله عنها .. ولكن أقرب الأقوال إلي الصدق وأحراها بالقبول أنها ولدت في السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة قبل الهجرة .. فتكون قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها أو قاربتها. يوم بنى بها الرسول عليه السلام".
ويقول عنها العقاد أيضا:
ـ وجملة ما يفهم من وصفها على التحقيق أنها كانت بيضاء، فكان عليه السلام يلقبها بالحميراء .. ـ لاختلاط بياضها بحمرة وكانت أقرب إلي الطول لأنها كانت تعيب القصر، كما مر في كلامها عن السيدة صفية، وكانت في صباها نحيلة أو أقرب إلي النحول، حتى كان الذين يحملون هودجا خاليا يحسبونها فيه .. قالت في حديث مشهور:
ـ ".. وأقبل إلي رهط الذين يرحلون لي ـ أي يحملون الرحل على البعير ـ فحملوا هودجي وهم يحسبون أني فيه، وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستكثر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، إذ كنت مع ذلك جارية حديثة السن".
ثم مالت بعد سنوات إلي شيء من السمنة كما جاء في كلامها في حديث آخر:
ـ "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، فقال صلى الله عليه وسلم .. تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسبقته فسكت .. حتى إذا حملت اللحم وكنا في سفرة أخرى قال صلى الله عليه وسلم للناس: تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال تعالي حتى أسابقك فسبقني فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: هذه بتلك"..
كانت عائشة أقرب الناس إلي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عبر عن ذلك بقوله: "حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى"
وقال أيضا يصف عاطفته القوية نحو عائشة:
ـ "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" وكانت السيدة عائشة تعرف مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي لا يتفوق عليها إلا حبه للراحلة العظيمة خديجة بنت خويلد، حتى أن عائشة كانت تغار منها رغم وفاتها..
وكانت عائشة تعدد مزايا نفسها فقالت بعد أن رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلي جواربه:
ـ "فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر .. لم ينكح بكرا قط غيري .. ولا امرأة أبواها مهاجزان غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من السماء في حربرة، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه دون غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم ينزل وهو مع غيري. وقبض وهو بين سحري ونحوي في الليلة التي كان يدور علي فيها ودفن في بيتي".
ولا شك أن هذه المنزلة بلغتها بكل ما تملك من مواهب الجمال .. والذكاء .. والحس المرهف .. كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله يوما وهي تغزل ورأت العرق على وجهه، فتصورت أن حبات العرق على جبينه ـ حبها له تتألق نورا .. فاعترتها الدهشة.
قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: مالك بهت؟
قالت: يا رسول الله نظرت إلي وجهك فجعل عرقك يتولد نورا .. فلو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره..
قال: وما يقول يا عاشة أبو كبير الهزلي؟
قالت: يقول:
ومبـرأ مـن كل غير حيضة
وفصـاد مرضـعة وداء مقبل
وإذا نظـرت إلـي أسرة وجهه
برقت كبرق العـأرض المتهلل
* "حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى"
بعد أن رحلت خديجة بنت خويلد إلي جوار ربها .. والتي قضى معها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ربع قرن .. وكان قد تجاوز مرحلة الشباب .. وكانت ابنته فاطمة الزهراء صغيرة في حاجة إلي رعاية من يقوم مقام الأم فعرضت عليه (خوله بنت حكيم) أن يتزوج "سودة بنت زمعة" التي مات عنها زوجها (السكران بن عمر العامري) عقب عودته مع سودة من هجرته إلي الحبشة. وكانت امرأة مسنة .. خشيت اضطهاد مكة لها .. وخافت على دينها من أن يفتتها فيه أهل مكة فاختارها النبي صلى الله عليه وسلم لرعاية ابنته فاطمة .. وليس هذا الاختيار بسبب رغبة في مال أو جمال فلم تكن تملك شيئا من ذلك .. وقد عبرت هي بنفسها عن ذلك للرسول فقالت:
ـ والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجا لك!
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها بعد رحيل أم المؤمنين خديجة بعدة سنوات .. وكانت عائشة مازالت صغيرة .. وكانت جميلة .. وذكية .. وتعرف القراءة والكتابة .. وتحفظ الكثير من الشعر .. تربت في بيت أبي بكر الصديق .. وأخذت من والدها العظيم ذكاءه ورقته .. وجميل شمائله.
ويقول الرواة إن التي اقترحت خطبتها للرسول خولة بنت حكيم .. في نفس الوقت الذي عرضت عليه الزواج من سودة بنت زمعة .. وهنا نتوقف عند سن عائشة عندما تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم. قالوا أنها كانت في العاشرة من عمرها. ولكن هناك من الدارسين من يرى غير ذلك .. فالعقاد يقول:
ـ "ولا يعرف على التحقيق في أي سنة ولدت عائشة رضي الله عنها .. ولكن أقرب الأقوال إلي الصدق وأحراها بالقبول أنها ولدت في السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة قبل الهجرة .. فتكون قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها أو قاربتها. يوم بنى بها الرسول عليه السلام".
ويقول عنها العقاد أيضا:
ـ وجملة ما يفهم من وصفها على التحقيق أنها كانت بيضاء، فكان عليه السلام يلقبها بالحميراء .. ـ لاختلاط بياضها بحمرة وكانت أقرب إلي الطول لأنها كانت تعيب القصر، كما مر في كلامها عن السيدة صفية، وكانت في صباها نحيلة أو أقرب إلي النحول، حتى كان الذين يحملون هودجا خاليا يحسبونها فيه .. قالت في حديث مشهور:
ـ ".. وأقبل إلي رهط الذين يرحلون لي ـ أي يحملون الرحل على البعير ـ فحملوا هودجي وهم يحسبون أني فيه، وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستكثر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، إذ كنت مع ذلك جارية حديثة السن".
ثم مالت بعد سنوات إلي شيء من السمنة كما جاء في كلامها في حديث آخر:
ـ "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، فقال صلى الله عليه وسلم .. تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسبقته فسكت .. حتى إذا حملت اللحم وكنا في سفرة أخرى قال صلى الله عليه وسلم للناس: تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال تعالي حتى أسابقك فسبقني فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: هذه بتلك"..
كانت عائشة أقرب الناس إلي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عبر عن ذلك بقوله: "حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى"
وقال أيضا يصف عاطفته القوية نحو عائشة:
ـ "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" وكانت السيدة عائشة تعرف مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي لا يتفوق عليها إلا حبه للراحلة العظيمة خديجة بنت خويلد، حتى أن عائشة كانت تغار منها رغم وفاتها..
وكانت عائشة تعدد مزايا نفسها فقالت بعد أن رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلي جواربه:
ـ "فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر .. لم ينكح بكرا قط غيري .. ولا امرأة أبواها مهاجزان غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من السماء في حربرة، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه دون غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم ينزل وهو مع غيري. وقبض وهو بين سحري ونحوي في الليلة التي كان يدور علي فيها ودفن في بيتي".
ولا شك أن هذه المنزلة بلغتها بكل ما تملك من مواهب الجمال .. والذكاء .. والحس المرهف .. كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله يوما وهي تغزل ورأت العرق على وجهه، فتصورت أن حبات العرق على جبينه ـ حبها له تتألق نورا .. فاعترتها الدهشة.
قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: مالك بهت؟
قالت: يا رسول الله نظرت إلي وجهك فجعل عرقك يتولد نورا .. فلو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره..
قال: وما يقول يا عاشة أبو كبير الهزلي؟
قالت: يقول:
ومبـرأ مـن كل غير حيضة
وفصـاد مرضـعة وداء مقبل
وإذا نظـرت إلـي أسرة وجهه
برقت كبرق العـأرض المتهلل
__________________________________________________ __________
فقال إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلها بين عينيها وقال:
ـ بارك الله فيك يا عائشة.
وقد زاد من حبه لها صداقته الحميمة بأبيها (أبو بكر الصديق) .. وقد سأله يوما عمرو بن العاص: ـ يا رسول الله من أحب الناس إليك؟
ـ عائشة.
ـ إنما أقول من الرجال؟
ـ أبوها.
ولا يختلف أحد على فصاحتها وقدرتها على البيان .. ومن أجل هذا قال عنها الرسول الكريم:
ـ "خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء.
ويستدل الرواة على قدرتها البلاغية الفائقة من خطبها في مختلف المناسبات .. فهي التي وقفت على قبر أبيها (الصديق ترثيه):
ـ "نضر الله وجهك، وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلا بإعراضك عنها، وللآخرة معزا بإقبالك عليها، ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك، وأعظم المصائب بعده فقدك، أن كتاب الله ليعد بالعزاء عنك حسن العوض منك بالدعاء لك فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعليك السلام ورحمة الله توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك".
كما يرون الرواة أنها تمثلت بقول الشاعر، عندما رأت والدها العظيم يجود بأنفاسه فقالت:
لعمـرك ما يغني الثراء عن الفني
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال لها والدها العظيم وهو يذكرها بأن تستدل بما هو أفضل بكتاب العزيز الحميد:
قال لها وقد استمع إلي كلمها الحزينة:
ـ لا تقولي ذلك يا عائشة، ولكن قولي:
"وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد".
ولكن هذه السيدة الفاضلة التي كانت تغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث لها حادثة تركت في حياتها بصمات عميقة .. بل أن هذه الحادثة تركت على مجرى التاريخ الإسلامي نفسه بصمات عميقة يوم تصدت فيما بعد للإمام علي أبي طالب في معركة "الجمل" لأنها لم تنس له قوله عقب هذه الحادثة:
تزوج يا رسول الله .. فالنساء كثير
أنها حادثة الإفك..
وهذه الحادثة كما يرويها الرواة ملخصها .. أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى غزواته (غزوة بني المصطلق) .. وبعد أن انتهت هذه المعركة، وأخذ الجيش طريقه إلي المدينة .. كانت عائشة قد ذهبت بعيدا لقضاء حاجتها .. وقد انفرط عقدها .. فأخذت تجمعه .. وعندما تم لها ذلك نظرت فإذا الجيش قد أخذ طريقه نحو المدينة .. وكان الذي يحملون هودجها يظنونها فيه، وأخذت تتلفت يمنة ويسرة وفي كل الاتجاهات وهي تحاول العودة إلي المدينة .. ثم أخذها التعب فنامت .. وكان هناك الشاب صفوان بن المعطل الذي كان يبحث في أرض المعارك عمن تخلف من المقاتلين، وشاهد السيدة عائشة وعرفها .. فأركبها على راحلته .. وأخذ يقودها حتى أرجعها إلي بيتها..
قصة عادية..
ولكن المنافقين أخذ يصور لهم خيالهم المريض أشياء أبعد ما تكون عن هذه السيدة الفاضلة التي تربت في بيت طهر .. وهو بيت الصديق، وعاشت في أطهر مكان .. وهو بيت محمد صلى الله عليه وسلم .. فقد اتهموها في شرفها!
وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الشائعات فحزن .. فهو يعلم أن عائشة فاضلة .. ويعلم أن صفوان شاب مستقيم. ولكن المنافقين زادوا في غيهم .. حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه وزوجاته فيما أشيع بين الناس.
فقال عمر بن الخطاب: "لقد زوجها لك ربك يا رسول الله وهو لا يخدع نبيه".
وقال علي: "يا رسول الله لا تحزن. لم يضيق الله عليك والنساء غيرها كثير".
وقالت جاريتها "بربرة" .. وهي تنفي التهمة تماما عن عائشة:
ـ لا والذي بعثك بالحق، ما رأيت شيئا آخذه عليها سوى أنها جارية حديثة السن، تنام عن العجين فتأتى الدواجن فتأكله. وعلمت عائشة بما يدور .. فبكت .. وزاد شحوبها ونحوبها .. وذهبت إلي بيت أبيها..
أيام عصيبة للغاية .. عاشتها أم المؤمنين .. وهي لا تتصور أو تتخيل أن يتهمها إنسان في أعز ما تملك .. وفي ابنة الصديق، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وزاد من عذابها
قول الرسول صلى الله عليه وسلم لها عندما جاء إلي بيت أبيها:
ـ "يا عائشة لقد بلغني عنك ما بلغني .. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله .. وإن كنت قد أخطأت فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه"
ونظرت إلي أمها وأبيها لعلهما يدافعان عنها .. ولكنهما لاذا بالصمت فقالت:
ـ لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس وثبت في أنفسكم وصدقتم به .. ولئن قلت لكم أني بريئة ما صدقتموني، وإن اعترفت لكم ـ والله يعلم أني لبريئة ـ صدقتم قولي.
(فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون).
وينزل من السماء قرآن يبرئ أم المؤمنين:
{إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم "11"} (سورة النور)
ومرت هذه الأيام العصيبة في حياة صاحب الرسالة الخالدة نوزل التشريع الإلهي يعاقب من يقذف في أعراض الناس بالباطل بالجلد ثمانين جلدة.
ـ بارك الله فيك يا عائشة.
وقد زاد من حبه لها صداقته الحميمة بأبيها (أبو بكر الصديق) .. وقد سأله يوما عمرو بن العاص: ـ يا رسول الله من أحب الناس إليك؟
ـ عائشة.
ـ إنما أقول من الرجال؟
ـ أبوها.
ولا يختلف أحد على فصاحتها وقدرتها على البيان .. ومن أجل هذا قال عنها الرسول الكريم:
ـ "خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء.
ويستدل الرواة على قدرتها البلاغية الفائقة من خطبها في مختلف المناسبات .. فهي التي وقفت على قبر أبيها (الصديق ترثيه):
ـ "نضر الله وجهك، وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلا بإعراضك عنها، وللآخرة معزا بإقبالك عليها، ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك، وأعظم المصائب بعده فقدك، أن كتاب الله ليعد بالعزاء عنك حسن العوض منك بالدعاء لك فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعليك السلام ورحمة الله توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك".
كما يرون الرواة أنها تمثلت بقول الشاعر، عندما رأت والدها العظيم يجود بأنفاسه فقالت:
لعمـرك ما يغني الثراء عن الفني
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال لها والدها العظيم وهو يذكرها بأن تستدل بما هو أفضل بكتاب العزيز الحميد:
قال لها وقد استمع إلي كلمها الحزينة:
ـ لا تقولي ذلك يا عائشة، ولكن قولي:
"وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد".
ولكن هذه السيدة الفاضلة التي كانت تغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث لها حادثة تركت في حياتها بصمات عميقة .. بل أن هذه الحادثة تركت على مجرى التاريخ الإسلامي نفسه بصمات عميقة يوم تصدت فيما بعد للإمام علي أبي طالب في معركة "الجمل" لأنها لم تنس له قوله عقب هذه الحادثة:
تزوج يا رسول الله .. فالنساء كثير
أنها حادثة الإفك..
وهذه الحادثة كما يرويها الرواة ملخصها .. أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى غزواته (غزوة بني المصطلق) .. وبعد أن انتهت هذه المعركة، وأخذ الجيش طريقه إلي المدينة .. كانت عائشة قد ذهبت بعيدا لقضاء حاجتها .. وقد انفرط عقدها .. فأخذت تجمعه .. وعندما تم لها ذلك نظرت فإذا الجيش قد أخذ طريقه نحو المدينة .. وكان الذي يحملون هودجها يظنونها فيه، وأخذت تتلفت يمنة ويسرة وفي كل الاتجاهات وهي تحاول العودة إلي المدينة .. ثم أخذها التعب فنامت .. وكان هناك الشاب صفوان بن المعطل الذي كان يبحث في أرض المعارك عمن تخلف من المقاتلين، وشاهد السيدة عائشة وعرفها .. فأركبها على راحلته .. وأخذ يقودها حتى أرجعها إلي بيتها..
قصة عادية..
ولكن المنافقين أخذ يصور لهم خيالهم المريض أشياء أبعد ما تكون عن هذه السيدة الفاضلة التي تربت في بيت طهر .. وهو بيت الصديق، وعاشت في أطهر مكان .. وهو بيت محمد صلى الله عليه وسلم .. فقد اتهموها في شرفها!
وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الشائعات فحزن .. فهو يعلم أن عائشة فاضلة .. ويعلم أن صفوان شاب مستقيم. ولكن المنافقين زادوا في غيهم .. حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه وزوجاته فيما أشيع بين الناس.
فقال عمر بن الخطاب: "لقد زوجها لك ربك يا رسول الله وهو لا يخدع نبيه".
وقال علي: "يا رسول الله لا تحزن. لم يضيق الله عليك والنساء غيرها كثير".
وقالت جاريتها "بربرة" .. وهي تنفي التهمة تماما عن عائشة:
ـ لا والذي بعثك بالحق، ما رأيت شيئا آخذه عليها سوى أنها جارية حديثة السن، تنام عن العجين فتأتى الدواجن فتأكله. وعلمت عائشة بما يدور .. فبكت .. وزاد شحوبها ونحوبها .. وذهبت إلي بيت أبيها..
أيام عصيبة للغاية .. عاشتها أم المؤمنين .. وهي لا تتصور أو تتخيل أن يتهمها إنسان في أعز ما تملك .. وفي ابنة الصديق، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وزاد من عذابها
قول الرسول صلى الله عليه وسلم لها عندما جاء إلي بيت أبيها:
ـ "يا عائشة لقد بلغني عنك ما بلغني .. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله .. وإن كنت قد أخطأت فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه"
ونظرت إلي أمها وأبيها لعلهما يدافعان عنها .. ولكنهما لاذا بالصمت فقالت:
ـ لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس وثبت في أنفسكم وصدقتم به .. ولئن قلت لكم أني بريئة ما صدقتموني، وإن اعترفت لكم ـ والله يعلم أني لبريئة ـ صدقتم قولي.
(فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون).
وينزل من السماء قرآن يبرئ أم المؤمنين:
{إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم "11"} (سورة النور)
ومرت هذه الأيام العصيبة في حياة صاحب الرسالة الخالدة نوزل التشريع الإلهي يعاقب من يقذف في أعراض الناس بالباطل بالجلد ثمانين جلدة.
__________________________________________________ __________
زينب بنت خزيمة
كانت سيدة متدينة .. كثيرة العطف على المساكين حين أطلقوا عليها أم المساكين، وكانت متزوجة من عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب .. وهو ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام.
وكان عبيدة من الذين برزوا في أول معركة (بدر) لمبارزة مشركي مكة .. فقد خرج مع عمه الحمزة، وابن عمه علي بن أبي طالب لمبارزة من يخرج إليهم للقتال. كان الكل يدرك أن هذه المعركة معركة فاصلة في تاريخ الإسلام .. وكانوا يدركون أن هذه المعركة سوف تغير مسار الدعوة الإسلامية كلها .. حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقف يدعو ربه قائلا:
ـ "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلها وخيلاتها تحادك وتكذب رسولك .. اللهم فنصرك الذي وعدتي .. اللهم أهلكهم في هذه الغداة".
وكانت قريش تتيه برجالها وفرسانها وكثرتهم وتستهين بعدد المسلمين .. فهم يفوقوهم عددا وعدة .. ونسوا أن المسلمين كانوا يملكون الإيمان الذي لا يزعزعه شك، وكانوا يرون أن هذه المعركة معركة حياة أو موت .. وأن المسلم إذا استشهد فقد استحق الشهادة.، وإن عاش فقد جاهد في سبيل دينه، فكانوا يتحرقون إلى القتال، والانتقام من مشركي مكة الذين طالما ساموهم الخسف والظلم في مكة .. وقد برز من المشركين "عتبة بن ربيعة" وأخوه "شيبة" وولده الوليد.
فبرز لهم من صفوف المسلمين الحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث.
ودارت رحى القتال .. فقتل الحمزة شيبة. وقتل علي الوليد .. بينما ظل الصراع عنيفا بين "عتبة" والحارث .. وجرح كل واحد منهما الآخر، وعندما أراد عتبة قتل الحارس أسرع أسد الله الحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب فقضيا على عدو الله.
وخرج الحارث من هذه المعركة جريحا .. ثم ما لبث أن أصبح شهيدا من شهداء هذه المعركة الفاصلة في تاريخ الإسلام .. ونقطة التحول الكبرى في حياة الدعوة الإسلامية.
وتقديرا لهذه السيدة تزوجها الرسول عليه الصلاة والسلام وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ذهبا .. وكان هذا الزواج في شهر رمضان بعد هجرة الرسول بواحد وثلاثين شهرا .. ولكنها لم تمكث في بيت الرسول كثيرا .. فقد انتقلت إلى جوار ربها بعد ثمانية أشهر .. وقد صلى عليها الرسول عليه الصلاة والسلام، ودفنت في البقيع وكانت في الثلاثين من عمرها كما يقول بعض مؤرخي السيرة.
وكان عبيدة من الذين برزوا في أول معركة (بدر) لمبارزة مشركي مكة .. فقد خرج مع عمه الحمزة، وابن عمه علي بن أبي طالب لمبارزة من يخرج إليهم للقتال. كان الكل يدرك أن هذه المعركة معركة فاصلة في تاريخ الإسلام .. وكانوا يدركون أن هذه المعركة سوف تغير مسار الدعوة الإسلامية كلها .. حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقف يدعو ربه قائلا:
ـ "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلها وخيلاتها تحادك وتكذب رسولك .. اللهم فنصرك الذي وعدتي .. اللهم أهلكهم في هذه الغداة".
وكانت قريش تتيه برجالها وفرسانها وكثرتهم وتستهين بعدد المسلمين .. فهم يفوقوهم عددا وعدة .. ونسوا أن المسلمين كانوا يملكون الإيمان الذي لا يزعزعه شك، وكانوا يرون أن هذه المعركة معركة حياة أو موت .. وأن المسلم إذا استشهد فقد استحق الشهادة.، وإن عاش فقد جاهد في سبيل دينه، فكانوا يتحرقون إلى القتال، والانتقام من مشركي مكة الذين طالما ساموهم الخسف والظلم في مكة .. وقد برز من المشركين "عتبة بن ربيعة" وأخوه "شيبة" وولده الوليد.
فبرز لهم من صفوف المسلمين الحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث.
ودارت رحى القتال .. فقتل الحمزة شيبة. وقتل علي الوليد .. بينما ظل الصراع عنيفا بين "عتبة" والحارث .. وجرح كل واحد منهما الآخر، وعندما أراد عتبة قتل الحارس أسرع أسد الله الحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب فقضيا على عدو الله.
وخرج الحارث من هذه المعركة جريحا .. ثم ما لبث أن أصبح شهيدا من شهداء هذه المعركة الفاصلة في تاريخ الإسلام .. ونقطة التحول الكبرى في حياة الدعوة الإسلامية.
وتقديرا لهذه السيدة تزوجها الرسول عليه الصلاة والسلام وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ذهبا .. وكان هذا الزواج في شهر رمضان بعد هجرة الرسول بواحد وثلاثين شهرا .. ولكنها لم تمكث في بيت الرسول كثيرا .. فقد انتقلت إلى جوار ربها بعد ثمانية أشهر .. وقد صلى عليها الرسول عليه الصلاة والسلام، ودفنت في البقيع وكانت في الثلاثين من عمرها كما يقول بعض مؤرخي السيرة.
__________________________________________________ __________
صفية بنت حيى بن أخطب
كان اليهود أشد الناس كراهية للإسلام ونبي الإسلام، فقد كان أملهم أن يكون النبي الخاتم منهم، وعندما وجدوا أن الرسالة الخالدة يحمل لواءها النبي العربي امتلأت قلوبهم غلا للدعوة وصاحب الدعوة. وعندما هاجر الرسول إلي المدينة وجدوا أن هذه الهجرة ستمكن للإسلام من أن يثبت أقدامه في شبه الجزيرة العربية، وستكون المدينة قاعدة انطلاق وانتشار في كل مكان في العالم.
وقد تصور يهود خبير عندما عاد النبي من صلح الحديبية دون دخول مكة أن ذلك ضعفا في المسلمين، وسمع الرسول أنهم يخططون لقتاله، فقرر الرسول صلى الله عليه وسلم الذهاب لقتالهم، وتوجه النبي بجيشه نحو خيبر .. وعندما أشرف عليها دعا الرسول ربه قائلا:
ـ "اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أملكن ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فأنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلا وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها .. أقدموا باسم الله".
وفي صباح اليوم التالي حاصر المسلمون اليهود تأهبا لقتالهم .. ثم دار القتال بين المسلمين وبين اليهود .. وكان القتال عنيفا .. حتى فتحت خيبر، واستسلمت للمسلمين، وغنم المسلمون غنائم كثيرة. وكان من بين الأسرى صفية بنت زعيم اليهود حيى بن أخطب الذي قتل في المعركة كما قتل زوجها وأخوها.
وكان من الطبيعي أن تحزن صفية لما أصاب أهلها وما حل بهم من هوان. كما كان من الطبيعي أن تجد في صدرها ما يوغرها على رسول الإسلام وكان والدها واحدا من أهم أحبار اليهود وقادتهم .. وكان شديد الكره للإسلام ونبي الإسلام .. وكانت صفية تعلم ذلك تماما .. تعلم إن والدها وعشيرتها يكرهون الدين الجديد .. ويكرهون ما يدعو إليه..
كانت صفية رائعة الجمال .. في ربيع عمرها .. فقد كانت في السابعة عشرة من عمرها .. أنها تفتح عينيها بعد أن وقعت في الأمر .. وقتل أعزل الناس عندها .. الأب والأخ والزوج ترى أن مستقبلها أصبح في يد محمد .. هذا الذي كان يمقته أهلها .. وقد وجدت نفسها برفقة أم سليم .. هذه السيدة الفاضلة التي تنم قسمات وجهها وجمالها ووجودها في ميدان القتال على أنها من معدن صقله الإسلام .. أنها أم أنس بن مالك خادم الرسول، والذي أمرها الرسول برعاية صفية.
وقد حدث أن قامت زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم بإهداء الرسول شاة مشوية بعد أن سممتها .. فقد أرادت أن تقتل الرسول، وقد أكثرت من وضع السم في الذراع بعد أن عرفت حب الرسول له .. وكان مع الرسول بشر بن البراء .. وعندما أكل الرسول من الطعام لم يستسغه وقال:
ـ أن هذا العظم يخبرني بأنه مسموم..!
ولفظ الطعام .. بينما أكل بشر .. فمات بشر .. وأحضر الرسول هذه المرأة التي اعترفت بفعلتها معللة ذلك بقولها:
ـ "بلغني من قومي ما لا يخفي عليك فقلت أن كنت ملكا استرحت منه، وأن كنت نبيا ستخبر".. وقد اقتص منها بعد أن مات بشر.
وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية، وطلبها للزواج فوافقت وقد أخذ النبي يحدثها في طريق العودة إلي المدينة عما فعله به اليهود .. وعن مؤامراتهم التي لا تنتهي .. وموقفهم العدائي من الإسلام ونبي الإسلام .. ورق قلبها للرسول .. ودخل الإيمان قلبها .. فأعلنت إسلامها.
وقد رفضت صفية أن يعرس بها الرسول بعد أن سارعت عدة أميال من خيبر .. وعندما وصل مكان يسمى (الفهياء) .. دخل بها. ولاحظ النبي صلى الله عليه وسلم أن على وجهها أعلا عينيها أثر لطمة تركت آثارها..
وعندما استفسر عنها الرسول قالت له:
ـ رأت في المنام قمرا أقبل من يثرب حتى وقع في حجري، فذكرت ذلك لكنانة زوجي فقال: أتحبين أن تكوني زوجة لهذا الملك الذي يأتي من يثرب (وضرب وجهي) وكان عندما أعرس النبي بزوجته أن أحد الصحابة (أبو أيوب الأنصاري) يحرس النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يغمض له جفن في تلك الليلة خوفا على رسول الله من أن تغدر به صفية ثأرا مما حدث لقومها.
وعندما سأله الرسول عما فعل، قال أنه بات يحرسه خوفا عليه من أن يصيبه مكروه فدعا له الرسول: ـ "اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني".. وأولم الرسول لأصحابه .. وأصبحت صفية أما من أمهات المؤمنين.
وعندما عاد الرسول إلي المدينة كان على صفية أن تعيش في بيت النبوة .. وعرفت أثناء اختلاطها بأزواج النبي أن هناك حزبا تتزعمه عائشة وحفصة، وحزبا آخر من بقية أمهات المؤمنين وتتعاطف معه فاطمة الزهراء وآثرت صفية أن تكون قريبة من الجميع .. ولكن عائشة كانت شديدة الغيرة .. فصفية جميلة في ربيع عمرها .. وإذا كانت تغار من خديجة التي انتقلت إلي جوار ربها .. فكيف بها وهي ترى أمامها شابة بالغة الجمال..
وكان النبي يعرف هذه الغيرة فيها حتى أنه آثر قبل أن يذهب بها إلي بيته أن ينزلها في بيت حارثة بن النعمان .. ولكن عائشة صممت أن تراها .. فتنقبت حتى رأتها، ولكن الرسول عرفها .. فمسك بثوبها وسألها:
ـ كيف رأيت يا شقيراء؟
وردت عائشة والغيرة بادية عليها.
ـ رأيت يهودية!
فقال لها الرسول: أنها أسلمت وحسن إسلامها.
وعاشت صفية في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أثرت فيها شخصية الرسول المتكاملة، وحسن رعايته لها .. وحبه الذي يفيض على نسائه جميعا .. ولكن صفية وقد أحبت الرسول حبا جما .. وأنساها الإسلام بمبادئه وتعاليمه وسماحته ما كانت عليه قبل أن تدخل فيه.. ولكنها مع ذلك لم تنج من مضايقات عائشة وحفظة بحكم الغيرة .. فكانا يعيرانها بأنها يهودية .. وعندما كانت تشتكي للرسول كان يقول لها:
ـ قولي لهن كيف تكن خيرا مني وأبي هارون، وعمي موسى عليهما السلام وزوجي محمد.
وتحكي السيرة أن النبي عندما مرض مرضه الذي توفى فيه .. كان يتألم، وحوله أمهات المؤمنين، وقالت له صفية: أما والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي.
وأبصر الرسول زوجاته وهن يغمزنها فقال لهن:
ـ أكففن عن هذا، والله أنها لصادقة.
وانتقل الرسول إلي أكرم جوار .. وظلت صفية مثال المسلمة المحافظة على دينها وسنة الرسول الكريم وتوفيت في خلافة معاوية بن أبي سفيان في عام 50 هجرية، ودفنت بالبقيع..
وقد تصور يهود خبير عندما عاد النبي من صلح الحديبية دون دخول مكة أن ذلك ضعفا في المسلمين، وسمع الرسول أنهم يخططون لقتاله، فقرر الرسول صلى الله عليه وسلم الذهاب لقتالهم، وتوجه النبي بجيشه نحو خيبر .. وعندما أشرف عليها دعا الرسول ربه قائلا:
ـ "اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أملكن ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فأنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلا وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها .. أقدموا باسم الله".
وفي صباح اليوم التالي حاصر المسلمون اليهود تأهبا لقتالهم .. ثم دار القتال بين المسلمين وبين اليهود .. وكان القتال عنيفا .. حتى فتحت خيبر، واستسلمت للمسلمين، وغنم المسلمون غنائم كثيرة. وكان من بين الأسرى صفية بنت زعيم اليهود حيى بن أخطب الذي قتل في المعركة كما قتل زوجها وأخوها.
وكان من الطبيعي أن تحزن صفية لما أصاب أهلها وما حل بهم من هوان. كما كان من الطبيعي أن تجد في صدرها ما يوغرها على رسول الإسلام وكان والدها واحدا من أهم أحبار اليهود وقادتهم .. وكان شديد الكره للإسلام ونبي الإسلام .. وكانت صفية تعلم ذلك تماما .. تعلم إن والدها وعشيرتها يكرهون الدين الجديد .. ويكرهون ما يدعو إليه..
كانت صفية رائعة الجمال .. في ربيع عمرها .. فقد كانت في السابعة عشرة من عمرها .. أنها تفتح عينيها بعد أن وقعت في الأمر .. وقتل أعزل الناس عندها .. الأب والأخ والزوج ترى أن مستقبلها أصبح في يد محمد .. هذا الذي كان يمقته أهلها .. وقد وجدت نفسها برفقة أم سليم .. هذه السيدة الفاضلة التي تنم قسمات وجهها وجمالها ووجودها في ميدان القتال على أنها من معدن صقله الإسلام .. أنها أم أنس بن مالك خادم الرسول، والذي أمرها الرسول برعاية صفية.
وقد حدث أن قامت زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم بإهداء الرسول شاة مشوية بعد أن سممتها .. فقد أرادت أن تقتل الرسول، وقد أكثرت من وضع السم في الذراع بعد أن عرفت حب الرسول له .. وكان مع الرسول بشر بن البراء .. وعندما أكل الرسول من الطعام لم يستسغه وقال:
ـ أن هذا العظم يخبرني بأنه مسموم..!
ولفظ الطعام .. بينما أكل بشر .. فمات بشر .. وأحضر الرسول هذه المرأة التي اعترفت بفعلتها معللة ذلك بقولها:
ـ "بلغني من قومي ما لا يخفي عليك فقلت أن كنت ملكا استرحت منه، وأن كنت نبيا ستخبر".. وقد اقتص منها بعد أن مات بشر.
وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية، وطلبها للزواج فوافقت وقد أخذ النبي يحدثها في طريق العودة إلي المدينة عما فعله به اليهود .. وعن مؤامراتهم التي لا تنتهي .. وموقفهم العدائي من الإسلام ونبي الإسلام .. ورق قلبها للرسول .. ودخل الإيمان قلبها .. فأعلنت إسلامها.
وقد رفضت صفية أن يعرس بها الرسول بعد أن سارعت عدة أميال من خيبر .. وعندما وصل مكان يسمى (الفهياء) .. دخل بها. ولاحظ النبي صلى الله عليه وسلم أن على وجهها أعلا عينيها أثر لطمة تركت آثارها..
وعندما استفسر عنها الرسول قالت له:
ـ رأت في المنام قمرا أقبل من يثرب حتى وقع في حجري، فذكرت ذلك لكنانة زوجي فقال: أتحبين أن تكوني زوجة لهذا الملك الذي يأتي من يثرب (وضرب وجهي) وكان عندما أعرس النبي بزوجته أن أحد الصحابة (أبو أيوب الأنصاري) يحرس النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يغمض له جفن في تلك الليلة خوفا على رسول الله من أن تغدر به صفية ثأرا مما حدث لقومها.
وعندما سأله الرسول عما فعل، قال أنه بات يحرسه خوفا عليه من أن يصيبه مكروه فدعا له الرسول: ـ "اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني".. وأولم الرسول لأصحابه .. وأصبحت صفية أما من أمهات المؤمنين.
وعندما عاد الرسول إلي المدينة كان على صفية أن تعيش في بيت النبوة .. وعرفت أثناء اختلاطها بأزواج النبي أن هناك حزبا تتزعمه عائشة وحفصة، وحزبا آخر من بقية أمهات المؤمنين وتتعاطف معه فاطمة الزهراء وآثرت صفية أن تكون قريبة من الجميع .. ولكن عائشة كانت شديدة الغيرة .. فصفية جميلة في ربيع عمرها .. وإذا كانت تغار من خديجة التي انتقلت إلي جوار ربها .. فكيف بها وهي ترى أمامها شابة بالغة الجمال..
وكان النبي يعرف هذه الغيرة فيها حتى أنه آثر قبل أن يذهب بها إلي بيته أن ينزلها في بيت حارثة بن النعمان .. ولكن عائشة صممت أن تراها .. فتنقبت حتى رأتها، ولكن الرسول عرفها .. فمسك بثوبها وسألها:
ـ كيف رأيت يا شقيراء؟
وردت عائشة والغيرة بادية عليها.
ـ رأيت يهودية!
فقال لها الرسول: أنها أسلمت وحسن إسلامها.
وعاشت صفية في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أثرت فيها شخصية الرسول المتكاملة، وحسن رعايته لها .. وحبه الذي يفيض على نسائه جميعا .. ولكن صفية وقد أحبت الرسول حبا جما .. وأنساها الإسلام بمبادئه وتعاليمه وسماحته ما كانت عليه قبل أن تدخل فيه.. ولكنها مع ذلك لم تنج من مضايقات عائشة وحفظة بحكم الغيرة .. فكانا يعيرانها بأنها يهودية .. وعندما كانت تشتكي للرسول كان يقول لها:
ـ قولي لهن كيف تكن خيرا مني وأبي هارون، وعمي موسى عليهما السلام وزوجي محمد.
وتحكي السيرة أن النبي عندما مرض مرضه الذي توفى فيه .. كان يتألم، وحوله أمهات المؤمنين، وقالت له صفية: أما والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي.
وأبصر الرسول زوجاته وهن يغمزنها فقال لهن:
ـ أكففن عن هذا، والله أنها لصادقة.
وانتقل الرسول إلي أكرم جوار .. وظلت صفية مثال المسلمة المحافظة على دينها وسنة الرسول الكريم وتوفيت في خلافة معاوية بن أبي سفيان في عام 50 هجرية، ودفنت بالبقيع..
وتمضي الأيام ..
وبينما هو في غار حراء .. إذ هبط عليه جبريل ليخبره أنه مبعوث الله إلي خلقه .. وأنه خاتم الأنبياء، ثم أخذ يقرئه أول ما نزل من القرآن الكريم:
(اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم). ورأى جبريل وهو يرتفع بعدها إلي السماء..
وعاد محمد صلى الله عليه وسلم إلي منزله خائفا يرتجف .. وعندما قص على خديجة ما سمعه وما رآه قالت له:
ـ أبشر يا ابن العم واثبت، فوالله أني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
وذهبت خديجة إلي ابن عمها ورقة بن نوفل لتقص عليه ما قاله لها محمد .. وما كان من ورقة إلا أن صمت قليلا ثم أخذ يقول: قدوس .. قدوس.
والتفت إلي خديجة وقال لها:
ـ لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الملك الأكبر الذي كان يأتي موسى فقولي له فليثبت ولا يخشى شيئا".
وعادت خديجة .. لترى زوجها وقد تصبب العرق على وجهه بعد أن أفاق من نومه .. فقد جاءه الوحي .. وكانت كلمات الوحي:
ـ (يا أيها المدثر. قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستنكر ولربك فأصبر).
ولم يعد الأمر تخيلات .. أنه واقع جديد .. وأنه نبي هذه الأمة حقيقة لا شك فيها .. وأنه مبلغ رسالة خالدة خلود الحياة .. وبأن هذه الرسالة ستغير المسار الإنساني في الكون كله .. وليس في مكة وحدها .. ولم يعد هناك سوى تبليغ هذه الرسالة .. مهما كانت المصاعب التي سوف يصادفها .. وأن محمدا ليعرف معرفة اليقين أن الأمر ليس سهلا ولا هينا .. فأناس عاشوا على تقديس ما كان يعبد الأباء والأجداد من الصعب عليهم أن يصدقوا من جاء يقول لهم اعبدوا الله وحده لا شريك له .. وذروا عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر..
ومحمد يعرف تمام المعرفة أن هناك من سيحارب الدعوة لا لوضوحها ولا لصدق مبلغها ولكن حقد وكراهية أن يرتفع إنسان بالنبوة إلي مكانة تسمو على مكانة علية القوم في مكة..!
وهو يعلم تماما أن عقولا درجت على تقديس قيم وعادات بالية لا يمكن لهم بسهولة أن يستبدلوا بها فكرا جديدا .. وعقيدة جديدة .. محمد صلى الله عليه وسلم بذكائه الحاد يعرف كل ذلك ويعرف أن الطريق صعب للغاية .. فيقول لزوجته العظيمة:
ـ "قد انتهى يا خديجة عهد النوم والراحة، فقد أمرني ربي أن أنذر الناس، وأن أدعوهم إلي عبادة إله واحد .. فمن ذا أدعو ومن ذا يجيب؟!!".
وكانت خديجة أول من آمنت به من النساء .. وعندما سمع ورقة بن نوفل من الرسول صلى الله عليه وسلم ما رأى من أمور الوحي قال له:
ـ والله الذي نفسي بيده أنك لنبي هذه الأمة".
ثم قال له:
ـ ليتني أعيش لأنصرك حين يعاديك قومك ويخرجونك من بلدك!! ويدهش خاتم النبيين وهو يقول له:
ـ أيخرجونني من مكة؟!
قال له ورقة: ما جاء نبي برسالة من عند ربه مثل ما جئت به إلا عاداه قومه وأخرجوه من بلده .. ولئن أدركت هذا اليوم لأنصرنك نصرا مبينا!
وتمضي الأيام ..
تعلم قريش بالدعوة .. ولكنها لم تأبه بها في أول الأمر، فقد ظنوا أن الأمر لا يعدو أن تكون دعوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مثل الدعوات التي سبقته من أناس نبذوا عبادة الأصنام .. وعبدوا الله على دين النصارى .. أو تحدثوا في الحكمة من أمثال قيس بن ساعدة وأمية ابن الصلت وورقة بن نوفل .. ولكن ما كادت تمضي السنوات الثلاث الأولى من نزول الوحي حتى جاء الأمر الإلهي بأن يجاهر بالدعوة .. وأن يبدأ بعشيرته الأقربين.
ـ (وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون).
ودعا محمد عشيرته إلي طعام في منزله .. وبعدها قال لهم:
ـ ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به .. فقد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة .. وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه فأيكم يؤاذرني على هذا الأمر؟
ولكن أهله انصرفوا مستهزئين بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم .. وبعد ذلك بأيام صعد النبي عليه الصلاة والسلام وجمع أهل مكة يعرض عليهم الإسلام .. فلما التف حوله الناس وسمعوا من الرسول ما سمعوا صاح به عمه أبو لهب:
ـ تباً لك سائر هذا اليوم ألهذا جمعتنا؟!
ونزل قوله تعالى:
ـ (تبت يدا أبى لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب).
وبدأ الصراع بين قوى الشرك وبين دعوة الرسول الخاتم .. وخديجة رضي اله عنها تؤازر النبي بكل ما تملك من طاقة ومال .. وصدق الرسول العظيم عندما قال لأم المؤمنين خديجة .. وقد تهيأ لنشر نور الله:
ـ "انقضي يا خديجة عهد النوم والراحة، فقد أمرني جبريل أن أنذر الناس وأن أدعوهم إلي الله وعبادته، فمن ذا أدعوه؟ ومن ذا يستجيب لي؟
فما كان من خديجة العظيمة إلا أن ثبتت فؤاده .. ووقفت بجانبه .. لم تتخاذل .. ولم تجد مبررا يبعدها عن مجابهة طغيان مكة وعبثها مع زوجها العظيم .. أنها تعلم علم اليقين أن محمدا الصادق الأمين .. الذي لم يعرف عنه أحد من الناس خيانة لعهد، أو عبادة لصنم، أو حنثا في يمين .. لا يمكن لمثل هذا الإنسان الكامل في شمائله .. الذي لم يكذب على الناس، أن يكذب على الله..
من هنا فقد كرست حياتها للدفاع، عما يدعو إليه خاتم رسل الله .. وأخذت الدعوة تشق طريقها عندما أسلم أبو بكر من الرجال وعلى ابن أبي طالب من الأطفال، وبإسلام أبي بكر دخل الإسلام بعض أصدقائه ممن لهم مكانة في مكة من أمثال عثمان بن عفان .. وعبد الرحمن بن عوف .. وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح..
وإذا بمكة تثور ثائرتها..
وإذا بها تعلن حربا لا هوادة فيها على هذه الدعوة، وتعذب المستضعفين من المسلمين .. وإذا بشهداء يتساقطون (كياسر) وزوجته سمية .. وبينما يزداد طغيان أهل الكفر وعنادهم دخل في الإسلام شخصيات جديدة .. وأصبحت الدعوة نورا يبدد ظلمات الجهل والجاهلية .. زاد الطغيان .. كلما زاد النبي وصحابته تمسكا بالإيمان..
وجن جنون مكة .. وظهر الحسد واضحا في تصرفات سادتها فبعد أن عرفوا أن ما يدعو إليه محمد يرفع من القيم الإنسانية .. ويهدي إلي التي هي أقوم .. ولم يعد هناك خلاف حول ما يدعو إليه .. فهو يدعو إلي الطهر والاستقامة والبعد عن الفحشاء والمنكر .. وهذا ما يتطلبه الإيمان بالله الواحد الأحد الذي خلق كل هذا الوجود .. لم يعد في استطاعتهم إنكار ما جاء به من بيان واضح ورؤية واضحة .. فعمى الحقد والحسد قلوبهم .. حتى أن (الوليد بن المغيرة) قال:
ـأينزل القرآن على محمد وأترك أنا كبير قريش وسيدها، ويترك أبو مسعود عمروا بن عمير الثقفي سيد ثقيف ونحن عظيما القريتين:
وبينما هو في غار حراء .. إذ هبط عليه جبريل ليخبره أنه مبعوث الله إلي خلقه .. وأنه خاتم الأنبياء، ثم أخذ يقرئه أول ما نزل من القرآن الكريم:
(اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم). ورأى جبريل وهو يرتفع بعدها إلي السماء..
وعاد محمد صلى الله عليه وسلم إلي منزله خائفا يرتجف .. وعندما قص على خديجة ما سمعه وما رآه قالت له:
ـ أبشر يا ابن العم واثبت، فوالله أني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
وذهبت خديجة إلي ابن عمها ورقة بن نوفل لتقص عليه ما قاله لها محمد .. وما كان من ورقة إلا أن صمت قليلا ثم أخذ يقول: قدوس .. قدوس.
والتفت إلي خديجة وقال لها:
ـ لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الملك الأكبر الذي كان يأتي موسى فقولي له فليثبت ولا يخشى شيئا".
وعادت خديجة .. لترى زوجها وقد تصبب العرق على وجهه بعد أن أفاق من نومه .. فقد جاءه الوحي .. وكانت كلمات الوحي:
ـ (يا أيها المدثر. قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستنكر ولربك فأصبر).
ولم يعد الأمر تخيلات .. أنه واقع جديد .. وأنه نبي هذه الأمة حقيقة لا شك فيها .. وأنه مبلغ رسالة خالدة خلود الحياة .. وبأن هذه الرسالة ستغير المسار الإنساني في الكون كله .. وليس في مكة وحدها .. ولم يعد هناك سوى تبليغ هذه الرسالة .. مهما كانت المصاعب التي سوف يصادفها .. وأن محمدا ليعرف معرفة اليقين أن الأمر ليس سهلا ولا هينا .. فأناس عاشوا على تقديس ما كان يعبد الأباء والأجداد من الصعب عليهم أن يصدقوا من جاء يقول لهم اعبدوا الله وحده لا شريك له .. وذروا عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر..
ومحمد يعرف تمام المعرفة أن هناك من سيحارب الدعوة لا لوضوحها ولا لصدق مبلغها ولكن حقد وكراهية أن يرتفع إنسان بالنبوة إلي مكانة تسمو على مكانة علية القوم في مكة..!
وهو يعلم تماما أن عقولا درجت على تقديس قيم وعادات بالية لا يمكن لهم بسهولة أن يستبدلوا بها فكرا جديدا .. وعقيدة جديدة .. محمد صلى الله عليه وسلم بذكائه الحاد يعرف كل ذلك ويعرف أن الطريق صعب للغاية .. فيقول لزوجته العظيمة:
ـ "قد انتهى يا خديجة عهد النوم والراحة، فقد أمرني ربي أن أنذر الناس، وأن أدعوهم إلي عبادة إله واحد .. فمن ذا أدعو ومن ذا يجيب؟!!".
وكانت خديجة أول من آمنت به من النساء .. وعندما سمع ورقة بن نوفل من الرسول صلى الله عليه وسلم ما رأى من أمور الوحي قال له:
ـ والله الذي نفسي بيده أنك لنبي هذه الأمة".
ثم قال له:
ـ ليتني أعيش لأنصرك حين يعاديك قومك ويخرجونك من بلدك!! ويدهش خاتم النبيين وهو يقول له:
ـ أيخرجونني من مكة؟!
قال له ورقة: ما جاء نبي برسالة من عند ربه مثل ما جئت به إلا عاداه قومه وأخرجوه من بلده .. ولئن أدركت هذا اليوم لأنصرنك نصرا مبينا!
وتمضي الأيام ..
تعلم قريش بالدعوة .. ولكنها لم تأبه بها في أول الأمر، فقد ظنوا أن الأمر لا يعدو أن تكون دعوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مثل الدعوات التي سبقته من أناس نبذوا عبادة الأصنام .. وعبدوا الله على دين النصارى .. أو تحدثوا في الحكمة من أمثال قيس بن ساعدة وأمية ابن الصلت وورقة بن نوفل .. ولكن ما كادت تمضي السنوات الثلاث الأولى من نزول الوحي حتى جاء الأمر الإلهي بأن يجاهر بالدعوة .. وأن يبدأ بعشيرته الأقربين.
ـ (وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون).
ودعا محمد عشيرته إلي طعام في منزله .. وبعدها قال لهم:
ـ ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به .. فقد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة .. وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه فأيكم يؤاذرني على هذا الأمر؟
ولكن أهله انصرفوا مستهزئين بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم .. وبعد ذلك بأيام صعد النبي عليه الصلاة والسلام وجمع أهل مكة يعرض عليهم الإسلام .. فلما التف حوله الناس وسمعوا من الرسول ما سمعوا صاح به عمه أبو لهب:
ـ تباً لك سائر هذا اليوم ألهذا جمعتنا؟!
ونزل قوله تعالى:
ـ (تبت يدا أبى لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب).
وبدأ الصراع بين قوى الشرك وبين دعوة الرسول الخاتم .. وخديجة رضي اله عنها تؤازر النبي بكل ما تملك من طاقة ومال .. وصدق الرسول العظيم عندما قال لأم المؤمنين خديجة .. وقد تهيأ لنشر نور الله:
ـ "انقضي يا خديجة عهد النوم والراحة، فقد أمرني جبريل أن أنذر الناس وأن أدعوهم إلي الله وعبادته، فمن ذا أدعوه؟ ومن ذا يستجيب لي؟
فما كان من خديجة العظيمة إلا أن ثبتت فؤاده .. ووقفت بجانبه .. لم تتخاذل .. ولم تجد مبررا يبعدها عن مجابهة طغيان مكة وعبثها مع زوجها العظيم .. أنها تعلم علم اليقين أن محمدا الصادق الأمين .. الذي لم يعرف عنه أحد من الناس خيانة لعهد، أو عبادة لصنم، أو حنثا في يمين .. لا يمكن لمثل هذا الإنسان الكامل في شمائله .. الذي لم يكذب على الناس، أن يكذب على الله..
من هنا فقد كرست حياتها للدفاع، عما يدعو إليه خاتم رسل الله .. وأخذت الدعوة تشق طريقها عندما أسلم أبو بكر من الرجال وعلى ابن أبي طالب من الأطفال، وبإسلام أبي بكر دخل الإسلام بعض أصدقائه ممن لهم مكانة في مكة من أمثال عثمان بن عفان .. وعبد الرحمن بن عوف .. وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح..
وإذا بمكة تثور ثائرتها..
وإذا بها تعلن حربا لا هوادة فيها على هذه الدعوة، وتعذب المستضعفين من المسلمين .. وإذا بشهداء يتساقطون (كياسر) وزوجته سمية .. وبينما يزداد طغيان أهل الكفر وعنادهم دخل في الإسلام شخصيات جديدة .. وأصبحت الدعوة نورا يبدد ظلمات الجهل والجاهلية .. زاد الطغيان .. كلما زاد النبي وصحابته تمسكا بالإيمان..
وجن جنون مكة .. وظهر الحسد واضحا في تصرفات سادتها فبعد أن عرفوا أن ما يدعو إليه محمد يرفع من القيم الإنسانية .. ويهدي إلي التي هي أقوم .. ولم يعد هناك خلاف حول ما يدعو إليه .. فهو يدعو إلي الطهر والاستقامة والبعد عن الفحشاء والمنكر .. وهذا ما يتطلبه الإيمان بالله الواحد الأحد الذي خلق كل هذا الوجود .. لم يعد في استطاعتهم إنكار ما جاء به من بيان واضح ورؤية واضحة .. فعمى الحقد والحسد قلوبهم .. حتى أن (الوليد بن المغيرة) قال:
ـأينزل القرآن على محمد وأترك أنا كبير قريش وسيدها، ويترك أبو مسعود عمروا بن عمير الثقفي سيد ثقيف ونحن عظيما القريتين: