عنوان الموضوع : __(: __الحياة حلوة بس نفهمها __
__ - نقاش حر
مقدم من طرف منتديات أميرات
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت قبل يومين موضوع مفيد أعجبني كثيرا
عبارة عن تلخيص لالبوم رائع
أحببت ان تشاركوني قراءته فالبرغم من طول الموضوع الا انه يستحق القراءة
انصحكم بان تحفظوه وتقرأوه في اوقات الفراغ

___________________________
الحياة الطيبة البوم من ستة أشرطة لفضيلة الدكتور / عبد الكريم بكار ( حفظه الله تعالى )..
تناول أ. د . بكار في هذا الإصدار على نحو مفصل وعميق كثيراً من المعاني
التي تتصل بمفهوم السعادة والحياة الطيبة ، كما أنه تعرض على نحو شامل للأشياء
والأمور التي تنغص على الناس حياتهم من نحو ضياع الهدف الأسمى في الحياة
ونحو السأم والملل والحسد والكبر والغرور والشعور بالاضطهاد والفراغ والبطالة
والإرهاق والقلق والخوف والأنانية وما شاكل ذلك ..
كما أنه تحدث في محور ثالث عن الأمور التي تجلب للإنسان الهناء منطلقاً
من رؤية إسلامية أصيلة لطبيعة النفس البشرية وطبيعة أحداث الحياة التي تمر بها .
وقد تحدث في ذا السياق عن الإيمان بالله تعالى ومقتضياته ودوره في جلب الطمأنينة والسعادة ،
كما تحدث عن الاعتدال والتوسط والقناعة والرضا والعمل اليدوي والتبسم والبشاشة
والرؤية الكلية والعلاقات الاجتماعية وغير ذلك ..
وإننا إذ نقدم هذا العمل لنشعر بالثقة بأنه سوف يساعد على دفع الكثير من أسباب الشقاء ،
كما يساعد على جلب الكثير من أشكال السرور ...
والله الموفق .....
" الناشر "
الشريط الأول ....
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله رب العالمين .. حمد الشاكرين .. والصلاة والسلام على نبي الرحمة وإمام الهدى نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيلهم ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين .. وبعد
فإن الله جل وعلا ما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب إلا من أجل إنقاذ البشرية من الشقاء ودفعها في اتجاه الحياة الكريمة الهانئة المطمئنة التي تليق بهذا الإنسان المكرم والذي سخر الله له ما في السموات والأرض منةً منه وفضلا .. هذه الحياة ليست هي الحياة الدنيا فحسب وليست هي الحياة الآخرة وحدها .. فالرؤية الإسلامية للدارين تقوم على أنهما يشكلان فصلين من رواية واحدة ومع أن الفصل الأول هو الأقصر وهو الأقل شأناً إلا أنه لا يقرأ الفصل الثاني ولا يفهم ولا يكون إلا بعد قراءته حيث لا حظ في الآخرة ولا في الجنة لمن لم يمر على الحياة الدنيا وهذا يشكل التفاتة مهمة إلى ضرورة عدم الاستخفاف بالحياة التي نحياها هنا على هذه الأرض حيث إنها تستحق منا كل الاهتمام وكل العناية ما دامت تشكل الممر الوحيد إلى الحياة الأبدية الخالدة والدائمة
ومع أن الله جل وعلا حذرنا من أن ننظر نظرة خاطئة أو نظرة جاهلة أو حولاء للدنيا ومتعها وملذاتها ومشكلاتها ومصائبها فإنه وعد عباده الصالحين بحياة طيبة على هذه الأرض تشكل هذه الحياة عاجل البشرى ومقدمة الجزاء الذي أعده لهم في الآخرة حيث قال جل وعلا ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) وهذه الحياة الطيبة الموعودة على الإيمان والعمل الصالح اختلف فيها المفسرون ، فقال بعضهم : إنها القناعة ، وقال آخر : إنها السعادة ، وهذا ما أرجحه ، وقيل هي حلاوة الطاعة ، وقيل : هي الاستغناء عن الناس والافتقار إلى الله تعالى ، وقيل : هي التوفيق إلى الطاعة التي تؤدي بالمؤمن إلى رضوان الله تعالى ،،،
واضح جدا أيها الإخوة الربط في هذه الآية بين إكرام الله لعباده الصالحين في الدنيا وبين إكرامه لهم في الآخرة حين يوفيهم أجورهم يوم ذاك بأحسن ما كانوا يعملون ، وقال سبحانه : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) فالثياب الجميلة الحسنة والمطاعم اللذيذة مما أبيح للمسلم إذا خلا الاستمتاع بها من التبذير والكبر والخيلاء وهذه الأمور مشتركة في الدنيا بين جميع الناس برهم وفاجرهم ، مسلمهم وكافرهم ، لكنها في الآخرة تكون خالصة للمؤمنين وخاصة بمن فاز بمغفرة الله ورضوانه ،،،،
إن الله جلا وعلا قد فطر النفوس على الميل إلى النعيم وإلى الأمن والاطمئنان والرفاهية كما فطرهم على حب التقليل من بذل الجهد والبعد عما يسبب العناء والبعد عما يسبب الألم وكل ما يعكر المزاج ويهدد الاستقرار ، والأشخاص الذين يحبون أن يكونوا أشقياء تعساء غير موجودين ، أو هم في الحقيقة نادرون جداً أو هم مرضى ، وهناك يقين بأن المستمع الكريم يحب بشغف ولهفة أن يكون هانئاً في حياته ظافراً براحة البال ومستحوذا على الكثير من الطيبات ، ولا أدري على وجه اليقين إن كنت من خلال هذا العمل أستطيع أن أساعد نفسي وأن أساعده على بلوغ ذلك ، أرجوا منه ،،،،
ولا أذكر أنني عالجت موضوعا في يوم من الأيام فيه من الغموض والالتباس والتداخل والتشابك والاستثناءات ما وجدته في هذا الموضوع ، وسيلمس السامع الكريم ذلك من خلال تناولنا لهذه القضية الحيوية جدا بالنسبة إلى كل واحد منا ، وهذه في الحقيقة سميتها قضية تجوزاً ، هي ليست قضية ، إنها أم كل القضايا ، وليست مسألة لكنها أم كل المسائل ، ومشكلة كل المشكلات ،،،،
إن عقولنا وأمزجتنا مختلفة وإن وقع مسرات الحياة في نفوسنا يختلف من شخص إلى شخص آخر كما أن وقع كرباتها وآلامها وأحزانها في نفوسنا يختلف كذلك ، لهذا فإن كل واحد من يحتاج كي يحيا حياة طيبة إلى وصفة خاصة كما يحتاج المريض الذي يعاني من عدد من الأمراض الخطيرة إلى خطة علاجية دقيقة وشخصية وخاصة ، ولكن مع هذا فإن بين الناس العديد من الأمور المشتركة فنحن البشر محكومون بسنن إلهية واحدة وموحدة ، ولنا نزعات وميول متقاربة ، والأشياء التي تزعجنا كثيرة ومتنوعة ، لكن مع كثرتها ومع تنوعها هي مزعجات بالنسبة إلى كل واحد أو إلى معظم الناس ،،،
ومن هنا فإننا سننتفع بإذن الله تعالى من وراء زيادة بصيرتنا بما نريده من هذه الحياة وبما لا نريده ، كما سننتفع بالخبرات التي تعلمنا كيف نوجه إدراكنا وكيف نعيد تقييم الأشياء والأحداث من أفق عقائدنا ومن أفق الحاجات والشروط التي يمليها عيشنا في زمان كثير المغريات كثير المتطلبات زمان كثير الأزمات وكثير الفرص أيضا والتحديات ، علينا أن نكون صرحاء وواقعيين حتى لا نقع في التهويل أو التبسيط ،،،،
إن مفهوم السعادة " الحياة الطيبة " مفهوم غامض يكاد يكون سرا أودعه الله جلا وعلا في العلاقة القائمة بين الإنسان والأشياء ، فالإنسان الكائن المحدود مهما كان نافذ البصيرة ومهما ملك من المفاهيم والأدوات يظل عاجزاً عن إدراك ما يريده في هذه الحياة على وجه التحديد ، حيث إن كل واحد من مشتهياتنا قد يجلب لنا السرور والهناء لمدة ثم يفقد مفعوله وبهجته أو يتحول إلى شيء منغص نتمنى أننا لم نحصل عليه ،،،
سعادتنا الحقيقية تحتاج إلى علم مطلق بكل الأشياء وهذا ما لا سبيل إليه بالنسبة إلى كل واحد من البشر ولهذا فإن إتباع سبيل الله والامتثال لأمره والبحث عن مراضيه في المنشط والمكره والسراء والضراء إن ها يضمن لنا الكثير الكثير من أسباب الهناء والاطمئنان والفوز ، إنه يرسم لنا كل الخطوط العريضة ، وعلينا نحن باجتهادنا وبحنكتنا أن نبحث في التفاصيل و نتلمس ما يساعدنا على أن نكون أكثر اطمئناناً وأقل تعاسةً وشقاء
إن ظفرنا بالحياة الطيبة لا يحتاج إلى الكثير من العلم ، ولا يحتاج إلى الكثير من القواعد ، إذ لو أن العلم ينفع في هذا الباب لكان ما كتب عن أسباب السعادة والهناء كافياً لئلا يظل على وجه الأرض شقي واحد ولا تعيس ، إن حاجتنا الأساسية في إصلاح حياتنا الشخصية تتركز في الحكمة ، أي في نوعية القرار الذي يتخذه كل واحد منا ، وفي نوعية الاختيار للطريق الذي عليه أن يسلكه ، إن القليل من الحكمة ينفع المرء ولو لم يتوفر له إلا القليل من العلم لكن الكثير من العلم مع الحرمان من الحكمة قد لا يفيدنا إلا قليلا ، وقد لا نجد فيه أي شيء لإسعادنا ، ولهذا فهناك ما لا يحصى من العلماء التعساء ، وهناك ما لا يحصى من الحكماء السعداء ، وصدق الله تعالى إذ يقول : ( ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) فلنطالع في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولنطلع على تراث الأمم ووصاياها وأمثالها وحكمها كي ننير بصائرنا وكي نتعرف على الطريق التي تؤدي فعلا إلى الحياة الطيبة هنا في الحياة الدنيا وهناك في الحياة الآخرة ، الحياة الطيبة قد تلتبس باللذة والنشوة ، وقد تلتبس بالشعور بالرضا عن الذات وعن الأوضاع المعيشية الراهنة ، ولهذا فلابد من محاولة الفصل بينها قبل أ نمضي في حديثنا إلى منتاه ،،،
لابد أيها الإخوان من القول : إن الله جل وعلا يسير الكون وفق نظم وقوانين كما أنه سبحانه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ووضع في الإنسان ميولاً فطرية غريزية تلح عليه كي يرضيها وذالك من أجل بقاء الإنسان ومن أجل استمراره في هذه الحياة لكنه في الوقت نفسه سنّ لنا الشرائع التي تتطلب منا تلبية حاجاتنا وإشباع غرائزنا وفق ما يعود علينا بالنفع الشامل وفي الإطار الآمن ، والناس في الامتثال لأمر الله أثناء تلبية حاجاتهم المختلفة هم في الحقيقة أجناس وأشكال ، وأسوأهم حالاً أولئك الذين يبحثون عن النشوة واللذة أينما كانت ومهما ترتب على الحصول عليها من مآثم وأضرار خاصة وعامة ، إنهم أرقاء لدى نزواتهم التي لا تعرف الارتواء ولا تتوقف عند أي حد اللهم إلا حداً واحدا هو حد العجز وحد الشيخوخة والأمراض الفتاكة ،،،،
ولنضرب مثالاً على ما نريد ، تناولنا للطعام يشكل ضرورة لبقائنا أحياءً ونحن حين نأكل نتلذذ بأكل ما نشتهيه ونصل في لحظة ما إلى حد الشبع وتلاشي الشهية ثم تتجدد الشهية مرة أخرى ونجد لذة جديدة عند تناول ما نشتهي ، إننا نشعر باللذة ما دام الطعام في أفواهنا فإذا تجاوزها ذهبت لذة تناول الطعام ، ومن هنا فإن اللذة تأخذ طابع المؤقت وتأخذ طابع العارض حيث لا يمكن إطالة أمدها والإحساس بها عن وقت تناولها ، ،،
وهذا شيء أساسي في تفريق اللذة عن السعادة ، الملذات ينقضي الإحساس بها مع انقضاء وقتها تماماً ثم تصبح شيئاً في الذاكرة ، وهذا الذي يشتهي الطعام بقوة إذا أكل عن الحد المعتاد فإن لذة تناول الطعام تكون سبباً في إصابته بالأمراض والأدواء ، وإذا تناول الإنسان ما هو ضار ببدنه فإنه أيضاً يشعر أنه في سبيل الشعور باللذة يلحق بنفسه وبجسده الأضرار والآلام ، ولهذا فإنه وهو يتلذذ بتناول الطعام لا يكون سعيداً على نحو خالص لأن صوتاً من داخله يحثه على الكف عن الطعام ، والعاقل يدرك أن هذه اللذة العابرة قد تخلف له من الأوجاع والأسقام الدائمة ما لا يتحمله بدنه ولاسيما عندما يتقدم به العمر ، ،،،
وهكذا ، فليست كل لذة سعادة ، مع أن السعادة والحياة الطيبة ترتبطان باللذة لكن ليست كل سعادة متوقفة على اللذة ، كما أنه ليست كل لذة سعادة ، حين نضع صدقة في يد فقير ونسمع منه دعوة صادقة فإننا لا نشعر بلذة لكننا نشعر بسعادة غامرة تصل في بعض الأحيان إلى أن تسيل دموعنا من الفرح بالعمل الذي قمنا به ، وكثيراً ما يتناقش أفراد الأسرة أثناء تناول الطعام وقد يشعرون بسعادة الحوار ومقارعة الحجة بالحجة أكثر من شعورهم بلذة الطعام ، إلى درجة نسيان أنهم يأكلون ، وقد يتطور الحوار إلى شجار فيغلب طابع النكد على الحضور وينسون مرة أخرى أنهم يأكلون ،،،
إذا كانت اللذة تأخذ طابع العابر والمؤقت وتخضع لغريزة الإرواء المباشر فإن الحياة الطيبة ليست كذلك ، إنها تشبه وضعية من يتربع على قمة من الانشراح والحبور والطمأنينة ورجاء ما عند الله من الخير ، إن من يحيا حياة طيبة يتلذذ بكل شيء في إيطار المباح وفي إيطار الاعتدال ، إنه لا ينساق خلف لذة عابرة متجاهلاً الآثار السيئة والأضرار البالغة التي تترتب عليها في الدنيا أو في الآخرة ، إنه يتصرف في الحاضر مراعياً المستقبل عن طريق تنظيم تناوله للملذات وإيقاف رغباته عند الحدود التي يتطلبها الاستمرار في السعادة والاستمرار في الطمأنينة ،،،
من شأن طالب الملذات أن يرتمي على كل لذة تعرض ليعب منها على مقدار ما يستطيع ، أما طالب الحياة الطيبة ، فإنه يريد للذته أن تكون شاملة ، تتصل بوجوده كله ، وترعى حاجاته وميوله وقيمه وأخلاقه وتراعي قيم المجتمع الذي يعيش في وما يتصل بمصيره ومستقبله ،،،
حين ينظم الإنسان طريقة تلذذه بالحياة لتكون على الوصف والوضع الذي أشرت إليه ، فإنه بعون الله وتوفيقه يتمكن من تحويل السرور إلى فرح والإحساس إلى ابتهاج والمتعة إلى حبور ،إنه يشعر أنه على الطريق الصحيح ، وفي الوضعية الصحيحة ، ويشعر أنه ليس أقل من غيره ، وان ما يتوقعه من رحمة الله ولطفه ومعونته سيجعل ما هو قادم من الأيام أفضل وأجمل وأمتع مما هو حاضر ،،،
إن بين اللذة والحياة الطيبة فارقاً أشبه بالفارق بين الإنفاق الفوري لمالٍ جاهز يمتلكه وبين تكوين رأس مال أو احتياط للأيام القادمة ،،،
إذا تركنا نفوسنا دون مجاهدة أو استخدام للعقل والذكاء والتدبير فإنها ستندفع إلى البحث عن الملذات كما يندفع الماء نحو الأماكن المنخفضة ، وهذا هو شأن البهائم ، لكن الله جل وعلا لم يكلف البهائم بشيء ولم يعدها بجنان الخلد ولا أعطاها العقل ولا فإنه سبحانه وفر لها الاعتدال ووفر لها الحماية عن طريق الغريزة ، فالحيوان لا يصاب بالتخمة كما يصاب الإنسان ولا يصطاد إلا على مقدار حاجته ، أما الإنسان فإنه مستعد لأن يوقع في الأزمات وفي المآسي ألوفاً من البشر في سبيل إرضاء نزواته ، لذالك هنا نقول فلان صاحب شهوة بهيمية ، ربما تكون هذه العبارة تنطوي على شيء من الظلم للبهائم ، الشهوة الإنسانية حينما تنطلق في أي مجال دون اعتبار أخلاقي أو دون اعتبار ديني أواعتبار إنساني يعني حينما تنطلق تفوق شهوات البهائم بمراحل في الحقيقة ،،،
إن عقولنا وأمزجتنا مختلفة وإن وقع مسرات الحياة في نفوسنا يختلف من شخص إلى شخص آخر كما أن وقع كرباتها وآلامها وأحزانها في نفوسنا يختلف كذلك ، لهذا فإن كل واحد من يحتاج كي يحيا حياة طيبة إلى وصفة خاصة كما يحتاج المريض الذي يعاني من عدد من الأمراض الخطيرة إلى خطة علاجية دقيقة وشخصية وخاصة ، ولكن مع هذا فإن بين الناس العديد من الأمور المشتركة فنحن البشر محكومون بسنن إلهية واحدة وموحدة ، ولنا نزعات وميول متقاربة ، والأشياء التي تزعجنا كثيرة ومتنوعة ، لكن مع كثرتها ومع تنوعها هي مزعجات بالنسبة إلى كل واحد أو إلى معظم الناس ،،،
ومن هنا فإننا سننتفع بإذن الله تعالى من وراء زيادة بصيرتنا بما نريده من هذه الحياة وبما لا نريده ، كما سننتفع بالخبرات التي تعلمنا كيف نوجه إدراكنا وكيف نعيد تقييم الأشياء والأحداث من أفق عقائدنا ومن أفق الحاجات والشروط التي يمليها عيشنا في زمان كثير المغريات كثير المتطلبات زمان كثير الأزمات وكثير الفرص أيضا والتحديات ، علينا أن نكون صرحاء وواقعيين حتى لا نقع في التهويل أو التبسيط ،،،،
إن مفهوم السعادة " الحياة الطيبة " مفهوم غامض يكاد يكون سرا أودعه الله جلا وعلا في العلاقة القائمة بين الإنسان والأشياء ، فالإنسان الكائن المحدود مهما كان نافذ البصيرة ومهما ملك من المفاهيم والأدوات يظل عاجزاً عن إدراك ما يريده في هذه الحياة على وجه التحديد ، حيث إن كل واحد من مشتهياتنا قد يجلب لنا السرور والهناء لمدة ثم يفقد مفعوله وبهجته أو يتحول إلى شيء منغص نتمنى أننا لم نحصل عليه ،،،
سعادتنا الحقيقية تحتاج إلى علم مطلق بكل الأشياء وهذا ما لا سبيل إليه بالنسبة إلى كل واحد من البشر ولهذا فإن إتباع سبيل الله والامتثال لأمره والبحث عن مراضيه في المنشط والمكره والسراء والضراء إن ها يضمن لنا الكثير الكثير من أسباب الهناء والاطمئنان والفوز ، إنه يرسم لنا كل الخطوط العريضة ، وعلينا نحن باجتهادنا وبحنكتنا أن نبحث في التفاصيل و نتلمس ما يساعدنا على أن نكون أكثر اطمئناناً وأقل تعاسةً وشقاء
إن ظفرنا بالحياة الطيبة لا يحتاج إلى الكثير من العلم ، ولا يحتاج إلى الكثير من القواعد ، إذ لو أن العلم ينفع في هذا الباب لكان ما كتب عن أسباب السعادة والهناء كافياً لئلا يظل على وجه الأرض شقي واحد ولا تعيس ، إن حاجتنا الأساسية في إصلاح حياتنا الشخصية تتركز في الحكمة ، أي في نوعية القرار الذي يتخذه كل واحد منا ، وفي نوعية الاختيار للطريق الذي عليه أن يسلكه ، إن القليل من الحكمة ينفع المرء ولو لم يتوفر له إلا القليل من العلم لكن الكثير من العلم مع الحرمان من الحكمة قد لا يفيدنا إلا قليلا ، وقد لا نجد فيه أي شيء لإسعادنا ، ولهذا فهناك ما لا يحصى من العلماء التعساء ، وهناك ما لا يحصى من الحكماء السعداء ، وصدق الله تعالى إذ يقول : ( ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) فلنطالع في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولنطلع على تراث الأمم ووصاياها وأمثالها وحكمها كي ننير بصائرنا وكي نتعرف على الطريق التي تؤدي فعلا إلى الحياة الطيبة هنا في الحياة الدنيا وهناك في الحياة الآخرة ، الحياة الطيبة قد تلتبس باللذة والنشوة ، وقد تلتبس بالشعور بالرضا عن الذات وعن الأوضاع المعيشية الراهنة ، ولهذا فلابد من محاولة الفصل بينها قبل أ نمضي في حديثنا إلى منتاه ،،،
لابد أيها الإخوان من القول : إن الله جل وعلا يسير الكون وفق نظم وقوانين كما أنه سبحانه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ووضع في الإنسان ميولاً فطرية غريزية تلح عليه كي يرضيها وذالك من أجل بقاء الإنسان ومن أجل استمراره في هذه الحياة لكنه في الوقت نفسه سنّ لنا الشرائع التي تتطلب منا تلبية حاجاتنا وإشباع غرائزنا وفق ما يعود علينا بالنفع الشامل وفي الإطار الآمن ، والناس في الامتثال لأمر الله أثناء تلبية حاجاتهم المختلفة هم في الحقيقة أجناس وأشكال ، وأسوأهم حالاً أولئك الذين يبحثون عن النشوة واللذة أينما كانت ومهما ترتب على الحصول عليها من مآثم وأضرار خاصة وعامة ، إنهم أرقاء لدى نزواتهم التي لا تعرف الارتواء ولا تتوقف عند أي حد اللهم إلا حداً واحدا هو حد العجز وحد الشيخوخة والأمراض الفتاكة ،،،،
ولنضرب مثالاً على ما نريد ، تناولنا للطعام يشكل ضرورة لبقائنا أحياءً ونحن حين نأكل نتلذذ بأكل ما نشتهيه ونصل في لحظة ما إلى حد الشبع وتلاشي الشهية ثم تتجدد الشهية مرة أخرى ونجد لذة جديدة عند تناول ما نشتهي ، إننا نشعر باللذة ما دام الطعام في أفواهنا فإذا تجاوزها ذهبت لذة تناول الطعام ، ومن هنا فإن اللذة تأخذ طابع المؤقت وتأخذ طابع العارض حيث لا يمكن إطالة أمدها والإحساس بها عن وقت تناولها ، ،،
وهذا شيء أساسي في تفريق اللذة عن السعادة ، الملذات ينقضي الإحساس بها مع انقضاء وقتها تماماً ثم تصبح شيئاً في الذاكرة ، وهذا الذي يشتهي الطعام بقوة إذا أكل عن الحد المعتاد فإن لذة تناول الطعام تكون سبباً في إصابته بالأمراض والأدواء ، وإذا تناول الإنسان ما هو ضار ببدنه فإنه أيضاً يشعر أنه في سبيل الشعور باللذة يلحق بنفسه وبجسده الأضرار والآلام ، ولهذا فإنه وهو يتلذذ بتناول الطعام لا يكون سعيداً على نحو خالص لأن صوتاً من داخله يحثه على الكف عن الطعام ، والعاقل يدرك أن هذه اللذة العابرة قد تخلف له من الأوجاع والأسقام الدائمة ما لا يتحمله بدنه ولاسيما عندما يتقدم به العمر ، ،،،
وهكذا ، فليست كل لذة سعادة ، مع أن السعادة والحياة الطيبة ترتبطان باللذة لكن ليست كل سعادة متوقفة على اللذة ، كما أنه ليست كل لذة سعادة ، حين نضع صدقة في يد فقير ونسمع منه دعوة صادقة فإننا لا نشعر بلذة لكننا نشعر بسعادة غامرة تصل في بعض الأحيان إلى أن تسيل دموعنا من الفرح بالعمل الذي قمنا به ، وكثيراً ما يتناقش أفراد الأسرة أثناء تناول الطعام وقد يشعرون بسعادة الحوار ومقارعة الحجة بالحجة أكثر من شعورهم بلذة الطعام ، إلى درجة نسيان أنهم يأكلون ، وقد يتطور الحوار إلى شجار فيغلب طابع النكد على الحضور وينسون مرة أخرى أنهم يأكلون ،،،
إذا كانت اللذة تأخذ طابع العابر والمؤقت وتخضع لغريزة الإرواء المباشر فإن الحياة الطيبة ليست كذلك ، إنها تشبه وضعية من يتربع على قمة من الانشراح والحبور والطمأنينة ورجاء ما عند الله من الخير ، إن من يحيا حياة طيبة يتلذذ بكل شيء في إيطار المباح وفي إيطار الاعتدال ، إنه لا ينساق خلف لذة عابرة متجاهلاً الآثار السيئة والأضرار البالغة التي تترتب عليها في الدنيا أو في الآخرة ، إنه يتصرف في الحاضر مراعياً المستقبل عن طريق تنظيم تناوله للملذات وإيقاف رغباته عند الحدود التي يتطلبها الاستمرار في السعادة والاستمرار في الطمأنينة ،،،
من شأن طالب الملذات أن يرتمي على كل لذة تعرض ليعب منها على مقدار ما يستطيع ، أما طالب الحياة الطيبة ، فإنه يريد للذته أن تكون شاملة ، تتصل بوجوده كله ، وترعى حاجاته وميوله وقيمه وأخلاقه وتراعي قيم المجتمع الذي يعيش في وما يتصل بمصيره ومستقبله ،،،
حين ينظم الإنسان طريقة تلذذه بالحياة لتكون على الوصف والوضع الذي أشرت إليه ، فإنه بعون الله وتوفيقه يتمكن من تحويل السرور إلى فرح والإحساس إلى ابتهاج والمتعة إلى حبور ،إنه يشعر أنه على الطريق الصحيح ، وفي الوضعية الصحيحة ، ويشعر أنه ليس أقل من غيره ، وان ما يتوقعه من رحمة الله ولطفه ومعونته سيجعل ما هو قادم من الأيام أفضل وأجمل وأمتع مما هو حاضر ،،،
إن بين اللذة والحياة الطيبة فارقاً أشبه بالفارق بين الإنفاق الفوري لمالٍ جاهز يمتلكه وبين تكوين رأس مال أو احتياط للأيام القادمة ،،،
إذا تركنا نفوسنا دون مجاهدة أو استخدام للعقل والذكاء والتدبير فإنها ستندفع إلى البحث عن الملذات كما يندفع الماء نحو الأماكن المنخفضة ، وهذا هو شأن البهائم ، لكن الله جل وعلا لم يكلف البهائم بشيء ولم يعدها بجنان الخلد ولا أعطاها العقل ولا فإنه سبحانه وفر لها الاعتدال ووفر لها الحماية عن طريق الغريزة ، فالحيوان لا يصاب بالتخمة كما يصاب الإنسان ولا يصطاد إلا على مقدار حاجته ، أما الإنسان فإنه مستعد لأن يوقع في الأزمات وفي المآسي ألوفاً من البشر في سبيل إرضاء نزواته ، لذالك هنا نقول فلان صاحب شهوة بهيمية ، ربما تكون هذه العبارة تنطوي على شيء من الظلم للبهائم ، الشهوة الإنسانية حينما تنطلق في أي مجال دون اعتبار أخلاقي أو دون اعتبار ديني أواعتبار إنساني يعني حينما تنطلق تفوق شهوات البهائم بمراحل في الحقيقة ،،،
" الشعور بالرضا"
نحن قلنا نفرق بين الحياة الطيبة أو الشعور بالسعادة وبين الشعور باللذة وبين الشعور بالرضا ن الشعور بالرضا شيء غير السعادة وغير اللذة ، إنه شعور تنتجه المقارنة مع الآخرين والتي تفضي إلى الإحساس بالتفوق والكفاءة والنجاح ، حين تكون طبيباً ناجحاً وتتذكر بائع الخضار أو الحداد الذي كان معك في الصف الثالث الابتدائي وربما كان متفوقاً عليك آن ذاك فإنك لا محالة ستشعر بالرضا عن الإنجاز الذي حققته بالنسبة إلى ما حققه زميلك في الدراسة سابقا ، الشعور بالرضا عن الموقع الذي يحتله الواحد منا وعن العمل الذي يعمل فيه لا يخالط شغاف القلب ! لماذا ؟ لأنه عمل عقلي يقنع المرء من خلاله نفسه بأنه قوي وبأنه متفوق وبأنه كفء وهو في تصوري شعور عابر ويمكن أن يتحول إلى نعيم إذا قرناه بالحمد والشكر لله والثناء على ما هدى ووفق وأعان ، وحاولنا تأدية زكاة ذلك ،، فالتفوق على صورة مساعدة لمن يحتاج المساعدة من الأهل والأصدقاء والجار ،،،
ومع هذا فلنكن على حذر فإن الشعور بالرضا الذي تأتي به المقارنات تذهب به أيضاً المقارنات ، إذا نحن نظرنا إلى أحد الأقران السابقين فوجدناه أكثر منا ثراءً أو أكثر نجاحاً أو أكثر نفوذاً أو أكثر صلاحاً إذا وجدنا ذلك فإن الشعور بالرضا يذهب ليحل محله الشعور بالتعاسة ، ،،
خلاصة كل ما قلناه هنا وأحب أن أسوق هذه الخلاصة للتركيز على المعاني السابقة ...
الخلاصة : أن الله جل وعلا يحب لعباده أن ينجحوا في الاختبار والابتلاء الذي كتبه عليهم إ أوجدهم في هذه الدنيا كما أن سبحانه أرشدهم إلى كل ما يوفر لهم الحياة الطيبة السعيدة وترك لهم أن يختاروا ما يرونه مناسباً لهم ، وذكرنا أيضاً أن علينا أن لا نخطئ كما أخطأ الملحدون والعلمانيون وأولئك الغارقون في الشهوات حين نظروا إلى الدنيا على أنها هي الفرصة الوحيدة لاقتناص الملذات ، فاختلت حياتهم كلها وهدموا في أنفسهم وأبدانهم العديد من الجوانب دون أن يشعروا أو دون أن يكونوا قادرين على فعل ما يرونه يصب في مصلحتهم الحقيقية ، إن نظرتنا إلى الحياة الطيبة لن تكون أبداً صحيحة وصائبة إلا إذا نظرنا إلى الدنيا على أنها بكل ما فيها ليست سوى الفصل الأول من الرواية ، والحكم على أننا سعداء أو أشقياء من خلالها سيكون مثل حكم الذي حكم على الرواية دون أن يقرأ الفصل الأخير فيها ،،،
الحكمة هي التي نحتاجها في إدارة حياتنا وحين نحرم منها فإن العلم لن ينفعنا كثيرا في ترشيد اختياراتنا وقراراتنا ، وقد فرقنا كما مر بنا قبل قليل بين اللذة والنشوة بوصفهما أمرين سريعين عابرين وبين السعادة بوصفها الوضعية الجيدة والملائمة لمتطلبات قيمنا وعقائدنا وغرائزنا وحاجات مستقبلنا ، ومع أن السعادة تشتبه باللذة لكن كما ذكرت لا تتطابقان ولا يتوقف على نحو دائم حصول واحدة على وجود الأخرى ،،، هذا ملخص سريع لما ذكرته في الدقائق الماضية ،،،
ولعلي هنا أسوق بعض الرؤى والخبرات حول السعادة لعلماء ومفكرين وفلاسفة وخبراء مسلمين وغير مسلمين لعلنا نجد فيها ما يهدينا إلى بلورة رؤية أكثر وضوحاً حول هذه القضية المهمة والحية أو قضية القضايا كما أشرت ، ولعلنا أيضا نجد فيها ما يرشد سلوكنا واهتماماتنا في طلب الحياة الطيبة ،،،،
يقول أحدهم : إن السعادة الحقيقية تكمن في تقدير مواهب الآخرين والفرح لفرحهم ولهذا فإن أسعد إنسان هو ذاك الذي كلما رأى شخصاً مسروراً أحس بالسرور يتغلغل في نفسه ، وبما أن المسرورين في هذه الدنيا كثيرون فإنه سيجد دائماً مصدراً متجدداً لمباهج الروح ، طبعاً لم يسأل صاحب هذا القول نفسه عما إذا كان هذا المبتهج بسعادة الآخرين يعاني من مغص كلوي أو من تراكم الديون أو من قهر عدو ، كيف يمكن تجاوز ذالك بكل ضغوطاته إلى الإحساس بالآخرين ...
حكيم آخر نظر إلى الوجه الآخر من العملة حين قال : إن القلوب الكبيرة لا تسعد أبداً بسبب ما تحسه من نقص في سعادة الآخرين ، وعلى هذا فالسعادة من نصيب الأنانيين ومن نصيب المغفلين ، فهذا يؤكد ما ذكرته قبل قليل من أن قضية السعادة قضية ملتبسة وقضية غامضة تضطرب فيها الأقوال إلى حد التناقض والتضاد ،،،
السؤال الذي يطرح نفسه على هذا القول : كيف تكون حال أولئك الذين يحبون العزلة الاجتماعية فلا يشعرون بالسعداء ولا يشعرون بالأشقياء ؟ هل يكونون في منزلة بين المنزلتين ؟ كما تقول بعض الفرق في بعض المسائل !! أي لا مع الأشقياء ولا مع السعداء ؟؟؟؟!!!
لا ريب أن كل واحدٍ من هذين القولين ينطوي على شيء من المبالغة وينطوي أيضاً على جزء من الحقيقة ..
يقول ثالث : ضاعف جهلك لتبلغ السعادة . ويعني بذالك أن الذين يدققون في الأشياء ويطلعون على ما في الواقع يجدون الكثير من الخلل والكثير من الفواجع مما يكدر خاطرهم ، ولذا فإن جهلهم يحميهم من ذالك ، ولهذا القول نصيب من الصحة لكن علينا أن لا ننسى المتعة الكبيرة التي يجدها الإنسان في معرفة أسباب الأشياء والحوادث ومعرفة العلاقات التي تربط بينها ، ولذا فإن بعض الفلاسفة يرى أن السعادة الكبرى هي من نصيب من يحسن التأمل في أسرار الوجود ويعرف أكثر عن حكمة الخالق جل وعلا في خلقه ، ،،،
وقد ذكروا أنه قيل لأبي بكر الخوارزمي عند موته في ساعات الإحتظار أو في بداية الإحتظار قالوا له ما تشتهي : قال النظر في حواش الكتب ، وهو في وداع الدنيا يجد متعة معينة أو فائدة كبرى في أن يكون آخر ما يعمله في هذه الحياة هو أن يقرأ ويطلع ويعرف ،،،،،
هناك من يرى السعادة كامنة في رؤيتنا للأشياء وتفسيرنا للواقع وردود أفعالنا على الحوادث ويعلل لذلك بأن لكل شيء في حياتنا عشرين ظلاً ومعظم هذه الضلال من صنع الناس ، ويشير إلى هذا قوله عليه الصلاة والسلام : ( عجباً لأمر المؤمن كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذالك لأحدٍ إلا للمؤمن ) فرؤيتنا للأشياء وعلاقتنا بها وتفسيرنا لها هي الأمور الحاسمة في تقرير كونها أموراً تجلب السعادة أو تجلب الشقاء ،،،،
هناك قول طريف في شأن السعادة حيث يرى صاحبه أن السعادة في الدنيا ليست سوى شبح يرجى فيطارد ويلاحق فإن وقع في القبضة وصار شيئاً متجسداً ملموساً مله الناس وسئموه وحاولوا البحث عن غيره وكأن سعادة الناس وفق هذا القول الحكيم تكمن في ملاحقتهم لما يظنونه مصدراً لإسعادهم وليس في التمتع به يعني متعة الرحلة أكبر من متعة محطة الوصول أو نهاية الرحلة أو هدف الرحلة في نظر هذا الحكيم وهذا القول مع أنه يلمس جانباً غير قليل وغير صغير من الموضوع لكنه لا يخلوا من شيء من التطرف لأن ما نصل إلي يغير في البيئة التي نعيش فيها ويحسن في ظروف العيش وليس كل شيء نصل إليه يصبح بعد مدة مملولا ...
بعض الحكماء يرى أن أسعد الناس هم أولئك الذين يكتشفون أم ما ينبغي أن يفعلوه وما يفعلونه في الواقع هما شيء واحد ، أي أن لديهم إحساساً بالتطابق التام بين سلوكياتهم ومواقفهم من جهة وبين معتقداتهم والقيم التي يؤمنون بها من جهة أخرى ، و لا ريب أن من يكون كذالك يظفر بشي قليل من السعادة إنه يطمئن إلى قدر كبير من خيرية ذاته وخيرية مصيره وكثير من النصوص يشير إلى هذا المعنى لكن علينا أن نعمق الفهم حتى لا ننساق خلف الأفكار الجميلة ،،،
إن المرء حتى يكتشف أنه يفعل كل ما ينبغي أن يفعل يحتاج إلى العصمة وهذه للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وليست لعامة الناس ، ثم أن جزءً من أخطائنا يعود إلى اجتهادنا وحين يجتهد الواحد من ويخطئ فإن نتائج اجتهاده الخاطئ سوف تعكر حياته وتجعل سعادته منقصوه ثم ماذا يمكن أن يصنع الخيرون إذا كانت نظرتهم للحياة تميل إلى التشاؤم مثلاً ورؤية السلبيات عوضاً عن الإيجابيات لاشك ، أن ذالك يجلب لصاحبه التعاسة حيث لابد من نوع من الاعتقاد بخيرية العالم أي بوجود الخير لدى كثير من الناس ووجود إمكانية لتمكين ذالك الخير، إذا لم نشعر بهذا بخيرية العالم على الوجه الذي شرحته فإننا سنشعر بالتعاسة وانسداد الآفاق وانقطاع الحيلة ، وفي موروثنا الثقافي الكثير الكثير من المرويات عن أناس أخيار لكنهم أصحاب نظرة سوداوية سلبية.
الاستقامة على الشريعة مصدر من أعظم مصادر السعادة والطمأنينة ، ومن غير الاستقامة والشعور بحد كبير وبقدر كبير من التطابق بين المعتقد والسلوك بدون هذا لن يكون هناك مطمع بحياة طيبة لكن الاستقامة مع أهميتها ليست الشرط الوحيد ، فهناك شروط أخرى إلى جانبه ،،،
هناك من يقول أن الصحة هي الشيء الوحيد الذي يجعلك تشعر بأن اليوم الذي تعيشه الآن هو أفضل وقت في السنة ، ولا يخفى على عاقل ألا شعور بالسعادة مع وجود الأسقام والآلام ، لكن الذي ثبت أن المرء يتكيف مع البلوى شيئاً فشيئا ، والحقيقة لو كان الذين يتألمون ، يتألمون ويشعرون بالألم بالدرجة التي نظنها لا واجهوا صعوبات هائلة في الحياة لكن مع الأيام مع الأيام تصغر المصائب وتنخفض توقعات المرء ويتكيف مع المصائب والبلاوي التي يعيش فيها ، يمكن للمؤمن أن يبصر من خلال البلوى أيضاً رحمة الله تعالى ويبصر ثوابه فيخف تأثير ذالك البلاء فيه ، إن الصحة شيء لا نشعر به إلا إذا فقدناه ، ولذا فوجدودها شرط للسعادة..
لكن أيضا هناك شرط من شروط بعض فلاسفة اليونان مثل أرسطو كان يقول : السعادة تكمن في الحكمة ولا يوجد سعيد في العالم إلا العاقل وعلى هذا فالفلاسفة المفكرون الكبار الذين يشتغلون بالأعمال الفكرية ، المثقفون الكبار هم أسعد الناس في رأي أرسطو وهذا القول قريب من قول من يقول إن السعادة تكمن في العلم ومعرفة أسباب الأشياء ولكن واقع الحياة يؤكد أن عدداً كبيراً من العلماء انتحروا عدد كبير من العلماء كانوا دائماً يعبرون عن الحرمان الذي يعيشونه وعن أنهم أشقياء ، هذا واقع ولا تسطيع أن تقول لشخص يقول إنه شقي أن تقول له أنت مخطئ أنت سعيد هذا صعب ...
أختم بـقول واقعي وطريف وبعيد عن كل المعايير الموضوعية ، قول يعتمد على الميول الشخصية على الأحاسيس الشخصية وليس على المعايير التي يمكن تداولها بين الناس ، هذا القول يرى صاحبه ليست في المال أو الجاه وليست في الصحة وليست في الفضيلة وليست في الإيثار للآخرين على النفس ولا في أي شيء من هذه ، إنها في شيء واحد ، هذا الشيء هو ظن المرء بأنه سعيد إذا شعرت بأنك سعيد فأنت سعيد ولا تلتفت إن كنت تعيش في الصحراء ، عندك مكيف ليس عندك مكيف ، عندك عشاء ليس عندك عشاء ، عليك ديون لك ديون ، لا فرق ، المهم ما ذا تقول أنت !! فإذا قلت إنك سعيد فأنت سعيد ، ومن الحكمة ومن المصلحة إذا كنت تشعر بهذا أن لا تبحث أبداً عن أسباب سعادة لأنك لو بحثت ربما زال ذالك الشعور ، السعادة شعور بالانشراح والأمن والإقبال على الحياة والهناء فإذا ظن الواحد أنه يملك هذا الشعور فهو إذا كما قلت سعيد بقطع النظر عن كل ما قيل وكل ما يقال حول شروط السعادة وحول مقوماته وحول أسبابها وحول منغصاتها كل هذه ما لها قيمة أمام إقرار الإنسان أنه يتمتع بسعادة وارفة وبهناء كبير ، هذا القول جميل جداً الحقيقة ، وربما كان أرجح الأقوال إذ لا تستطيع أن تقول لشخص يقول عن نفسه أنه يشعر بالسعادة تقول له أنه غير سعيد مهما كان لديك من الأدلة والبراهين على أنه شقي وبائس ، وقد نجهد أنفسنا ونستعين بطبيب نفسي في إقناع شخص بأنه ليس تعيسا أيضا في المقابل قد نبذل كل جهد في إقناع شخص يشعر بأنه تعيس لنبرهن له على أنه ليس بتعيس نبذل كل الجهود ونستعين بمن نستعين بهم ولكن نجد أنفسنا في النهاية عند نقطة البداية وكأننا لم نفعل أي شيء ...
إن السعادة أيها الإخوة والأخوات تقوم في حقيقة الأمر على جملة من الحقائق وجملة من الأخيلة وجملة من الأوهام تركيبة منوعة و معقدة ، حقائق وأخيلة وأوهام ، فإذا توهم شخص بأنه سعيد فدعه في توهمه يشعر بالغبطة فذالك خير لك وخير له ...
الأقوال عن السعادة تذكرنا بقصة العميان الذين وضع كل واحد منهم يده على جزء من الفيل ظناً منه أن ذالك الجزء هو الفيل كله ، ثم شرع كل واحد يصف الفيل من منطلق ظنه ، فخرجوا بأوصاف كثيرة متباينة كما خرج أصحابنا عن الحديث عن السعادة ..
الأقوال التي سمعناها عن السعادة كلها صحيحة وكلها في الوقت نفسه خاطئة ، هي صحيحة إذا قلنا أنها تفسر بعض أسباب أو بعض مظاهر السعادة وهي خاطئة إذا قلنا أنها تفسر الظاهرة بشكل كامل ومشكلة قائلي تلك الأقوال تعميم تجاربهم ورؤاهم الشخصية على نحو ينفي تجارب غيرهم ومرئياتهم ..
.
بعد هذا دعونا نتناول ملاحظتين إضافيتين بعد التعريفات الطريفة واللطيفة للسعادة و للحياة الطيبة لعلنا نتمكن من الاقتراب من هذا اللغز الغامض والمحير أكثر فأكثر ..
* الملاحظة الأولى ...
تكمن في النصيحة التالية ...
لا تجعل السعادة هدفاً تسعى إليه ، وهذه النصيحة عجيبة وربما تلقاها كثير من الناس بالاستنكار وهم محقون في ذالك لأننا جميعاً في واقع الحال نطارد شيئاً نظن أن فيه ما هو أريح وأمتع وأنعم وأرفه ، لكن هل نحن مصيبون في ذالك أم أننا نبحر في محيط الوهم الأكبر حيث ننتقل من جزيرة إلى جزيرة ظانين أن الجزيرة التي نصل إليها هي الجزيرة المبتغاة ، حتى إذا ما حللنا فيها اكتشفنا أنها أقل مما نؤمل ونرتجي ، وبعد مدة يصيبنا السأم والملل فننشر الأشرعة ونبحر صوب جزيرة أخرى ..
تجربة كثير من أهل الفكر والحكمة والخبرة تقول لنا : إن خير وسيلة لبلوغ السعادة هي ألا تتخذ السعادة غرضاً مباشرا ، ولا هدفاً صريحا ، لأنك إذا فعلت ذالك صارت السعادة بالنسبة إليك مثل فريسة يخطئها الصياد كلما سدد نحوها من مكان بعيد ، إنك لو تأملت في حياة معظم الناس وربما كنت أنا وأنت منهم لوجدت أن القسم الأول من الحياة ينقضي في اشتهاء القسم الثاني وما يخبئ هذا القسم الثاني والأخير من مفاجآت سارة ، أما القسم الثاني فإنه ينقضي في التأسف على القسم الأول كما يتأسف الشيوخ على الشباب ، كما قال الشاعر :
ألا ليت الشباب يعود يوما *** فأخبره بما فعل المشيب
وكنت قد سمعت من طفلة في السادسة أو السابعة من عمرها ذات يوم ـ هذا الكلام كان قبل عشرين سنة ـ سمعت منها تلخيصاً مفيداً لهذا المعنى ، معنى انتظار القسم الثاني من الحياة والتأسف فيه على القسم الأول ، تلك الطفلة قالت هذه الحقيقة لكن بلغة أخرى حيث قالت : الأطفال الصغار يحاولون الظهور بمظهر من هو أكبر منهم ، أما الكبار فإنهم يحاولون الظهور بمظهر الكبار ، مشكلة السن والتقدم في السن عند الجميع قضية غير مرغوب فيها ولاسيما عند النساء ، هذا الكلام الذي قالته تلك الطفلة من عشرين سنة يتأكد اليوم في الحقيقة من خلال فنون عمليات التجميل التي يقوم بها الكبار من رجال ونساء لإصلاح ما أفسدته الأيام .
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
يقول أحد كبار الأدباء العرب في العصر الحديث : كيف السبيل إلى السعادة والرضا وأنا لم أبلغ شيئاً إلا تطلعت إلى شيء آخر أبعد منه منالا ولم أحقق أملا لنفسي أو للناس إلا اندفعت إلى أمل هو أشق منه وأصعب تحقيقا ؟؟؟؟؟
فإذا كان الأمل الذي لا حد له ، والعمل الذي لا راحة منه ، إذا كان هذا يعد في نظركم سعادة ، فأنا السعيد الموفور الحظ ، ما في ذالك شك ، أما إذا كانت السعادة هي الرضا الذي لا يشوبه سخط ، والراحة التي لا يشوبها تعب والنعيم الذي لا يعرض له بؤس فإني لم أذق هذه السعادة بعد ، ما أرى أني سأذوقها إلا أن يأذن الله لي فيما بعد هذه الحياة بشيء منها ،،
تمنى أحدهم أن لو كان الإنسان يولد وهو ابن ثمانين سنة ، ويتدرج في العمر نزولا ليموت وهو ابن عشرين ، فذاك قد يكون هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من أوهام المستقبل حيث أنه يستطيع آنذاك أن يتعامل مع شؤونة بخبرة ابن الثمانين ، وإذا كان هذا عبارة عن أمنية لن تحقق ، لماذا لا نجلس إلى ابن الثمانين لنسأله عن الأشياء التي طاردها من نحو الثروة والمتعة والجاه والشهرة واكتشاف البلاد وما شاكل ذالك !! وكيف كانت مشاعره حين ظفر بها وقبض عليها ، إن هذا خير لنا من أن نسير في طريق صعبة ووعرة ستين أو سبعين سنة لنجد أمامنا لوحة تقول " عفواً الطريق مغلق " ولماذا نذهب بعيدا بعيدا والذي خلق الملذات والمسرات ورتب الأسباب والمسببات يقول في محكم كتابه : ( فمن زحزح عن النار وأدخل والجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) متاع غرور ، يغر الإنسان بكل متاع يناله من الدنيا ، ثم يتبن له أن ذالك الاغترار كان اغترارا ، وذالك الإعجاب كان اغترارا ولم يكن في محله ، ،،،
إذا كان هذا هو واقع الحال ، فلأولى بنا بدل أن نسعى إلى أشياء محددة نظن أن السعادة كامنة فيها الأولى بنا حين إذٍ أن نتبع في سلوكنا قواعد محددة ـ وأحب أن أشدد على هذه الفكرة ـ نتبع قواعد محددة في حياتنا نعتقد أن في التزامها احتمالاً كبيرا بأن نكون سعداء ، لا نسعى إلى السعادة لنصل إليها بعد خمسين سنة أو ثلاثين أو عشرين أو عشر سنوات ، لا ، من هذه اللحظة الأمور التي نعتقد أنها تجلب لنا السعادة نلتزم بها .. القواعد التي نعتقد أنها ستجلب لنا السعادة نلتزم بها من هذه اللحظة ، ونتعامل مع هذه القواعد بثقة ، كما لو أنها كانت أهدافاً في حد ذاتها ، بدل أن تجعل السعادة هدفاً اجعل التزامك بالقاعدة التي تؤدي إلى السعادة ، كأن ذالك الالتزام عبارة عن هدف في حد ذاته .........
*الملاحظة الثانية من الملاحظتين التي ذكرت أنني سأسوقهما ...
هذه الملاحظة تفيد أنه ليس هناك شيء كائناً ما كان يشكل بكل تفاصيله وبكل معطياته على وجه الانفراد حياتنا الطيبة وذالك لأن السعادة عبارة عن نشيج معقد وما يسهم في تحقيقها متعدد الأنماط والأشكال ، يعني مثلاً قد تكون في أحسن حال وتتذكر حدثاً مؤلماً فيعكرك ذالك التذكر وتلك الذكرى يوماً كاملا وقد يملك أحد الناس كل مقومات السعادة الشخصية لكنه يرزق بولد منحرف أو معوق ينكد عليه حياته وينسيه كل ألوان النعم التي يتمتع بها .. إذاً ليس وجود الأولاد وحده مهما كان يشكل نسيج سعادتنا ولا وجود المال ولا وجود المرأة المطيعة التقية الحسناء ولا وجود الجاه الجيد ولا وجود المنصب الكبير كل شيء من هذا لا يشكل بمفرده هيكل السعادة أو جسم السعادة الذي نسعى إليه ، و لو أننا سمحنا لأنفسنا أن توقف قليلاً لنقرأ أهداف الحركة اليومية الدائبة لمعظم الناس فإننا سنجد الأكثرية من العناصر النشطة في المجتمع الأكثرية من هذه العناصر النشطة وقعت في وهم هذا الوهم هو أنها تستطيع أن تغير مجرى حياتها من خلال الوصول إلى شيء ما ، فهذا يعتقد أن مبلغاً كبيرا من المال سوف يجعله في القمة ، ولما لا والمال محور الحياة كما يقولون : الذي ليس معه فلس لا يساوي فلسا ، والذي معه مليون يساوي مليون ، وهذا يعتقد أن وصوله إلى منصب معين أو إلى نفوذ قوي في مجال من المجالات سيفتح أمامه كل أبواب المجد ، وثالث يعتقد أن عليه أن يبني اسماً في مجال عمله وإذا توصل إلى ذالك لم يحول بينه وبين الفوز المعنوي و المادي أي شيء ، ورابع يعتقد أن أبناء هذا الزمان لا يحترمون إلا الشخص الناجح والمتفوق ولذا فإن النجاح بالنسبة إليه يشكل الباب العريض الذي سيدخل منه إلى عالم الأحلام الوردية ، وهكذا ...
ومع أنني أعتقد أن من الصعب جداً أن نقنع الناس بأن هذا الذي يعلقون عليه كل آمالهم في تحقيق السعادة لا يعدوا من أن يكون واحداً من الأوهام الكبيرة التي دوختنا ودوخت الأمم من قبلنا ، مع أنني أعتقد هذا إلا أن علينا أن نحاول في ذالك لعله يتشكل وعي مستقبل بهذه القضايا فيرتاح بعض المجهدين ويتأنى بعض اللاهثين ، بعض المندفعين ،،،،
إذا وقفنا تجاه المال والثروة و دورهما في تحقيق السعادة فإننا سنجد أن بني البشر جميعا في حاجة إلى المال حتى تستقيم حياتهم ويتمكنوا من قضاء حوائجهم ، إن قدراً ملائماً منه يعد شرطاً لشعور الإنسان بالطمأنينة لقيامه بالحفاظ على وجوده المادي و المعنوي ، ولكنه ليس الشرط الوحيد فشروط الحياة الطيبة عديدة والمال واحدٌ منها ، المال وسيلة ويساهم في سعادة الناس ما دام يمكن استخدامه من قبل الذين يملكونه ، فإذا فاض عن الحاجة والقدرة على الاستفادة منه فإن علاقة صاحبه به تصبح وهمية ، وأرجوا أن نضع خطاً تحت هذا ، حين يفيض المال عن الحاجة ، ويصبح عبارة عن أرقام تدخل في حساباته وتخرج منها ولا يدري أحياناً في اليوم ما ذا دخل وما ذا خرج ، حينئذٍ علاقة الإنسان بثروته تصبح علاقة وهمية ، علاقة رقمية ،،،
ومما يذكر على سبيل الرمز والعبرة أن رجلا أخبر أن له دعوتين مجابتين ، فدعا الله تعالى أن يجعل كل شيء تمسه يده ذهبا ، فأعطاه الله تعالى ما سأل ، فكاد عقله يطير من الفرح ، ليس هذا شيئاً قليلا بل شيء كبير ، وانطلق الرجل يلمس بشرهة وبنهم كل ما يجد أمامه فيتحول هذا الملموس إلى ذهب ، حتى إذا جاع صاحبنا أخذا الصحن الذي فيه طعامه فصار كل ما فيه من طعامٍ ذهبا ، وعطش فحمل الكأس ليشرب ، فصار ما في الكأس من ماء أيضاً ذهبا ، لا ماء ولا طعام ، فقعد الرجل جائعاً عطشان ، فأقبلت ابنته تواسيه على هذه المصيبة أن ما بين يديه كله صار ذهبا ، عانق ابنته وهي تواسيه فصارت أشبه بتمثال من ذهب ، وهنا لجأ الرجل بعد أن أصابه ما أصابه إلى الدعوة الثانية ، فما ذا كانت ، دعا الرجل ربه أن يعيد كل شيء كما كان ، لأنه أدرك أن الرغيف للجائع وأن الكأس للعطشان وأن البنت للأب خيرٌ من ملأ الأرض ذهبا ، فالمال الذي بين أيدينا قد يكون وسيلة لتحريرنا من الشعور بالعوز ، ومن ذل الحاجة إلى الناس ، لكن عندما ننهمك في جمع المال أملاً في حياة أهنأ وأرغد ، فإن ذالك المال قد يكون طريقاً إلى العبودية والاسترقاق ، فيهدر المرء كرامته في سبيل الحصول على المزيد منه ، وقد يقترن اكتسابه بالمعاصي من ربا ومن غش والنهب والسلب وأكل الحقوق ، لأن الملاحظ أن من يؤمن بأن المال هو كل شيء يفعل أي شيء من أجل الحصول عليه ،،،،،،،
طرحت إحدى الصحف الإنجليزية على قراءها سؤالاً هو : ما المال ؟
فكان الجواب الذي نال الجائزة هو الجواب الذي عرف المال بأنه جواز سفر عالمي يمكن لصاحبه أن يسافر إلى كل البلاد ما عدا السماء ، وهو يجلب كل شيء ما عدا السعادة ،،،،،
ونحن لسنا مع هذه المبالغة ، فالمال إذا اكتسب من حلال وأنفق في مراضي الله تعالى فإنه يدني صاحبه من الجنة ونعيمها ، وهو إن كان لا يجلب بالضرورة السعادة إلا أن المرء لا يشعر بالسعادة من غير وجود شيء كافٍ أو شبه كافٍ ، لكن أحب أن أأكد أن رجلاً بلا مال هو رجل فقير ، ولكن الأفقر منه إذا أردنا أن نغوص نحو الأعماق الأفقر منه رجل ليس لديه إلا المال ، ليس لديه خلق ، ليس لديه استقامة ، ليس لديه رحمة ، ليس لديه إحسان ، هو فقط يملك المال ، هذا هو أفقر الفقراء .................
انتهى الشريط الاول
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________

مقدم من طرف منتديات أميرات
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت قبل يومين موضوع مفيد أعجبني كثيرا
عبارة عن تلخيص لالبوم رائع
أحببت ان تشاركوني قراءته فالبرغم من طول الموضوع الا انه يستحق القراءة
انصحكم بان تحفظوه وتقرأوه في اوقات الفراغ

___________________________
الحياة الطيبة البوم من ستة أشرطة لفضيلة الدكتور / عبد الكريم بكار ( حفظه الله تعالى )..
تناول أ. د . بكار في هذا الإصدار على نحو مفصل وعميق كثيراً من المعاني
التي تتصل بمفهوم السعادة والحياة الطيبة ، كما أنه تعرض على نحو شامل للأشياء
والأمور التي تنغص على الناس حياتهم من نحو ضياع الهدف الأسمى في الحياة
ونحو السأم والملل والحسد والكبر والغرور والشعور بالاضطهاد والفراغ والبطالة
والإرهاق والقلق والخوف والأنانية وما شاكل ذلك ..
كما أنه تحدث في محور ثالث عن الأمور التي تجلب للإنسان الهناء منطلقاً
من رؤية إسلامية أصيلة لطبيعة النفس البشرية وطبيعة أحداث الحياة التي تمر بها .
وقد تحدث في ذا السياق عن الإيمان بالله تعالى ومقتضياته ودوره في جلب الطمأنينة والسعادة ،
كما تحدث عن الاعتدال والتوسط والقناعة والرضا والعمل اليدوي والتبسم والبشاشة
والرؤية الكلية والعلاقات الاجتماعية وغير ذلك ..
وإننا إذ نقدم هذا العمل لنشعر بالثقة بأنه سوف يساعد على دفع الكثير من أسباب الشقاء ،
كما يساعد على جلب الكثير من أشكال السرور ...
والله الموفق .....
" الناشر "
الشريط الأول ....
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله رب العالمين .. حمد الشاكرين .. والصلاة والسلام على نبي الرحمة وإمام الهدى نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيلهم ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين .. وبعد
فإن الله جل وعلا ما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب إلا من أجل إنقاذ البشرية من الشقاء ودفعها في اتجاه الحياة الكريمة الهانئة المطمئنة التي تليق بهذا الإنسان المكرم والذي سخر الله له ما في السموات والأرض منةً منه وفضلا .. هذه الحياة ليست هي الحياة الدنيا فحسب وليست هي الحياة الآخرة وحدها .. فالرؤية الإسلامية للدارين تقوم على أنهما يشكلان فصلين من رواية واحدة ومع أن الفصل الأول هو الأقصر وهو الأقل شأناً إلا أنه لا يقرأ الفصل الثاني ولا يفهم ولا يكون إلا بعد قراءته حيث لا حظ في الآخرة ولا في الجنة لمن لم يمر على الحياة الدنيا وهذا يشكل التفاتة مهمة إلى ضرورة عدم الاستخفاف بالحياة التي نحياها هنا على هذه الأرض حيث إنها تستحق منا كل الاهتمام وكل العناية ما دامت تشكل الممر الوحيد إلى الحياة الأبدية الخالدة والدائمة
ومع أن الله جل وعلا حذرنا من أن ننظر نظرة خاطئة أو نظرة جاهلة أو حولاء للدنيا ومتعها وملذاتها ومشكلاتها ومصائبها فإنه وعد عباده الصالحين بحياة طيبة على هذه الأرض تشكل هذه الحياة عاجل البشرى ومقدمة الجزاء الذي أعده لهم في الآخرة حيث قال جل وعلا ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) وهذه الحياة الطيبة الموعودة على الإيمان والعمل الصالح اختلف فيها المفسرون ، فقال بعضهم : إنها القناعة ، وقال آخر : إنها السعادة ، وهذا ما أرجحه ، وقيل هي حلاوة الطاعة ، وقيل : هي الاستغناء عن الناس والافتقار إلى الله تعالى ، وقيل : هي التوفيق إلى الطاعة التي تؤدي بالمؤمن إلى رضوان الله تعالى ،،،
واضح جدا أيها الإخوة الربط في هذه الآية بين إكرام الله لعباده الصالحين في الدنيا وبين إكرامه لهم في الآخرة حين يوفيهم أجورهم يوم ذاك بأحسن ما كانوا يعملون ، وقال سبحانه : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) فالثياب الجميلة الحسنة والمطاعم اللذيذة مما أبيح للمسلم إذا خلا الاستمتاع بها من التبذير والكبر والخيلاء وهذه الأمور مشتركة في الدنيا بين جميع الناس برهم وفاجرهم ، مسلمهم وكافرهم ، لكنها في الآخرة تكون خالصة للمؤمنين وخاصة بمن فاز بمغفرة الله ورضوانه ،،،،
إن الله جلا وعلا قد فطر النفوس على الميل إلى النعيم وإلى الأمن والاطمئنان والرفاهية كما فطرهم على حب التقليل من بذل الجهد والبعد عما يسبب العناء والبعد عما يسبب الألم وكل ما يعكر المزاج ويهدد الاستقرار ، والأشخاص الذين يحبون أن يكونوا أشقياء تعساء غير موجودين ، أو هم في الحقيقة نادرون جداً أو هم مرضى ، وهناك يقين بأن المستمع الكريم يحب بشغف ولهفة أن يكون هانئاً في حياته ظافراً براحة البال ومستحوذا على الكثير من الطيبات ، ولا أدري على وجه اليقين إن كنت من خلال هذا العمل أستطيع أن أساعد نفسي وأن أساعده على بلوغ ذلك ، أرجوا منه ،،،،
ولا أذكر أنني عالجت موضوعا في يوم من الأيام فيه من الغموض والالتباس والتداخل والتشابك والاستثناءات ما وجدته في هذا الموضوع ، وسيلمس السامع الكريم ذلك من خلال تناولنا لهذه القضية الحيوية جدا بالنسبة إلى كل واحد منا ، وهذه في الحقيقة سميتها قضية تجوزاً ، هي ليست قضية ، إنها أم كل القضايا ، وليست مسألة لكنها أم كل المسائل ، ومشكلة كل المشكلات ،،،،
إن عقولنا وأمزجتنا مختلفة وإن وقع مسرات الحياة في نفوسنا يختلف من شخص إلى شخص آخر كما أن وقع كرباتها وآلامها وأحزانها في نفوسنا يختلف كذلك ، لهذا فإن كل واحد من يحتاج كي يحيا حياة طيبة إلى وصفة خاصة كما يحتاج المريض الذي يعاني من عدد من الأمراض الخطيرة إلى خطة علاجية دقيقة وشخصية وخاصة ، ولكن مع هذا فإن بين الناس العديد من الأمور المشتركة فنحن البشر محكومون بسنن إلهية واحدة وموحدة ، ولنا نزعات وميول متقاربة ، والأشياء التي تزعجنا كثيرة ومتنوعة ، لكن مع كثرتها ومع تنوعها هي مزعجات بالنسبة إلى كل واحد أو إلى معظم الناس ،،،
ومن هنا فإننا سننتفع بإذن الله تعالى من وراء زيادة بصيرتنا بما نريده من هذه الحياة وبما لا نريده ، كما سننتفع بالخبرات التي تعلمنا كيف نوجه إدراكنا وكيف نعيد تقييم الأشياء والأحداث من أفق عقائدنا ومن أفق الحاجات والشروط التي يمليها عيشنا في زمان كثير المغريات كثير المتطلبات زمان كثير الأزمات وكثير الفرص أيضا والتحديات ، علينا أن نكون صرحاء وواقعيين حتى لا نقع في التهويل أو التبسيط ،،،،
إن مفهوم السعادة " الحياة الطيبة " مفهوم غامض يكاد يكون سرا أودعه الله جلا وعلا في العلاقة القائمة بين الإنسان والأشياء ، فالإنسان الكائن المحدود مهما كان نافذ البصيرة ومهما ملك من المفاهيم والأدوات يظل عاجزاً عن إدراك ما يريده في هذه الحياة على وجه التحديد ، حيث إن كل واحد من مشتهياتنا قد يجلب لنا السرور والهناء لمدة ثم يفقد مفعوله وبهجته أو يتحول إلى شيء منغص نتمنى أننا لم نحصل عليه ،،،
سعادتنا الحقيقية تحتاج إلى علم مطلق بكل الأشياء وهذا ما لا سبيل إليه بالنسبة إلى كل واحد من البشر ولهذا فإن إتباع سبيل الله والامتثال لأمره والبحث عن مراضيه في المنشط والمكره والسراء والضراء إن ها يضمن لنا الكثير الكثير من أسباب الهناء والاطمئنان والفوز ، إنه يرسم لنا كل الخطوط العريضة ، وعلينا نحن باجتهادنا وبحنكتنا أن نبحث في التفاصيل و نتلمس ما يساعدنا على أن نكون أكثر اطمئناناً وأقل تعاسةً وشقاء
إن ظفرنا بالحياة الطيبة لا يحتاج إلى الكثير من العلم ، ولا يحتاج إلى الكثير من القواعد ، إذ لو أن العلم ينفع في هذا الباب لكان ما كتب عن أسباب السعادة والهناء كافياً لئلا يظل على وجه الأرض شقي واحد ولا تعيس ، إن حاجتنا الأساسية في إصلاح حياتنا الشخصية تتركز في الحكمة ، أي في نوعية القرار الذي يتخذه كل واحد منا ، وفي نوعية الاختيار للطريق الذي عليه أن يسلكه ، إن القليل من الحكمة ينفع المرء ولو لم يتوفر له إلا القليل من العلم لكن الكثير من العلم مع الحرمان من الحكمة قد لا يفيدنا إلا قليلا ، وقد لا نجد فيه أي شيء لإسعادنا ، ولهذا فهناك ما لا يحصى من العلماء التعساء ، وهناك ما لا يحصى من الحكماء السعداء ، وصدق الله تعالى إذ يقول : ( ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) فلنطالع في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولنطلع على تراث الأمم ووصاياها وأمثالها وحكمها كي ننير بصائرنا وكي نتعرف على الطريق التي تؤدي فعلا إلى الحياة الطيبة هنا في الحياة الدنيا وهناك في الحياة الآخرة ، الحياة الطيبة قد تلتبس باللذة والنشوة ، وقد تلتبس بالشعور بالرضا عن الذات وعن الأوضاع المعيشية الراهنة ، ولهذا فلابد من محاولة الفصل بينها قبل أ نمضي في حديثنا إلى منتاه ،،،
لابد أيها الإخوان من القول : إن الله جل وعلا يسير الكون وفق نظم وقوانين كما أنه سبحانه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ووضع في الإنسان ميولاً فطرية غريزية تلح عليه كي يرضيها وذالك من أجل بقاء الإنسان ومن أجل استمراره في هذه الحياة لكنه في الوقت نفسه سنّ لنا الشرائع التي تتطلب منا تلبية حاجاتنا وإشباع غرائزنا وفق ما يعود علينا بالنفع الشامل وفي الإطار الآمن ، والناس في الامتثال لأمر الله أثناء تلبية حاجاتهم المختلفة هم في الحقيقة أجناس وأشكال ، وأسوأهم حالاً أولئك الذين يبحثون عن النشوة واللذة أينما كانت ومهما ترتب على الحصول عليها من مآثم وأضرار خاصة وعامة ، إنهم أرقاء لدى نزواتهم التي لا تعرف الارتواء ولا تتوقف عند أي حد اللهم إلا حداً واحدا هو حد العجز وحد الشيخوخة والأمراض الفتاكة ،،،،
ولنضرب مثالاً على ما نريد ، تناولنا للطعام يشكل ضرورة لبقائنا أحياءً ونحن حين نأكل نتلذذ بأكل ما نشتهيه ونصل في لحظة ما إلى حد الشبع وتلاشي الشهية ثم تتجدد الشهية مرة أخرى ونجد لذة جديدة عند تناول ما نشتهي ، إننا نشعر باللذة ما دام الطعام في أفواهنا فإذا تجاوزها ذهبت لذة تناول الطعام ، ومن هنا فإن اللذة تأخذ طابع المؤقت وتأخذ طابع العارض حيث لا يمكن إطالة أمدها والإحساس بها عن وقت تناولها ، ،،
وهذا شيء أساسي في تفريق اللذة عن السعادة ، الملذات ينقضي الإحساس بها مع انقضاء وقتها تماماً ثم تصبح شيئاً في الذاكرة ، وهذا الذي يشتهي الطعام بقوة إذا أكل عن الحد المعتاد فإن لذة تناول الطعام تكون سبباً في إصابته بالأمراض والأدواء ، وإذا تناول الإنسان ما هو ضار ببدنه فإنه أيضاً يشعر أنه في سبيل الشعور باللذة يلحق بنفسه وبجسده الأضرار والآلام ، ولهذا فإنه وهو يتلذذ بتناول الطعام لا يكون سعيداً على نحو خالص لأن صوتاً من داخله يحثه على الكف عن الطعام ، والعاقل يدرك أن هذه اللذة العابرة قد تخلف له من الأوجاع والأسقام الدائمة ما لا يتحمله بدنه ولاسيما عندما يتقدم به العمر ، ،،،
وهكذا ، فليست كل لذة سعادة ، مع أن السعادة والحياة الطيبة ترتبطان باللذة لكن ليست كل سعادة متوقفة على اللذة ، كما أنه ليست كل لذة سعادة ، حين نضع صدقة في يد فقير ونسمع منه دعوة صادقة فإننا لا نشعر بلذة لكننا نشعر بسعادة غامرة تصل في بعض الأحيان إلى أن تسيل دموعنا من الفرح بالعمل الذي قمنا به ، وكثيراً ما يتناقش أفراد الأسرة أثناء تناول الطعام وقد يشعرون بسعادة الحوار ومقارعة الحجة بالحجة أكثر من شعورهم بلذة الطعام ، إلى درجة نسيان أنهم يأكلون ، وقد يتطور الحوار إلى شجار فيغلب طابع النكد على الحضور وينسون مرة أخرى أنهم يأكلون ،،،
إذا كانت اللذة تأخذ طابع العابر والمؤقت وتخضع لغريزة الإرواء المباشر فإن الحياة الطيبة ليست كذلك ، إنها تشبه وضعية من يتربع على قمة من الانشراح والحبور والطمأنينة ورجاء ما عند الله من الخير ، إن من يحيا حياة طيبة يتلذذ بكل شيء في إيطار المباح وفي إيطار الاعتدال ، إنه لا ينساق خلف لذة عابرة متجاهلاً الآثار السيئة والأضرار البالغة التي تترتب عليها في الدنيا أو في الآخرة ، إنه يتصرف في الحاضر مراعياً المستقبل عن طريق تنظيم تناوله للملذات وإيقاف رغباته عند الحدود التي يتطلبها الاستمرار في السعادة والاستمرار في الطمأنينة ،،،
من شأن طالب الملذات أن يرتمي على كل لذة تعرض ليعب منها على مقدار ما يستطيع ، أما طالب الحياة الطيبة ، فإنه يريد للذته أن تكون شاملة ، تتصل بوجوده كله ، وترعى حاجاته وميوله وقيمه وأخلاقه وتراعي قيم المجتمع الذي يعيش في وما يتصل بمصيره ومستقبله ،،،
حين ينظم الإنسان طريقة تلذذه بالحياة لتكون على الوصف والوضع الذي أشرت إليه ، فإنه بعون الله وتوفيقه يتمكن من تحويل السرور إلى فرح والإحساس إلى ابتهاج والمتعة إلى حبور ،إنه يشعر أنه على الطريق الصحيح ، وفي الوضعية الصحيحة ، ويشعر أنه ليس أقل من غيره ، وان ما يتوقعه من رحمة الله ولطفه ومعونته سيجعل ما هو قادم من الأيام أفضل وأجمل وأمتع مما هو حاضر ،،،
إن بين اللذة والحياة الطيبة فارقاً أشبه بالفارق بين الإنفاق الفوري لمالٍ جاهز يمتلكه وبين تكوين رأس مال أو احتياط للأيام القادمة ،،،
إذا تركنا نفوسنا دون مجاهدة أو استخدام للعقل والذكاء والتدبير فإنها ستندفع إلى البحث عن الملذات كما يندفع الماء نحو الأماكن المنخفضة ، وهذا هو شأن البهائم ، لكن الله جل وعلا لم يكلف البهائم بشيء ولم يعدها بجنان الخلد ولا أعطاها العقل ولا فإنه سبحانه وفر لها الاعتدال ووفر لها الحماية عن طريق الغريزة ، فالحيوان لا يصاب بالتخمة كما يصاب الإنسان ولا يصطاد إلا على مقدار حاجته ، أما الإنسان فإنه مستعد لأن يوقع في الأزمات وفي المآسي ألوفاً من البشر في سبيل إرضاء نزواته ، لذالك هنا نقول فلان صاحب شهوة بهيمية ، ربما تكون هذه العبارة تنطوي على شيء من الظلم للبهائم ، الشهوة الإنسانية حينما تنطلق في أي مجال دون اعتبار أخلاقي أو دون اعتبار ديني أواعتبار إنساني يعني حينما تنطلق تفوق شهوات البهائم بمراحل في الحقيقة ،،،
إن عقولنا وأمزجتنا مختلفة وإن وقع مسرات الحياة في نفوسنا يختلف من شخص إلى شخص آخر كما أن وقع كرباتها وآلامها وأحزانها في نفوسنا يختلف كذلك ، لهذا فإن كل واحد من يحتاج كي يحيا حياة طيبة إلى وصفة خاصة كما يحتاج المريض الذي يعاني من عدد من الأمراض الخطيرة إلى خطة علاجية دقيقة وشخصية وخاصة ، ولكن مع هذا فإن بين الناس العديد من الأمور المشتركة فنحن البشر محكومون بسنن إلهية واحدة وموحدة ، ولنا نزعات وميول متقاربة ، والأشياء التي تزعجنا كثيرة ومتنوعة ، لكن مع كثرتها ومع تنوعها هي مزعجات بالنسبة إلى كل واحد أو إلى معظم الناس ،،،
ومن هنا فإننا سننتفع بإذن الله تعالى من وراء زيادة بصيرتنا بما نريده من هذه الحياة وبما لا نريده ، كما سننتفع بالخبرات التي تعلمنا كيف نوجه إدراكنا وكيف نعيد تقييم الأشياء والأحداث من أفق عقائدنا ومن أفق الحاجات والشروط التي يمليها عيشنا في زمان كثير المغريات كثير المتطلبات زمان كثير الأزمات وكثير الفرص أيضا والتحديات ، علينا أن نكون صرحاء وواقعيين حتى لا نقع في التهويل أو التبسيط ،،،،
إن مفهوم السعادة " الحياة الطيبة " مفهوم غامض يكاد يكون سرا أودعه الله جلا وعلا في العلاقة القائمة بين الإنسان والأشياء ، فالإنسان الكائن المحدود مهما كان نافذ البصيرة ومهما ملك من المفاهيم والأدوات يظل عاجزاً عن إدراك ما يريده في هذه الحياة على وجه التحديد ، حيث إن كل واحد من مشتهياتنا قد يجلب لنا السرور والهناء لمدة ثم يفقد مفعوله وبهجته أو يتحول إلى شيء منغص نتمنى أننا لم نحصل عليه ،،،
سعادتنا الحقيقية تحتاج إلى علم مطلق بكل الأشياء وهذا ما لا سبيل إليه بالنسبة إلى كل واحد من البشر ولهذا فإن إتباع سبيل الله والامتثال لأمره والبحث عن مراضيه في المنشط والمكره والسراء والضراء إن ها يضمن لنا الكثير الكثير من أسباب الهناء والاطمئنان والفوز ، إنه يرسم لنا كل الخطوط العريضة ، وعلينا نحن باجتهادنا وبحنكتنا أن نبحث في التفاصيل و نتلمس ما يساعدنا على أن نكون أكثر اطمئناناً وأقل تعاسةً وشقاء
إن ظفرنا بالحياة الطيبة لا يحتاج إلى الكثير من العلم ، ولا يحتاج إلى الكثير من القواعد ، إذ لو أن العلم ينفع في هذا الباب لكان ما كتب عن أسباب السعادة والهناء كافياً لئلا يظل على وجه الأرض شقي واحد ولا تعيس ، إن حاجتنا الأساسية في إصلاح حياتنا الشخصية تتركز في الحكمة ، أي في نوعية القرار الذي يتخذه كل واحد منا ، وفي نوعية الاختيار للطريق الذي عليه أن يسلكه ، إن القليل من الحكمة ينفع المرء ولو لم يتوفر له إلا القليل من العلم لكن الكثير من العلم مع الحرمان من الحكمة قد لا يفيدنا إلا قليلا ، وقد لا نجد فيه أي شيء لإسعادنا ، ولهذا فهناك ما لا يحصى من العلماء التعساء ، وهناك ما لا يحصى من الحكماء السعداء ، وصدق الله تعالى إذ يقول : ( ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) فلنطالع في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولنطلع على تراث الأمم ووصاياها وأمثالها وحكمها كي ننير بصائرنا وكي نتعرف على الطريق التي تؤدي فعلا إلى الحياة الطيبة هنا في الحياة الدنيا وهناك في الحياة الآخرة ، الحياة الطيبة قد تلتبس باللذة والنشوة ، وقد تلتبس بالشعور بالرضا عن الذات وعن الأوضاع المعيشية الراهنة ، ولهذا فلابد من محاولة الفصل بينها قبل أ نمضي في حديثنا إلى منتاه ،،،
لابد أيها الإخوان من القول : إن الله جل وعلا يسير الكون وفق نظم وقوانين كما أنه سبحانه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ووضع في الإنسان ميولاً فطرية غريزية تلح عليه كي يرضيها وذالك من أجل بقاء الإنسان ومن أجل استمراره في هذه الحياة لكنه في الوقت نفسه سنّ لنا الشرائع التي تتطلب منا تلبية حاجاتنا وإشباع غرائزنا وفق ما يعود علينا بالنفع الشامل وفي الإطار الآمن ، والناس في الامتثال لأمر الله أثناء تلبية حاجاتهم المختلفة هم في الحقيقة أجناس وأشكال ، وأسوأهم حالاً أولئك الذين يبحثون عن النشوة واللذة أينما كانت ومهما ترتب على الحصول عليها من مآثم وأضرار خاصة وعامة ، إنهم أرقاء لدى نزواتهم التي لا تعرف الارتواء ولا تتوقف عند أي حد اللهم إلا حداً واحدا هو حد العجز وحد الشيخوخة والأمراض الفتاكة ،،،،
ولنضرب مثالاً على ما نريد ، تناولنا للطعام يشكل ضرورة لبقائنا أحياءً ونحن حين نأكل نتلذذ بأكل ما نشتهيه ونصل في لحظة ما إلى حد الشبع وتلاشي الشهية ثم تتجدد الشهية مرة أخرى ونجد لذة جديدة عند تناول ما نشتهي ، إننا نشعر باللذة ما دام الطعام في أفواهنا فإذا تجاوزها ذهبت لذة تناول الطعام ، ومن هنا فإن اللذة تأخذ طابع المؤقت وتأخذ طابع العارض حيث لا يمكن إطالة أمدها والإحساس بها عن وقت تناولها ، ،،
وهذا شيء أساسي في تفريق اللذة عن السعادة ، الملذات ينقضي الإحساس بها مع انقضاء وقتها تماماً ثم تصبح شيئاً في الذاكرة ، وهذا الذي يشتهي الطعام بقوة إذا أكل عن الحد المعتاد فإن لذة تناول الطعام تكون سبباً في إصابته بالأمراض والأدواء ، وإذا تناول الإنسان ما هو ضار ببدنه فإنه أيضاً يشعر أنه في سبيل الشعور باللذة يلحق بنفسه وبجسده الأضرار والآلام ، ولهذا فإنه وهو يتلذذ بتناول الطعام لا يكون سعيداً على نحو خالص لأن صوتاً من داخله يحثه على الكف عن الطعام ، والعاقل يدرك أن هذه اللذة العابرة قد تخلف له من الأوجاع والأسقام الدائمة ما لا يتحمله بدنه ولاسيما عندما يتقدم به العمر ، ،،،
وهكذا ، فليست كل لذة سعادة ، مع أن السعادة والحياة الطيبة ترتبطان باللذة لكن ليست كل سعادة متوقفة على اللذة ، كما أنه ليست كل لذة سعادة ، حين نضع صدقة في يد فقير ونسمع منه دعوة صادقة فإننا لا نشعر بلذة لكننا نشعر بسعادة غامرة تصل في بعض الأحيان إلى أن تسيل دموعنا من الفرح بالعمل الذي قمنا به ، وكثيراً ما يتناقش أفراد الأسرة أثناء تناول الطعام وقد يشعرون بسعادة الحوار ومقارعة الحجة بالحجة أكثر من شعورهم بلذة الطعام ، إلى درجة نسيان أنهم يأكلون ، وقد يتطور الحوار إلى شجار فيغلب طابع النكد على الحضور وينسون مرة أخرى أنهم يأكلون ،،،
إذا كانت اللذة تأخذ طابع العابر والمؤقت وتخضع لغريزة الإرواء المباشر فإن الحياة الطيبة ليست كذلك ، إنها تشبه وضعية من يتربع على قمة من الانشراح والحبور والطمأنينة ورجاء ما عند الله من الخير ، إن من يحيا حياة طيبة يتلذذ بكل شيء في إيطار المباح وفي إيطار الاعتدال ، إنه لا ينساق خلف لذة عابرة متجاهلاً الآثار السيئة والأضرار البالغة التي تترتب عليها في الدنيا أو في الآخرة ، إنه يتصرف في الحاضر مراعياً المستقبل عن طريق تنظيم تناوله للملذات وإيقاف رغباته عند الحدود التي يتطلبها الاستمرار في السعادة والاستمرار في الطمأنينة ،،،
من شأن طالب الملذات أن يرتمي على كل لذة تعرض ليعب منها على مقدار ما يستطيع ، أما طالب الحياة الطيبة ، فإنه يريد للذته أن تكون شاملة ، تتصل بوجوده كله ، وترعى حاجاته وميوله وقيمه وأخلاقه وتراعي قيم المجتمع الذي يعيش في وما يتصل بمصيره ومستقبله ،،،
حين ينظم الإنسان طريقة تلذذه بالحياة لتكون على الوصف والوضع الذي أشرت إليه ، فإنه بعون الله وتوفيقه يتمكن من تحويل السرور إلى فرح والإحساس إلى ابتهاج والمتعة إلى حبور ،إنه يشعر أنه على الطريق الصحيح ، وفي الوضعية الصحيحة ، ويشعر أنه ليس أقل من غيره ، وان ما يتوقعه من رحمة الله ولطفه ومعونته سيجعل ما هو قادم من الأيام أفضل وأجمل وأمتع مما هو حاضر ،،،
إن بين اللذة والحياة الطيبة فارقاً أشبه بالفارق بين الإنفاق الفوري لمالٍ جاهز يمتلكه وبين تكوين رأس مال أو احتياط للأيام القادمة ،،،
إذا تركنا نفوسنا دون مجاهدة أو استخدام للعقل والذكاء والتدبير فإنها ستندفع إلى البحث عن الملذات كما يندفع الماء نحو الأماكن المنخفضة ، وهذا هو شأن البهائم ، لكن الله جل وعلا لم يكلف البهائم بشيء ولم يعدها بجنان الخلد ولا أعطاها العقل ولا فإنه سبحانه وفر لها الاعتدال ووفر لها الحماية عن طريق الغريزة ، فالحيوان لا يصاب بالتخمة كما يصاب الإنسان ولا يصطاد إلا على مقدار حاجته ، أما الإنسان فإنه مستعد لأن يوقع في الأزمات وفي المآسي ألوفاً من البشر في سبيل إرضاء نزواته ، لذالك هنا نقول فلان صاحب شهوة بهيمية ، ربما تكون هذه العبارة تنطوي على شيء من الظلم للبهائم ، الشهوة الإنسانية حينما تنطلق في أي مجال دون اعتبار أخلاقي أو دون اعتبار ديني أواعتبار إنساني يعني حينما تنطلق تفوق شهوات البهائم بمراحل في الحقيقة ،،،
" الشعور بالرضا"
نحن قلنا نفرق بين الحياة الطيبة أو الشعور بالسعادة وبين الشعور باللذة وبين الشعور بالرضا ن الشعور بالرضا شيء غير السعادة وغير اللذة ، إنه شعور تنتجه المقارنة مع الآخرين والتي تفضي إلى الإحساس بالتفوق والكفاءة والنجاح ، حين تكون طبيباً ناجحاً وتتذكر بائع الخضار أو الحداد الذي كان معك في الصف الثالث الابتدائي وربما كان متفوقاً عليك آن ذاك فإنك لا محالة ستشعر بالرضا عن الإنجاز الذي حققته بالنسبة إلى ما حققه زميلك في الدراسة سابقا ، الشعور بالرضا عن الموقع الذي يحتله الواحد منا وعن العمل الذي يعمل فيه لا يخالط شغاف القلب ! لماذا ؟ لأنه عمل عقلي يقنع المرء من خلاله نفسه بأنه قوي وبأنه متفوق وبأنه كفء وهو في تصوري شعور عابر ويمكن أن يتحول إلى نعيم إذا قرناه بالحمد والشكر لله والثناء على ما هدى ووفق وأعان ، وحاولنا تأدية زكاة ذلك ،، فالتفوق على صورة مساعدة لمن يحتاج المساعدة من الأهل والأصدقاء والجار ،،،
ومع هذا فلنكن على حذر فإن الشعور بالرضا الذي تأتي به المقارنات تذهب به أيضاً المقارنات ، إذا نحن نظرنا إلى أحد الأقران السابقين فوجدناه أكثر منا ثراءً أو أكثر نجاحاً أو أكثر نفوذاً أو أكثر صلاحاً إذا وجدنا ذلك فإن الشعور بالرضا يذهب ليحل محله الشعور بالتعاسة ، ،،
خلاصة كل ما قلناه هنا وأحب أن أسوق هذه الخلاصة للتركيز على المعاني السابقة ...
الخلاصة : أن الله جل وعلا يحب لعباده أن ينجحوا في الاختبار والابتلاء الذي كتبه عليهم إ أوجدهم في هذه الدنيا كما أن سبحانه أرشدهم إلى كل ما يوفر لهم الحياة الطيبة السعيدة وترك لهم أن يختاروا ما يرونه مناسباً لهم ، وذكرنا أيضاً أن علينا أن لا نخطئ كما أخطأ الملحدون والعلمانيون وأولئك الغارقون في الشهوات حين نظروا إلى الدنيا على أنها هي الفرصة الوحيدة لاقتناص الملذات ، فاختلت حياتهم كلها وهدموا في أنفسهم وأبدانهم العديد من الجوانب دون أن يشعروا أو دون أن يكونوا قادرين على فعل ما يرونه يصب في مصلحتهم الحقيقية ، إن نظرتنا إلى الحياة الطيبة لن تكون أبداً صحيحة وصائبة إلا إذا نظرنا إلى الدنيا على أنها بكل ما فيها ليست سوى الفصل الأول من الرواية ، والحكم على أننا سعداء أو أشقياء من خلالها سيكون مثل حكم الذي حكم على الرواية دون أن يقرأ الفصل الأخير فيها ،،،
الحكمة هي التي نحتاجها في إدارة حياتنا وحين نحرم منها فإن العلم لن ينفعنا كثيرا في ترشيد اختياراتنا وقراراتنا ، وقد فرقنا كما مر بنا قبل قليل بين اللذة والنشوة بوصفهما أمرين سريعين عابرين وبين السعادة بوصفها الوضعية الجيدة والملائمة لمتطلبات قيمنا وعقائدنا وغرائزنا وحاجات مستقبلنا ، ومع أن السعادة تشتبه باللذة لكن كما ذكرت لا تتطابقان ولا يتوقف على نحو دائم حصول واحدة على وجود الأخرى ،،، هذا ملخص سريع لما ذكرته في الدقائق الماضية ،،،
ولعلي هنا أسوق بعض الرؤى والخبرات حول السعادة لعلماء ومفكرين وفلاسفة وخبراء مسلمين وغير مسلمين لعلنا نجد فيها ما يهدينا إلى بلورة رؤية أكثر وضوحاً حول هذه القضية المهمة والحية أو قضية القضايا كما أشرت ، ولعلنا أيضا نجد فيها ما يرشد سلوكنا واهتماماتنا في طلب الحياة الطيبة ،،،،
يقول أحدهم : إن السعادة الحقيقية تكمن في تقدير مواهب الآخرين والفرح لفرحهم ولهذا فإن أسعد إنسان هو ذاك الذي كلما رأى شخصاً مسروراً أحس بالسرور يتغلغل في نفسه ، وبما أن المسرورين في هذه الدنيا كثيرون فإنه سيجد دائماً مصدراً متجدداً لمباهج الروح ، طبعاً لم يسأل صاحب هذا القول نفسه عما إذا كان هذا المبتهج بسعادة الآخرين يعاني من مغص كلوي أو من تراكم الديون أو من قهر عدو ، كيف يمكن تجاوز ذالك بكل ضغوطاته إلى الإحساس بالآخرين ...
حكيم آخر نظر إلى الوجه الآخر من العملة حين قال : إن القلوب الكبيرة لا تسعد أبداً بسبب ما تحسه من نقص في سعادة الآخرين ، وعلى هذا فالسعادة من نصيب الأنانيين ومن نصيب المغفلين ، فهذا يؤكد ما ذكرته قبل قليل من أن قضية السعادة قضية ملتبسة وقضية غامضة تضطرب فيها الأقوال إلى حد التناقض والتضاد ،،،
السؤال الذي يطرح نفسه على هذا القول : كيف تكون حال أولئك الذين يحبون العزلة الاجتماعية فلا يشعرون بالسعداء ولا يشعرون بالأشقياء ؟ هل يكونون في منزلة بين المنزلتين ؟ كما تقول بعض الفرق في بعض المسائل !! أي لا مع الأشقياء ولا مع السعداء ؟؟؟؟!!!
لا ريب أن كل واحدٍ من هذين القولين ينطوي على شيء من المبالغة وينطوي أيضاً على جزء من الحقيقة ..
يقول ثالث : ضاعف جهلك لتبلغ السعادة . ويعني بذالك أن الذين يدققون في الأشياء ويطلعون على ما في الواقع يجدون الكثير من الخلل والكثير من الفواجع مما يكدر خاطرهم ، ولذا فإن جهلهم يحميهم من ذالك ، ولهذا القول نصيب من الصحة لكن علينا أن لا ننسى المتعة الكبيرة التي يجدها الإنسان في معرفة أسباب الأشياء والحوادث ومعرفة العلاقات التي تربط بينها ، ولذا فإن بعض الفلاسفة يرى أن السعادة الكبرى هي من نصيب من يحسن التأمل في أسرار الوجود ويعرف أكثر عن حكمة الخالق جل وعلا في خلقه ، ،،،
وقد ذكروا أنه قيل لأبي بكر الخوارزمي عند موته في ساعات الإحتظار أو في بداية الإحتظار قالوا له ما تشتهي : قال النظر في حواش الكتب ، وهو في وداع الدنيا يجد متعة معينة أو فائدة كبرى في أن يكون آخر ما يعمله في هذه الحياة هو أن يقرأ ويطلع ويعرف ،،،،،
هناك من يرى السعادة كامنة في رؤيتنا للأشياء وتفسيرنا للواقع وردود أفعالنا على الحوادث ويعلل لذلك بأن لكل شيء في حياتنا عشرين ظلاً ومعظم هذه الضلال من صنع الناس ، ويشير إلى هذا قوله عليه الصلاة والسلام : ( عجباً لأمر المؤمن كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذالك لأحدٍ إلا للمؤمن ) فرؤيتنا للأشياء وعلاقتنا بها وتفسيرنا لها هي الأمور الحاسمة في تقرير كونها أموراً تجلب السعادة أو تجلب الشقاء ،،،،
هناك قول طريف في شأن السعادة حيث يرى صاحبه أن السعادة في الدنيا ليست سوى شبح يرجى فيطارد ويلاحق فإن وقع في القبضة وصار شيئاً متجسداً ملموساً مله الناس وسئموه وحاولوا البحث عن غيره وكأن سعادة الناس وفق هذا القول الحكيم تكمن في ملاحقتهم لما يظنونه مصدراً لإسعادهم وليس في التمتع به يعني متعة الرحلة أكبر من متعة محطة الوصول أو نهاية الرحلة أو هدف الرحلة في نظر هذا الحكيم وهذا القول مع أنه يلمس جانباً غير قليل وغير صغير من الموضوع لكنه لا يخلوا من شيء من التطرف لأن ما نصل إلي يغير في البيئة التي نعيش فيها ويحسن في ظروف العيش وليس كل شيء نصل إليه يصبح بعد مدة مملولا ...
بعض الحكماء يرى أن أسعد الناس هم أولئك الذين يكتشفون أم ما ينبغي أن يفعلوه وما يفعلونه في الواقع هما شيء واحد ، أي أن لديهم إحساساً بالتطابق التام بين سلوكياتهم ومواقفهم من جهة وبين معتقداتهم والقيم التي يؤمنون بها من جهة أخرى ، و لا ريب أن من يكون كذالك يظفر بشي قليل من السعادة إنه يطمئن إلى قدر كبير من خيرية ذاته وخيرية مصيره وكثير من النصوص يشير إلى هذا المعنى لكن علينا أن نعمق الفهم حتى لا ننساق خلف الأفكار الجميلة ،،،
إن المرء حتى يكتشف أنه يفعل كل ما ينبغي أن يفعل يحتاج إلى العصمة وهذه للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وليست لعامة الناس ، ثم أن جزءً من أخطائنا يعود إلى اجتهادنا وحين يجتهد الواحد من ويخطئ فإن نتائج اجتهاده الخاطئ سوف تعكر حياته وتجعل سعادته منقصوه ثم ماذا يمكن أن يصنع الخيرون إذا كانت نظرتهم للحياة تميل إلى التشاؤم مثلاً ورؤية السلبيات عوضاً عن الإيجابيات لاشك ، أن ذالك يجلب لصاحبه التعاسة حيث لابد من نوع من الاعتقاد بخيرية العالم أي بوجود الخير لدى كثير من الناس ووجود إمكانية لتمكين ذالك الخير، إذا لم نشعر بهذا بخيرية العالم على الوجه الذي شرحته فإننا سنشعر بالتعاسة وانسداد الآفاق وانقطاع الحيلة ، وفي موروثنا الثقافي الكثير الكثير من المرويات عن أناس أخيار لكنهم أصحاب نظرة سوداوية سلبية.
الاستقامة على الشريعة مصدر من أعظم مصادر السعادة والطمأنينة ، ومن غير الاستقامة والشعور بحد كبير وبقدر كبير من التطابق بين المعتقد والسلوك بدون هذا لن يكون هناك مطمع بحياة طيبة لكن الاستقامة مع أهميتها ليست الشرط الوحيد ، فهناك شروط أخرى إلى جانبه ،،،
هناك من يقول أن الصحة هي الشيء الوحيد الذي يجعلك تشعر بأن اليوم الذي تعيشه الآن هو أفضل وقت في السنة ، ولا يخفى على عاقل ألا شعور بالسعادة مع وجود الأسقام والآلام ، لكن الذي ثبت أن المرء يتكيف مع البلوى شيئاً فشيئا ، والحقيقة لو كان الذين يتألمون ، يتألمون ويشعرون بالألم بالدرجة التي نظنها لا واجهوا صعوبات هائلة في الحياة لكن مع الأيام مع الأيام تصغر المصائب وتنخفض توقعات المرء ويتكيف مع المصائب والبلاوي التي يعيش فيها ، يمكن للمؤمن أن يبصر من خلال البلوى أيضاً رحمة الله تعالى ويبصر ثوابه فيخف تأثير ذالك البلاء فيه ، إن الصحة شيء لا نشعر به إلا إذا فقدناه ، ولذا فوجدودها شرط للسعادة..
لكن أيضا هناك شرط من شروط بعض فلاسفة اليونان مثل أرسطو كان يقول : السعادة تكمن في الحكمة ولا يوجد سعيد في العالم إلا العاقل وعلى هذا فالفلاسفة المفكرون الكبار الذين يشتغلون بالأعمال الفكرية ، المثقفون الكبار هم أسعد الناس في رأي أرسطو وهذا القول قريب من قول من يقول إن السعادة تكمن في العلم ومعرفة أسباب الأشياء ولكن واقع الحياة يؤكد أن عدداً كبيراً من العلماء انتحروا عدد كبير من العلماء كانوا دائماً يعبرون عن الحرمان الذي يعيشونه وعن أنهم أشقياء ، هذا واقع ولا تسطيع أن تقول لشخص يقول إنه شقي أن تقول له أنت مخطئ أنت سعيد هذا صعب ...
أختم بـقول واقعي وطريف وبعيد عن كل المعايير الموضوعية ، قول يعتمد على الميول الشخصية على الأحاسيس الشخصية وليس على المعايير التي يمكن تداولها بين الناس ، هذا القول يرى صاحبه ليست في المال أو الجاه وليست في الصحة وليست في الفضيلة وليست في الإيثار للآخرين على النفس ولا في أي شيء من هذه ، إنها في شيء واحد ، هذا الشيء هو ظن المرء بأنه سعيد إذا شعرت بأنك سعيد فأنت سعيد ولا تلتفت إن كنت تعيش في الصحراء ، عندك مكيف ليس عندك مكيف ، عندك عشاء ليس عندك عشاء ، عليك ديون لك ديون ، لا فرق ، المهم ما ذا تقول أنت !! فإذا قلت إنك سعيد فأنت سعيد ، ومن الحكمة ومن المصلحة إذا كنت تشعر بهذا أن لا تبحث أبداً عن أسباب سعادة لأنك لو بحثت ربما زال ذالك الشعور ، السعادة شعور بالانشراح والأمن والإقبال على الحياة والهناء فإذا ظن الواحد أنه يملك هذا الشعور فهو إذا كما قلت سعيد بقطع النظر عن كل ما قيل وكل ما يقال حول شروط السعادة وحول مقوماته وحول أسبابها وحول منغصاتها كل هذه ما لها قيمة أمام إقرار الإنسان أنه يتمتع بسعادة وارفة وبهناء كبير ، هذا القول جميل جداً الحقيقة ، وربما كان أرجح الأقوال إذ لا تستطيع أن تقول لشخص يقول عن نفسه أنه يشعر بالسعادة تقول له أنه غير سعيد مهما كان لديك من الأدلة والبراهين على أنه شقي وبائس ، وقد نجهد أنفسنا ونستعين بطبيب نفسي في إقناع شخص بأنه ليس تعيسا أيضا في المقابل قد نبذل كل جهد في إقناع شخص يشعر بأنه تعيس لنبرهن له على أنه ليس بتعيس نبذل كل الجهود ونستعين بمن نستعين بهم ولكن نجد أنفسنا في النهاية عند نقطة البداية وكأننا لم نفعل أي شيء ...
إن السعادة أيها الإخوة والأخوات تقوم في حقيقة الأمر على جملة من الحقائق وجملة من الأخيلة وجملة من الأوهام تركيبة منوعة و معقدة ، حقائق وأخيلة وأوهام ، فإذا توهم شخص بأنه سعيد فدعه في توهمه يشعر بالغبطة فذالك خير لك وخير له ...
الأقوال عن السعادة تذكرنا بقصة العميان الذين وضع كل واحد منهم يده على جزء من الفيل ظناً منه أن ذالك الجزء هو الفيل كله ، ثم شرع كل واحد يصف الفيل من منطلق ظنه ، فخرجوا بأوصاف كثيرة متباينة كما خرج أصحابنا عن الحديث عن السعادة ..
الأقوال التي سمعناها عن السعادة كلها صحيحة وكلها في الوقت نفسه خاطئة ، هي صحيحة إذا قلنا أنها تفسر بعض أسباب أو بعض مظاهر السعادة وهي خاطئة إذا قلنا أنها تفسر الظاهرة بشكل كامل ومشكلة قائلي تلك الأقوال تعميم تجاربهم ورؤاهم الشخصية على نحو ينفي تجارب غيرهم ومرئياتهم ..
.
بعد هذا دعونا نتناول ملاحظتين إضافيتين بعد التعريفات الطريفة واللطيفة للسعادة و للحياة الطيبة لعلنا نتمكن من الاقتراب من هذا اللغز الغامض والمحير أكثر فأكثر ..
* الملاحظة الأولى ...
تكمن في النصيحة التالية ...
لا تجعل السعادة هدفاً تسعى إليه ، وهذه النصيحة عجيبة وربما تلقاها كثير من الناس بالاستنكار وهم محقون في ذالك لأننا جميعاً في واقع الحال نطارد شيئاً نظن أن فيه ما هو أريح وأمتع وأنعم وأرفه ، لكن هل نحن مصيبون في ذالك أم أننا نبحر في محيط الوهم الأكبر حيث ننتقل من جزيرة إلى جزيرة ظانين أن الجزيرة التي نصل إليها هي الجزيرة المبتغاة ، حتى إذا ما حللنا فيها اكتشفنا أنها أقل مما نؤمل ونرتجي ، وبعد مدة يصيبنا السأم والملل فننشر الأشرعة ونبحر صوب جزيرة أخرى ..
تجربة كثير من أهل الفكر والحكمة والخبرة تقول لنا : إن خير وسيلة لبلوغ السعادة هي ألا تتخذ السعادة غرضاً مباشرا ، ولا هدفاً صريحا ، لأنك إذا فعلت ذالك صارت السعادة بالنسبة إليك مثل فريسة يخطئها الصياد كلما سدد نحوها من مكان بعيد ، إنك لو تأملت في حياة معظم الناس وربما كنت أنا وأنت منهم لوجدت أن القسم الأول من الحياة ينقضي في اشتهاء القسم الثاني وما يخبئ هذا القسم الثاني والأخير من مفاجآت سارة ، أما القسم الثاني فإنه ينقضي في التأسف على القسم الأول كما يتأسف الشيوخ على الشباب ، كما قال الشاعر :
ألا ليت الشباب يعود يوما *** فأخبره بما فعل المشيب
وكنت قد سمعت من طفلة في السادسة أو السابعة من عمرها ذات يوم ـ هذا الكلام كان قبل عشرين سنة ـ سمعت منها تلخيصاً مفيداً لهذا المعنى ، معنى انتظار القسم الثاني من الحياة والتأسف فيه على القسم الأول ، تلك الطفلة قالت هذه الحقيقة لكن بلغة أخرى حيث قالت : الأطفال الصغار يحاولون الظهور بمظهر من هو أكبر منهم ، أما الكبار فإنهم يحاولون الظهور بمظهر الكبار ، مشكلة السن والتقدم في السن عند الجميع قضية غير مرغوب فيها ولاسيما عند النساء ، هذا الكلام الذي قالته تلك الطفلة من عشرين سنة يتأكد اليوم في الحقيقة من خلال فنون عمليات التجميل التي يقوم بها الكبار من رجال ونساء لإصلاح ما أفسدته الأيام .
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
يقول أحد كبار الأدباء العرب في العصر الحديث : كيف السبيل إلى السعادة والرضا وأنا لم أبلغ شيئاً إلا تطلعت إلى شيء آخر أبعد منه منالا ولم أحقق أملا لنفسي أو للناس إلا اندفعت إلى أمل هو أشق منه وأصعب تحقيقا ؟؟؟؟؟
فإذا كان الأمل الذي لا حد له ، والعمل الذي لا راحة منه ، إذا كان هذا يعد في نظركم سعادة ، فأنا السعيد الموفور الحظ ، ما في ذالك شك ، أما إذا كانت السعادة هي الرضا الذي لا يشوبه سخط ، والراحة التي لا يشوبها تعب والنعيم الذي لا يعرض له بؤس فإني لم أذق هذه السعادة بعد ، ما أرى أني سأذوقها إلا أن يأذن الله لي فيما بعد هذه الحياة بشيء منها ،،
تمنى أحدهم أن لو كان الإنسان يولد وهو ابن ثمانين سنة ، ويتدرج في العمر نزولا ليموت وهو ابن عشرين ، فذاك قد يكون هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من أوهام المستقبل حيث أنه يستطيع آنذاك أن يتعامل مع شؤونة بخبرة ابن الثمانين ، وإذا كان هذا عبارة عن أمنية لن تحقق ، لماذا لا نجلس إلى ابن الثمانين لنسأله عن الأشياء التي طاردها من نحو الثروة والمتعة والجاه والشهرة واكتشاف البلاد وما شاكل ذالك !! وكيف كانت مشاعره حين ظفر بها وقبض عليها ، إن هذا خير لنا من أن نسير في طريق صعبة ووعرة ستين أو سبعين سنة لنجد أمامنا لوحة تقول " عفواً الطريق مغلق " ولماذا نذهب بعيدا بعيدا والذي خلق الملذات والمسرات ورتب الأسباب والمسببات يقول في محكم كتابه : ( فمن زحزح عن النار وأدخل والجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) متاع غرور ، يغر الإنسان بكل متاع يناله من الدنيا ، ثم يتبن له أن ذالك الاغترار كان اغترارا ، وذالك الإعجاب كان اغترارا ولم يكن في محله ، ،،،
إذا كان هذا هو واقع الحال ، فلأولى بنا بدل أن نسعى إلى أشياء محددة نظن أن السعادة كامنة فيها الأولى بنا حين إذٍ أن نتبع في سلوكنا قواعد محددة ـ وأحب أن أشدد على هذه الفكرة ـ نتبع قواعد محددة في حياتنا نعتقد أن في التزامها احتمالاً كبيرا بأن نكون سعداء ، لا نسعى إلى السعادة لنصل إليها بعد خمسين سنة أو ثلاثين أو عشرين أو عشر سنوات ، لا ، من هذه اللحظة الأمور التي نعتقد أنها تجلب لنا السعادة نلتزم بها .. القواعد التي نعتقد أنها ستجلب لنا السعادة نلتزم بها من هذه اللحظة ، ونتعامل مع هذه القواعد بثقة ، كما لو أنها كانت أهدافاً في حد ذاتها ، بدل أن تجعل السعادة هدفاً اجعل التزامك بالقاعدة التي تؤدي إلى السعادة ، كأن ذالك الالتزام عبارة عن هدف في حد ذاته .........
*الملاحظة الثانية من الملاحظتين التي ذكرت أنني سأسوقهما ...
هذه الملاحظة تفيد أنه ليس هناك شيء كائناً ما كان يشكل بكل تفاصيله وبكل معطياته على وجه الانفراد حياتنا الطيبة وذالك لأن السعادة عبارة عن نشيج معقد وما يسهم في تحقيقها متعدد الأنماط والأشكال ، يعني مثلاً قد تكون في أحسن حال وتتذكر حدثاً مؤلماً فيعكرك ذالك التذكر وتلك الذكرى يوماً كاملا وقد يملك أحد الناس كل مقومات السعادة الشخصية لكنه يرزق بولد منحرف أو معوق ينكد عليه حياته وينسيه كل ألوان النعم التي يتمتع بها .. إذاً ليس وجود الأولاد وحده مهما كان يشكل نسيج سعادتنا ولا وجود المال ولا وجود المرأة المطيعة التقية الحسناء ولا وجود الجاه الجيد ولا وجود المنصب الكبير كل شيء من هذا لا يشكل بمفرده هيكل السعادة أو جسم السعادة الذي نسعى إليه ، و لو أننا سمحنا لأنفسنا أن توقف قليلاً لنقرأ أهداف الحركة اليومية الدائبة لمعظم الناس فإننا سنجد الأكثرية من العناصر النشطة في المجتمع الأكثرية من هذه العناصر النشطة وقعت في وهم هذا الوهم هو أنها تستطيع أن تغير مجرى حياتها من خلال الوصول إلى شيء ما ، فهذا يعتقد أن مبلغاً كبيرا من المال سوف يجعله في القمة ، ولما لا والمال محور الحياة كما يقولون : الذي ليس معه فلس لا يساوي فلسا ، والذي معه مليون يساوي مليون ، وهذا يعتقد أن وصوله إلى منصب معين أو إلى نفوذ قوي في مجال من المجالات سيفتح أمامه كل أبواب المجد ، وثالث يعتقد أن عليه أن يبني اسماً في مجال عمله وإذا توصل إلى ذالك لم يحول بينه وبين الفوز المعنوي و المادي أي شيء ، ورابع يعتقد أن أبناء هذا الزمان لا يحترمون إلا الشخص الناجح والمتفوق ولذا فإن النجاح بالنسبة إليه يشكل الباب العريض الذي سيدخل منه إلى عالم الأحلام الوردية ، وهكذا ...
ومع أنني أعتقد أن من الصعب جداً أن نقنع الناس بأن هذا الذي يعلقون عليه كل آمالهم في تحقيق السعادة لا يعدوا من أن يكون واحداً من الأوهام الكبيرة التي دوختنا ودوخت الأمم من قبلنا ، مع أنني أعتقد هذا إلا أن علينا أن نحاول في ذالك لعله يتشكل وعي مستقبل بهذه القضايا فيرتاح بعض المجهدين ويتأنى بعض اللاهثين ، بعض المندفعين ،،،،
إذا وقفنا تجاه المال والثروة و دورهما في تحقيق السعادة فإننا سنجد أن بني البشر جميعا في حاجة إلى المال حتى تستقيم حياتهم ويتمكنوا من قضاء حوائجهم ، إن قدراً ملائماً منه يعد شرطاً لشعور الإنسان بالطمأنينة لقيامه بالحفاظ على وجوده المادي و المعنوي ، ولكنه ليس الشرط الوحيد فشروط الحياة الطيبة عديدة والمال واحدٌ منها ، المال وسيلة ويساهم في سعادة الناس ما دام يمكن استخدامه من قبل الذين يملكونه ، فإذا فاض عن الحاجة والقدرة على الاستفادة منه فإن علاقة صاحبه به تصبح وهمية ، وأرجوا أن نضع خطاً تحت هذا ، حين يفيض المال عن الحاجة ، ويصبح عبارة عن أرقام تدخل في حساباته وتخرج منها ولا يدري أحياناً في اليوم ما ذا دخل وما ذا خرج ، حينئذٍ علاقة الإنسان بثروته تصبح علاقة وهمية ، علاقة رقمية ،،،
ومما يذكر على سبيل الرمز والعبرة أن رجلا أخبر أن له دعوتين مجابتين ، فدعا الله تعالى أن يجعل كل شيء تمسه يده ذهبا ، فأعطاه الله تعالى ما سأل ، فكاد عقله يطير من الفرح ، ليس هذا شيئاً قليلا بل شيء كبير ، وانطلق الرجل يلمس بشرهة وبنهم كل ما يجد أمامه فيتحول هذا الملموس إلى ذهب ، حتى إذا جاع صاحبنا أخذا الصحن الذي فيه طعامه فصار كل ما فيه من طعامٍ ذهبا ، وعطش فحمل الكأس ليشرب ، فصار ما في الكأس من ماء أيضاً ذهبا ، لا ماء ولا طعام ، فقعد الرجل جائعاً عطشان ، فأقبلت ابنته تواسيه على هذه المصيبة أن ما بين يديه كله صار ذهبا ، عانق ابنته وهي تواسيه فصارت أشبه بتمثال من ذهب ، وهنا لجأ الرجل بعد أن أصابه ما أصابه إلى الدعوة الثانية ، فما ذا كانت ، دعا الرجل ربه أن يعيد كل شيء كما كان ، لأنه أدرك أن الرغيف للجائع وأن الكأس للعطشان وأن البنت للأب خيرٌ من ملأ الأرض ذهبا ، فالمال الذي بين أيدينا قد يكون وسيلة لتحريرنا من الشعور بالعوز ، ومن ذل الحاجة إلى الناس ، لكن عندما ننهمك في جمع المال أملاً في حياة أهنأ وأرغد ، فإن ذالك المال قد يكون طريقاً إلى العبودية والاسترقاق ، فيهدر المرء كرامته في سبيل الحصول على المزيد منه ، وقد يقترن اكتسابه بالمعاصي من ربا ومن غش والنهب والسلب وأكل الحقوق ، لأن الملاحظ أن من يؤمن بأن المال هو كل شيء يفعل أي شيء من أجل الحصول عليه ،،،،،،،
طرحت إحدى الصحف الإنجليزية على قراءها سؤالاً هو : ما المال ؟
فكان الجواب الذي نال الجائزة هو الجواب الذي عرف المال بأنه جواز سفر عالمي يمكن لصاحبه أن يسافر إلى كل البلاد ما عدا السماء ، وهو يجلب كل شيء ما عدا السعادة ،،،،،
ونحن لسنا مع هذه المبالغة ، فالمال إذا اكتسب من حلال وأنفق في مراضي الله تعالى فإنه يدني صاحبه من الجنة ونعيمها ، وهو إن كان لا يجلب بالضرورة السعادة إلا أن المرء لا يشعر بالسعادة من غير وجود شيء كافٍ أو شبه كافٍ ، لكن أحب أن أأكد أن رجلاً بلا مال هو رجل فقير ، ولكن الأفقر منه إذا أردنا أن نغوص نحو الأعماق الأفقر منه رجل ليس لديه إلا المال ، ليس لديه خلق ، ليس لديه استقامة ، ليس لديه رحمة ، ليس لديه إحسان ، هو فقط يملك المال ، هذا هو أفقر الفقراء .................
انتهى الشريط الاول
يتبع
اتمنى ان تتابعوا الموضوع
اتمنى ان تتابعوا الموضوع

==================================
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الله يسعدك دنيا واخرة
بانتظار الشريط الثاني
الله يسعدك دنيا واخرة

بانتظار الشريط الثاني
__________________________________________________ __________
موضوع جيد جداً
لكن لايمكن قراءته في جلسة واحدة
جزاك الله خير
لكن لايمكن قراءته في جلسة واحدة
جزاك الله خير
__________________________________________________ __________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أثابك الباري وحفظك صحيح مسلم والبخاري
<< جاري القراءه
أثابك الباري وحفظك صحيح مسلم والبخاري

<< جاري القراءه

__________________________________________________ __________
جزاك الله خيرا
حفظته عندي لقراءته على مهل
حفظته عندي لقراءته على مهل
__________________________________________________ __________
جزاك الله خير ،،
<<< جااااري القراءة ،،،
بانتظاااااااااااااااااااااااارك ،،
<<< جااااري القراءة ،،،
بانتظاااااااااااااااااااااااارك ،،
تفضلوا الشريط الثالث
عسى ان تكون فيه الفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط الثالث ....
إن الحياة لقصيرة مهما طالت ، ولحظات الغرور ليست سوى قطرات الماء لا معنى لها في محيط الزمان الكبير ، أيها المغرور إنك تؤذي نفسك بموقف ذهني خاطئ ، والكون يستمر في حركته وفي اتجاهه على ما هو عليه دون أن يتأثر بشيء ، رأيت في الحياة أشخاصاً أعمى الغرور بصائرهم فأخرجهم من كل دوائر المنطق والمعقولية ، وصار الواحد منهم أشبه بالديك الذي يعتقد أن الشمس لا تشرق إلا كي تستمتع بصياحه ، ،،،،
أما الكبر فإنه أعظم شراً من العجب ، وأعظم شراً من الغرور ، لأنه يشتمل عليهما ويزيد بخصلتين قبيحتين ، هما ازدراء الناس ورد الحق ، أنفةً من اتباعه والاستسلام له ، قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) قال رجل : يا رسول الله ــ التبس الأمر على الناس ـ قال يا رسول الله : إن الرجل يحب أن يكونه ثوبه حسناً ونعله حسنا ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس ) أي : رد الحق وازدراء الناس والاستخفاف بهم ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( أل النار كل عتلٍ جواظ مستكبر وأهل الجنة كل ضعيف مستضعف ) وقال سبحانه وتعالى : ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) ،،،
المتكبر ينشر في المجتمع معادلة الازدراء المتبادل ، يزدري الناس لأنه يراهم أقل منه ، والناس يزدرونه لكبره وسوء خلقه ، قال أحدهم واصفاً هذه الحالة :
مثل الجاهل في إعجابه ** مثل الناظر من أعلى الجبل
يحسب الناس صغارا وهو في ** أعين الناس صغيراً لم يزل
ويبدوا أن المتكبر يدخل نفسه في دورة من العلاقات المريضة ، فهو يتكبر على من دونه بمقدار إذلاله لنفسه أمام من يرى أنهم فوقه ، وكثيراً ما يكون الكبر ستراً لنقص جوهري في الذات وتغطية على عيب أساسي في الشخصية ، كما قال أحدهم :
لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال استعانوا بالكبر ليعظم صغيراً ويرفع حقيرا وليس بفاعل ، لا يستطيع الكبر أن يقوم بهذه المهمة ، ويصل الكبر في بعض الأحيان إلى درجه يحتاج معها صاحبه إلى علاج ، كما هو الشأن في المصابين بجنون العظمة ، وهؤلاء في عصر الثروة ، عصر القوة و التقنية المتقدمة ، باتوا كثيرين ، قد كانت العرب قديما تضع حذيفة الأطرش في مقدمة المتكبرين حيث أنه كان لا ينادم أحداً لتكبره ، يسامر أحداً لتكبر، لا يتباسط إلى أحد ، ويقول إنما ينادمني الفرقدان ، ما شاء الله هذا الرجل لا يدري أنه لا يستطيع عزل مجتمع بأكمله لكنه يعزل نفسه ويورثها آلام الوحشة والغربة وهو بين أهله وفي دياره ، وهذا لا شك وأمثاله يحتاجون إلى علاج مضاعف ، ويذكرون أن ابن عوانه كان من أقبح الناس كبراً حيث روي أن قال لغلام له ـ خادم ـ: اسقني ماء ، قال الغلام نعم ـ أجابه ـ فقال ابن عوانه : إنما يقول نعم من يقدر أن يقول لا ، اصفعوه ـ أي اضربوه ـ فصفع الغلام ،،،
لا يستطيع المرء أبداً أن ينعم بالسعادة والطمأنينة وهو ينشر بين الناس الحقد والكراهية ، ولا يستطيع أحد أن يؤذي الآخرين باحتقارهم دون أن يناله حظ من أذاهم ،،،
المغرور والمعجب بنفسه والمتكبر يضعون مادة عازلة بينهم وبين المسرات التي ينالها المحسنون والأخلاقيون والطيببون من جراء حبهم للناس وحب الناس لهم " وعلى نفسها جنت براقش "
المنغص السادس :
الشعور بالاضطهاد بالتآمر وقهر الآخرين ، وهذا الشعور مستشرٍ بين الناس وهو واحد من الأمور المهمة في إفساد متعة الحياة وتكدير الخاطر ، في أمة الإسلام كثيرون جداً يعتقدون أن السبب الجوهري لتخلف الأمة لا يعود إلى قصورها الذاتي ولا إلى الأخطاء والخطايا التاريخية المعاصرة والحاضرة ، وإنما يعود إلى المآمرات التي تحاك من الأعداء خارج حدود العالم الإسلامي ولاسيما الدول الغربية ، ولهذا فإنهم كثيراً ما يعتقدون أن انحطاط تلك الدول أو دمارها هو الذي سيخلص العالم الإسلامي من أوضاعها الراهنة ، والذين يعيشون في الغرب من هؤلاء المسلمين يعدون من البراعة الشخصية الخروج على القوانين المرعية هناك في سبيل الحصول على بعض المكاسب أو إلحاق الضرر باقتصاد تلك البلاد أو ببعض الأشخاص هناك ،،،
وحين تجالس هؤلاء تجد أنهم يشعرون بدرجة عالية من المرارة واليأس ولما لا يكون الشأن كذلك وهم يعتقدون أن مفتاح كل تقدم يمكن أن ننجزه ليس بأيدينا وإنما بأيدي خصومنا التاريخيين والمنافسين لنا في عالم اليوم ن ، هؤلاء الناس نفضوا أيدهم من أي عمل إيجابي بنائي لأنه في نظرههم ليس مجديا ،، مع أن القرآن الكريم يعلمنا أن المشكلة الجوهرية ليست في تسلط الأعداء ولكن في ضعف دفاعاتنا و ضعف التزامنا وقيامنا بأمر الله تعالى ، المشكلة في ضعف همتنا ، في انخفاض إنتاجيتنا وسيطرة الكثير من الأدواء والعاهات الخلقية علينا على نحو ما نلمسه في قول سبحانه : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير ) حين هزم المسلمون في أحد ، قال بعضهم : كيف نهزم ونحن جند الله فنزلت الآية ، ،،
ويقول سبحانه : ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ) هؤلاء الذين يشعرون بقهر الأمم لأمة الإسلام يظلون غير قادرين على تقييم أحوالهم ونقدها وإصلاحها وتجد الواحد منهم يسلك في الاستسلام للأوضاع السيئة مسلك الجبريين الذين يعتقدون أن الإنسان لا يعدوا أن يكون كالريشة المعلقة في الهواء تميلها الرياح يمنة ويسرة ، مع أن هؤلاء ليسوا جبريين في معتقدهم ولكن اعتقادهم بهذا السيطرة الرهيبة علينا جعلهم مشلولي الحركة كما هو شأن من يعتقد الجبر ،،،
على الصعيد الفرد الداخلي تلقى كثيرين من الناس يعتقدون أن عدم استقرارهم في مؤسسة أو في شركة أو مهنة يعود أساساً إلى الظلم الذي وقع عليهم أو إلى عدم تحملهم لمشاهد التسيب والفساد الذي وجدوه في المؤسسات التي عملوا فيها ، ومع أن وجود ما يتحدثون عنه قد يكون صحيحا إلا أنك تجد عند البحث والتدقيق أنهم لم يستطيعوا القيام بواجباتهم المهنية والوظفية على الوجه المطلوب فتم الاستغناء عنهم ، وهناك أشخاص يشعرون أن حياتهم معرضة للخطر بسبب الحقد والحسد الذي يكن بعض الناس لهم ولذا فهم في توجس دائم ، وهؤلاء في الحقيقة يحتاجون إلى علاج نفسي ،،،
وهناك فريق ثالث من الناس منزعجون دائما لأن من يقيمون علاقات معهم لا يعاملونهم بالكياسة والرقة واللطف والعطف الذي يستحقونه ،،
وأخيرا نموذج المحسن ، الذي يعمل دائماً الخير للناس ويمد لهم يد العون والمساعدة على الرغم من عدم طلبهم لذلك لكنه مندهش وفزع أن أولئك الذين تلقوا مساعدته لا يظهرون له أي اعتراف بالجميل ، ،،
يشترك كل المضطهدين في أنم يسيئون فهم الحياة ، وفهم العلاقات بالآخرين ، بل يسيئون فهم أنفسهم أيضا ، ومع أنك قد لا تعثر على أي علاج ناجح لبعض حالات هوس الاضطهاد إلا أن الحالات الخفيفة التي يشعر بها من ليس مصاباً بالتصلب الذهني قد يكون لها بعض العلاج ، ،،،
وأعتقد أن ما سأقوله الآن قد يكون نافعاً في الحالات المشار إليها :ـ
أولا ..
على المرء فيما يواجهه من نقود وحملات تبدوا عدائية ، أن يتهم نفسه ويراجع مواقفه وعلى سبيل المثال : فإن هناك من يكره الغيبة ويمسك لسان عن الحديث عن أي أحدٍ بسوء ، والذي كثيراً ما يحدث أن يقاوم هذا الشخص أو هذا المرء الكلام في غيبة فلان من الناس عشرين مرة وفي عشرين موقف ، لكن في موقف من المواقف غلبته نفسه فتكلم عليه بكلام لا يرضاه وحدث أن قام من بلغه بذلك الكلام فشن حملة ضده هذا الرجل الذي يقاوم الغيبة نسي الموقف الذي اغتاب فيه فظن أنه يتعرض لهجوم ظالم والأمر ليس كذلك ، وهذا الأمر في خبرتي ومعرفتي يتكرر يومياً في المدينة الواحدة مرات عديدة إن لم نقل عشرات المرات ،،،
ثانياً :
على المرء ألا يبالغ في تقدير صفاته الخاصة لا من حيث عظمة الفضيلة في ولا من حيث قلة الشر لديه ، فإذا فعل ذلك يكون قد ترك في حياته في علاقاته هامشاً للخطأ وهامشاً لإمكانية المؤاخذة من قبل الآخرين ،،
ثالثاً :
علينا ألا نتوقع أن يهتم بنا الناس كما نهتم بأنفسنا ، فالناس ينظرون إلى أمور الحياة من زاويتهم الخاصة وليس من زاويتك أو زاويتي ، وعلى هذا فليس للمرأة العجوز أن تتوقع من ابنتها أن تعزف عن الزواج رغبةً في البقاء إلى جوارها كي تقوم على خدمتها ، وليس للأهل أن يتوقعوا من ابنهم أن يطلق زوجته أو يعيش معها في نكدٍ دائم تلبية لرغبتهم في سكناه معهم ، وهنا أقول : علينا أن نعترف أننا نتصرف في بعض الأحيان بنوع من الأنانية والجشع وعدم الشعور بالمسؤولية ، وإذا لم يفعل الناس ما نريد ويستجيبوا لرغباتنا تضايقنا وشعرنا أنهم يضطهدوننا ،،
رابعاً ..
هذا الأمر الرابع من الأمور التي تساعد على تخفيف الشعور بالاضطهاد ، على كل واحدٍ منا أن يدرك أن الناس الآخرين يصرفون من وقتهم في التفكير فيه أقل بكثير من الوقت الذي ينفقه في التفكير بذاته ، الواقع أن لدى جميع البشر مشاغلهم وشؤونهم الخاصة التي تستنزف طاقاتهم في الليل والنهار ، وليس لدى كثير منهم أي وقت للتفكير فيه أو السؤال عنه أو الانشغال بحياكة المكايد له ،،،
إنني أيها الإخوة الكرام ، أيتها الأخوات الكريمات أعتقد اعتقاداً جازما أن ما نفعله بأنفسنا على مستوى أمتنا وعلى مستوى مجتمعاتنا وعلى مستوياتنا الشخصية والخاصة إن ما نفعله تعجز أكبر قوة معادية في الأرض أن تفعله معنا ، فالقصور ذاتي والإخفاق داخلي وما يتم تجاهنا من مؤامرات هو شيء طبيعي ولو كنا في موقف قوة لفعلنا مثله وربما أكثر منه ، فبدل أن نتجه إلى التفكير فيما يحاك ضدنا علينا أن نتجه إلى سؤال أنفسنا لماذا يحاك ضدنا كل هذا ؟ والجواب قطعاً سيكون لأننا النقطة الأضعف ، ،،،
أنت حينما تريد أن تفتح ثقباً في جدار لا تأتي إلى عمود الإسمنت فتحفر فيه ، تأتي إلى نقطة هشة فتحفر فيها ، علينا أن نعود إلى قول الله جل وعلا : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
لنعد إلى ذلك فهماً وتحليلا وعملا وسنجد خيرا كثيرا ،،،
الأمر السابع من المنغصات للسعادة وللحياة الطيبة :
الفراغ والبطالة ، وهما من مصادر النكد ومن مفسدات الحياة الطيبة ،،
إن الله جل وعلا خلق لكل واحدٍ منا يدين لكي تعملا وتنتجا ، فإذا توقفتا عن العمل بصورة غير معتادة ولا طبيعية ، شعرنا بأن شيئاً ما ينقصنا ، وشعرنا باضطراب داخلي عنيف ، حين يكون الإنسان باطلا عن العمل لفترة طويلة فإن أحواله المادية تصبح قلقة وربما وقع في حرج شديد من العيش ، وتصبح الحياة بالنسبة إليه عبارة عن وحدات زمانية يجب التخلص منها بأقل قدر من المعاناة ، وفي تصوري أن أكثر من خمسين في المئة من المسلمين يعيشون في وضعية دفع الأيام إلى الأمام كما يدفع المرء شيئاً يريد أن يتخلص منه ، وهذا وحده كافٍ لنزع الكثير من أردية السعادة والسرور عن أية حياة وأي عيش ، ليست مشكلة البطالة محصورة في فقد المرء لمصدر قوته وقوت عياله وإنما يتولد عنها آثار نفسية واجتماعية وسلوكية خطيرة فحين يجلس المرء مدة طويلة من غير عمل فإن ارتكاسات كريهة تصيب شخصيته بوصفه إنساناً وبوصفه كائناً يمكن أن يكون فاعلاً ومؤثراً ومنتجاً وعاملا ، وفي هذه الحالة يمكن أن يفسد احترامه لنفسه وثقته بذاته هذا إذا لم تؤدي البطالة إلى انهيار حياته الأسرية وتسمم الجو الذي يعيش فيه صغاره وأولاده ، وهذا كله في كفة وإمكان انغماسه في اللهو مع قرناء السوء وإمكان إدمانه للمخدرات والمكيفات في كفة أخرى ، وحين يحدث ذلك فإن العاطل عن العمل يكون أقرب إلى المعوق والمشوه ، وقد صدق من قال : إن البطالة أم المعائق ،،،
الفراغ يجعل المرء في مواجهة نفسه وهذا أمر صعب وسيء حيث يبدأ آن ذا لا يرى فيها إلا النقائص والسلبيات ونقاط الضعف وأرجوا أن نفكر ملياً في هذا الكلام ، ،،،
لماذا حين يكون الإنسان باطلا عن العمل ويواجه نفسه لا يرى إلا النقائص والسلبيات ولا يرى إلا الرذائل التي يمكن أن تكون لديه ، في تصوري هذا يعود إلى أن فضائل الإنسان لا تتجلى إلا في أوقات العمل وفي أوقات الكد والتعب والعطاء والإنتاج والفاعلية حينئذٍ تتجلى فضائلنا ونرضى عن وضعيتنا وتأتينا حينئذٍ الأفكار الإيجابية عن ذواتنا و كل فكرة إيجابية تطرد فكرةً سلبية ،،،
البطالة في الحقيقة هي عطالة كاملة حيث يخرج الباطل عن العمل من دورة الحياة التي تشكل مصدر إمتاع كبير للإنسان ، في دورة الحياة تكون حياتنا موزعة على حلقات متناوبة من العمل والفراغ والتعب والراحة وال×ذ والعطاء والتأثير والتأثر ، أما في حالة البطالة فإن المرء يعيش في فراغ يحده الفراغ من جهاته الست ، كبار السن الذين يحالون إلى التقاعد أو المعاش كما يقال في بعض الدول ، يعيش كثير منهم في معاناة صامتة لا يمكن أن يعرف حجمها المنهمكون في أعمالهم ومهماتهم ومسؤلياتهم ، إنهم يشعرون بالخسارة وتصبح حساسيتهم نحو الضغوط مفرطة كما يشعرون بزيادة اعتمادهم على غيرهم وحاجتهم للمساعدة من سواهم ، وللأسف لم يأخذ كبار السن حقهم منا من الدراسة والمساعدة والمعاونة مع أنهم كانوا يتألقون في المجتمع في فترة عملهم وفي فترة إنتاجهم وبعد إحالتهم للتقاعد ، كثير منهم صار في أوضاع سيئة وعلى المجتمع أن يساعدهم كما ساعدوه في يوم من الأيام ،،،
أيها الإخوان ، العمل بالنسبة للإنسان العاقل الراشد يشكل وسيلة وهدفاً في آن واحد ، والبطالة تقضي على الوسيلة والهدف بضربة واحدة ، ومن هنا فإن على كل واحد منا وفي أي سنّ كان أن يفكر بما يمكن أن يسميه الاحتياط المهني ، كما نفكر كيف نحتاط للأمور المالية وعلاقاتنا الاجتماعية ، ،،،
الاحتياط المهني معناه : تعدد اهتمامات المرء وتعدد المهن أو الأشياء التي يمكن أن يعمل فيها إذا حال تقدم العمر أو حالت ظروف معينة دون العمل في بعض منها ، ،،
أعرف شخصاً مهندساً ودارساً لبعض العلوم الإنسانية ، اقتضت ظروف عمل زوجته أن يسكن في قرية يصعب عليه فيها أن يجد عملا ذا أجرٍ مجزٍ ومكافئ للجهد الذي سيبذله ، وبعد شهرين أو ثلاثة أشهر من القعود في البيت شعر أن الحياة ما عادت تطاق فذهب إلى إحدى المؤسسات التي تعمل في مجال تمديد الكهرباء للمنازل ، وقال لصاحب المؤسسة : أريد أن أعمل عندك مجانا ، فاستغرب صاحب المؤسسة و سرته المفاجأة لأنه سيحصل على إنجاز وعلى عمل وعون مجاناً ، وفعلاً بدأ الرجل بالعمل الجاد والمثمر مسلحاً بالخبرة الطويلة التي يمتلكها في هذا المجال ، وبعد شهر واحد قال صاحب المؤسسة : ليس من الإنصاف أن تنفعني كل هذا النفع ولا تأخذ على ذلك أجرا ، هنا وجد ذلك المهندس نفسه في موقف قوة موقف كما يقال يتيح له التفاوض من موقع قوة ، وكان ذلك ، قد تعلق به صاحب المؤسسة وصار اعتماده عليه كبيرا ، ودفع له بالتالي مرتباً مجزياً ،،،
لو تأملنا أيها الإخوة والأخوات في أحوال العاطلين عن العمل مع تقديري البالغ لصعوبة كثير من الظروف في كثير من البلاد ، لو تأملنا في أحوالهم لوجدنا أن لديهم خلطةً سيئة من الكسل والفوضى وضعف الاهتمام واليأس والارتباك وضعف الكفاءة وضعف الـتأهيل الذاتي والمهني ، إنني أعتقد أن هناك دائماً فرصاً لكن الذين يستفيدون منها هم الأشخاص الأفضل والأكفأ والأنشط ، إن أي عمل شريف وبأي أجرٍ كان يمكن أن يؤمن للواحد منا درجة من السعادة أفضل بكثير من الوضعية النفسية التي نكون فيها في حالة البطالة وفي حالة الفراغ ،،،،
وسوف أتحدث عن دور العمل في توطيد أركان الحياة الطيبة عند الكلام عن أسباب ومقومات السعادة بحول الله وطوله .......
ثامناً من منغصات السعادة ...
الفجوة بين الطموح والإنجاز ،
كثيراً ما تشكل مصدر إزعاج مستمر لكثير من الناس ، وإن علينا أن نقول في البداية إن من المهم أن يكون للمرء آمالاً يطمح إلى تحقيقها ، وأن يكون هناك أهداف يسعى إلى الوصول إليها ، فالحياة من غير شيء يكون أمامنا تعني الجمود وتعني التكلس ،،،
التقدم الحضاري بطبيعته يجعل طموحات الناس تتسع ، فالذي يغري بالسعي إلى المزيد من الرفاهية وإلى المزيد من اقتناء الأشياء والمزيد من استهلاكها هو الرفاهية نفسها ، لكن الإمكانيات التي تساعد على تحقيق ما نتشوف إليه لا تنموا ولا تتطور بقدر تضخم تطلعاتنا ، فيكون لدينا من ثم شعور مستمر بأن ما نجده أقل بكثير مما نطلبه ، في عالم المسلمين فقر وعوز واسع النطاق في الحقيقة ، لكن طموحات كثير من الناس ليست مستمدة من واقع المسلمين وإنما من واقع العالم الصناعي للثراء العريض ، وهكذا فالحسرة تكاد تجتاح كثيرا من النفوس من خلال ما يشاهدون من مظاهر البذخ والرفاهية في الفضائيات وفي الإنترنت وفي وسائل الإعلام المختلفة ، ،،،
هناك لون آخر من ألوان التعاسة يحل بنا نتيجة خطأ في فهم الأشياء وفي تصورها ، إذ إننا كثيراً ما نتخذ قراراتنا بناء على أفضل التصورات وأفضل التوقعات وأحسن الاحتمالات ثم نصدم بعد ذلك ونقع في الإحباط نتيجة تخلف النتائج المرجوة ،،،
التجارة في أذهاننا للربح ، والدراسة للنجاح ، والسفر للمتعة والترويح ، ولا يحسب حساب أي شيء آخر ربما يقع ، ولذا فإن التفاؤل الذي يزيد عن حده ينقلب في يوم واحد إلى تشاؤم وإحباط ، ،،
أن يكون هناك مسافة بين ما نريد وبين ما هو موجود هذا شيء جيد ، لكن لنضغط على أنفسنا كي تبقى تلك المسافة في حدود الممكن وفي حدود المقدور عليه فتقدم بطيء مستمر خير من قفزة في الهواء لا نعلم ما الذي تسببه لنا ، ،،
الأمر التاسع من منغصات الحياة الطيبة
الإرهاق والقلق والخوف والتوتر العصبي ،،،
هذه في الحقيقة أمور باتت شائعة في زماننا هذا إلى حد أنها صارت تهدد الحياة الآمنة الطيبة ، وباتت فعلا أبرز مظاهر العصر الحديث ،،،
الزمان الذي نعيش فيه بمتطلباته الكثيرة و شروطه القاسية ومستوياته العالية وتعقيداته الكبيرة هذا الزمان صار يتطلب من الواحد منا المزيد من التفكير ، المزيد من الحذر والاهتمام ، وزاد الطين بلة ، ضعف الاهتمام بالجوانب الإيمانية والروحية لدينا ،،،
إننا نشعر في بعض الأحيان أننا في حاجة إلى قدر كبير من التوازن حتى لا نحيد عن الطريق الصحيح وصار مثلنا مثل الذي يسير على حبل مشدود فهو مطالب أولا بأن يسير ومطالب ثانيا بأن يبذل قصار جهده في حفظ توازنه حتى لا يسقط ، ولهذا فإنه ليس هناك أي سبيل لتفادي القلق والتوتر العصبي بصورة كلية ،،،
التعب الجسماني المحض بدون أن يكون مفرطا يظل أقرب إلى أن يكون سبباً من أسباب السعادة وهو يفضي إلى النوم الهادئ ويجعل قابلية المرء لتناول الطعام جيدة ، كما أنه يضفي نكهة ممتعة على المسرات المتاحة في الأجازات والرحلات وأوقات الفراغ ، وحين يكون التعب الجسماني مفرطاً وقاسياً فإنه يغدوا أحد الأعداء المهمين للسعادة والانشراح ، ولذا فينبغي العمل على تفاديه والتقليل منه إلى أقل حد ممكن ،،،
بعض الناس يصاب بالإرهاق الشديد والتوتر العصبي بسبب اعتقاده أن العمل الذي يؤديه عمل مهم وخطير ويجب إنجازه خلال فترة محددة و إلا حدثت كارثة ويعتقد أن أخذ استراحة ليوم أو يومين يعد أمراً غير معقول ولا مقبول ، ومع أن مثل هذا الاعتقاد قد يكون صحيحاً في أوقات طارئة ونادرة إلا أن من الصحيح أيضا أن معظم من يعتقد أن عمله مهم جدا يكون مبالغاً في ذلك ومنطلقاً من تصورات خاطئة ، ولو أن طبيباً حاذقاً نظر في أمر هؤلاء لأمر بأخذ إجازة إجبارية لكل من يعتقد أن عمله مهم وخطير ،،،
القلق في الحقيقة هو نوع من الخوف ، وجميع أشكال الخوف ينتج عنها التعب أو الإرهاق العصبي ، والحقيقة أنه لا يكاد إنسان يخلوا من شيء من خوف ، فهذا خائف من زوال منصب يحتله ، وذاك خائف من خسارة مالية كبرى تلحق به ، وثالث خائف من إطلاع الناس على بعض أخطائه وعيوبه ، ورابع خائف من حسد الناس وتواطئهم عليه ، وهكذا ...
الإرهاق العصبي لا يسبب الإزعاج لنا ويكدر صفو حياتنا فحسب بل إلى جانب ذلك يجعل اهتمامتنا بما يجري حولنا محدودة ، وقد يكون ما يدور حولنا خطير جدا ، ويحتاج منا إلى ما يشبه الاستنفار لكن الإعياء الذي نحن فيه يجعل تفكيرنا بذلك تفكيرا هامشيا ، ويجعل انطباعاتنا عنه بالتالي مبهمة ومشوشة ،،،
نحن في الحقيقة في حاجة إلى أن ندرب أنفسنا على مواجهة القلق والإرهاق والخوف حتى نتخلص من الأوهام التي تقتل طاقاتنا الحيوية وتبدد صفاءنا وهدوءنا وراحتنا ،
ولعل مما يفيد في هذا الشأن الأمور التالية :ــ
أولاً :
علينا أن نؤمن أن القلق لا يجرد الغد من مآسيه لكنه يجرد اليوم من أفراحه ، وإذا كان هذا هو الشيء ، فشيء من الثقة بمعونة الله تعالى وشيء من التوكل عليه وشيء من الإيمان بالقضاء والقدر والاستسلام لأمر الله تعالى أقول إن شيئاً من هذه المعاني يخفف عن المسلم الكثير من مخاوفه وأحزانه ويمده بعزم جديد وكلما زادت ثقتنا بالله تعالى وزاد توكلنا عليه انخفضت درجة الخوف ودرجة القلق من المستقبل لدينا ،،،
ثانياً :
إن المتاعب التي نواجهها يجب أن تحملنا على التفكير العميق وليس على القلق ، وأنا أعتقد أن عدم مواجهتنا الجادة والصريحة والمكشوفة للأمور التي تخيفنا وتزعجنا هو السبب في سيطرة تلك الأمور علينا ولو تأملت في أوضاع الشخصيات القلقة لوجدت أن هناك رفضاً تاماً لمناقشة أي شيء ، حيث أن لديهم استسلام تام للأوهام والهواجس المزعجة ، ويعتقدون أن ما يخشون فقده سيفقد وما يخشون وقوعه سيقع ولا فائدة ترتجى من التفكير فيه ، وهذا خطأ فادح ،،،،
ثالثاً :
حين تكون قلوبنا مثقلة بالأسى ونحن نتألم من فرط الحزن أو خيبة الأمل فلنحاول التخلص من ذلك وإن شئت أن تقول لنحاول مقاومة ذلك عن طريق الإيمان بأننا ما زلنا رغم كل ما جرى نملك شيئين :
دعاء الله تعالى والتضرع إليه بأن يكشف البلوى ويزيل الغمة
والأمر الثاني هو العمل على التخفيف من الآثار السيئة التي تترتب على وقوع ما يقلقنا وقوعة ،،
رابعاً :
يمكن تحجيم القلق بتفعيل رؤيتنا للحياة الدنيا ، فكل ما يجري في هذه الدنيا من مآسي ومصائب وكوارث يأخذ طابع العابر والمؤقت ، وإن أعظم العواصف التي تثور في حياتنا لا تعدو إذا حققنا النظر وتأملنا جيدا أن تكون في نهاية الأمر أكثر من زوبعةٍ في فنجان كما يقولون ، إن الواحد منا ليس سوى جزءٍ صغيرٍ جداً من العالم ويجب أن يعرف قدر نفسه ولا يبالغ كثيراً في تضخيم أهميته ، نحن في حاجة إلى نوع من الترويض العقلي ونوع من السيطرة على أفكارنا ، والحقيقة أن معظم الناس لديهم مشكلة ضعف توجيه أفكارهم و السيطرة عليها ومناقشتها وتقييمها ، والقيام بذلك في تصوري ليس بالأمر الصعب كما قد نتوهم في كثير من الأحيان ،،
خامساً :
لا تفكر في مشكلاتك و وفي الأمور التي تزعجك إلا إذا علمت أن هناك جدوى للتفكير ولا فائدة من التفكير إذا لم يكن لدى المرء بعض المعلومات حول الأمور التي تزعجه و إلا لم يستفد من التفكير شيئا ، أما في الليل فلا تفكر أبدا سواء أكانت هناك جدوى من التفكير أو لم تكن وذلك حتى لا يحرم الإنسان نفسه من النوم والراحة التي يحتاجها للعمل و الآداء الجيد في يومٍ جديد ،،،،
سادساً :
منحنا الأهمية الزائدة لأي موضوع يسبب لنا الإزعاج ويسبب لنا الغم والخوف ،
يقول أحد الفلاسفة المعاصرين : قدمتُ في شبابي عدداً لا يستهان به من المحاضرات العامة وفي بداية الأمر كان كل جمهور من السامعين يفزعني ، فكان توتر أعصابي يجعلني أتكلم برداءة و تأتي خطبتي مشوهة جداً وكنت أخشى من هذا المأزق كثيراً حتى إنني كنت أتمنى في بعض الأحيان لو كسرت رجلي قبل الصعود إلى المنصة و تقديم المحاضرة ، وحال انتهاءها أكون مرهقاً من عنف التوتر العصبي ، وتدريجياً عودتُ نفسي على الشعور بأنه لا فرق إذا تكلمتُ بطريقة جيدة أو تكلمت بطريقتي الرديئة فسوف يظل الكون على ما هو عليه ولن تخرب الدنيا في كلا الحالتين ، ووجدت أنه كلما قلّ اهتمامي إذا تكلمت جيداً أو رديئاً قلّ الكلام الرديء الذي أتكلمه ، وهكذا أخذ التوتر العصبي يقل تدريجياً حتى وصل تقريباً إلى نقطة التلاشي ،،،
وأنا مع ذلك الفيلسوف في أن كثيراً من الآلام و المتاعب النفسية يمكن التعامل معه بهذه الطريقة ، فنجاحاتنا وإخفاقاتنا ليست مهمة إلى الدرجة التي نفترضها عادةً ، ولستُ أريد هنا الخروج عن الرؤية الموضوعية للأشياء ولكن أحب أن أقول لنضع الأمور في سياقها العام ، إذا كان ذلك يخفف من أحزاننا التي مهما كانت شديدة ومهما كانت مؤذية فلن تغير من واقع الحال أي شيء ، أنت الآن في الأربعين وقد حصلت على الثانوية منذ اثنين وعشرين عاما ، ما ذا لو كنت حصلت عليها منذ واحدٍ وعشرين عاما أو منذ ثلاثةٍ وعشرين عاما ، ما التأثير العظيم الذي سيتركه دخول الوظيفة أو الجامعة في حياة إنسان بشكل مبكر سنة أو متأخر سنة ، إذا أردت رأيي الشخصي قلت لك : لا شيء هناك أبدا مما أظن ومما تظن ومما يظن الناس ، فتأثير المشكلات مهما عظمت لا يدوم و يتناقص مع كل ساعة تمر فلا داعي لتنغيص الحياة بشيء قضى الله فيه بما أراد وأحب ،،،،،
سابعاً :
من أمراض عصرنا التي تشكل نوعاً من الإفساد المستمر للسعادة ما يمكن أن نسميه " إلحاح الإنجاز " حيث تجد أن كثيراً من الناس ولاسيما رجال الأعمال و كبار الموظفين أصيبوا بهوس إنجاز الكثير من العمل في أقل وقت ممكن ، إلى درجة يصعب معها فهم المنطق الذي يسيرهم والفلسفة التي ينطلقون منها ، هم دائماً في عجلة من أمرهم و دائما لا وقت لديهم ودائما ما هو مطلوب منهم أكبر من طاقتهم هكذا يتوهمون ، هناك أشخاص يحمل الواحد منهم ثلاثة جوالات ، هل تصدقون هذا ؟ ولا يسكت واحد منها حتى يبدأ جرس الآخر بالرنين ، إنهم أشبه بمن يقذف في الهواء خمس أو ست كرات بصورة مستمرة وعليه حتى لا يخسر ألا يقع أي منها على الأرض ، إن هذا الأسلوب في العمل ضار جداً بالقلب وضار جداً بالصحة النفسية وضار بالحياة الأسرية ، ما يكون منه طارئاً أو مؤقتاً يحتمل ، لكن من يعرف منا هذا الصنف من الناس يجد أنهم أفضل من ينطبق عليهم المثل الصيني " لا شيء يدوم أكثر من المؤقت " إنه كلما زادت إنجازاتهم زادت مشاغلهم وزادت متاعبهم وشعروا أن الأربع والعشرين ساعة في اليوم لم تعد كافية ، ولا أعرف أنا شخصياً أي طريقة لإقناع هؤلاء بأن كل من يسابق ظله أو يحاول الإمساك به سيخسر السباق في النهاية ،،،،
نحن من كثرة حبنا للإنجاز ما عدنا نلمس إلى المحسوس والسريع و أهملنا ما يمكن أن يقوم به عقلنا الباطن من أعمال ممتازة ، الذين يشتغلون بالقضايا الفكرية والقضايا الثقافية ورجال الأعمال وكبار الموظفين كل هؤلاء يجدون أنفسهم باستمرار أمام أفكار تحتاج إلى بلورة وأمام أساليب تحتاج إلى تطوير وأمام مشكلات تحتاج إلى حلول ، ونحن غالباً نتجه إلى حصر الذهن فيما نواجهه وجعل الوصول إلى شيء فيه هماً وغماً مقيماً ومزعجاً ، مع أن هناك أسلوباً كثيراً ما ينجح في التخفيف من هذا وهو تشغيل العقل الباطن و الإلتفات بوعينا إلى الاهتمام العادي بأمور أخرى ،،،
يحكي بانتراند راسل أشهر الفلاسفة الإنجليز في العصر الحالي عن تجربته الخاصة في هذا الشأن فيقول : وجدت إذا كان علي أن أكتب عن موضوعٍ صعب أن علي أن أفكر فيه جديا وأوجه اهتمامي الكلي إليه لساعات قليلة أو أيام قلائل ، وبعد إنتهائي من التفكير أصدر أوامري إن صح التعبير كي يمضي العمل تحت الأرض في اللاشعور وبعد أشهر أعود إليه بوعيي فأجد أن العمل كله قد أنجز ، وكنت قبل اكتشاف هذه التقنية أقضي تلك الشهور الفاصلة بين التفكير والتنفيذ في قلق الوهم لأني لم أكن أحرز في هذه الفترة الفاصلة أي تقدم ، ،،،،
أيها الإخوان ، أيتها الأخوات ، إن كل عمل مهما كان خيّراً ومهما كان مفيدا قد ينقلب إلى سوء و بلاء وخسائر فادحة إذا جانبه شيئان " الرفق والتوازن "
الرفق والتوازن هما الطابع الجميل والحكيم الذي يتركه الكبار على أعمالهم وعلى إنتاجهم ، ،،
العاشر من منغصات الحياة الطيبة ....
إتجاه المرء إلى اتخاذ الملذات أساساً ورأس مالٍ جوهرياً للحصول على السعادة ،
وكنا قد أشرنا إلى ارتباطٍ وثيق بين اللذة والسعادة لكنهما لا يتطابقان فقد نجد السعادة دون لذة وقد نجد اللذة دون سعادة ، ومما يؤسف له أن أعداداً متزايدة من الناس و لاسيما الشباب والفتيان والفتيات صار لديهم اعتماد أساسي في الحصول على السعادة والأمن والاطمئنان على ما ورد إلينا من العالم الغربي والصناعي عامة من تقنيات ووسائل تقوم أساساً على الرفاهية وعلى السعي إلى الانتصار على الإملاق والعوز والجهد والملل ، بل على الشيخوخة أيضا والقبح ، فقد نشطت في الآونة الأخيرة عمليات التجميل للرجال والنساء وهي أشكال وفنون كثيرة كما كثرت الأدوية المنشطة وتلك المقاومة لتكلس الخلايا أوشيخوخة الخلايا وقد صار مستقراً في أذهان الكثيرين منا أن الإنسان السعيد هو دائماً شاب وأن المرأة السعيدة هي دائماً جميلة ،،
السعادة صارت لدى الكثيرين تكمن في التسلية والمرح والرحلات والخروج إلى المتنزهات بل إن الأمر تجاوز كل هذا إلى وجود مساعٍ مسرفة لإحداث نشوى مصنوعة في الروح عن طريق العقاقير المخدرة ، وهي كثيرة ومتنوعة وعلى من يقع في حبالها أن يزيد من تناولها حتى لا تفقد تأثيره ، وهكذا تصبح الحياة السوية ، الحياة الطبيعية لدى المدمنين حياة لا تطاق ، ويؤدي بهم ذلك في نهاية الأمر إلى تدمير حياتهم الروحية والنفسية والاجتماعية ،،،،،
إن السعادة التي تتطلب النشوة هي سعادة دائماً زائفة ومزورة وإن من المؤسف مرة أخرى أن الأجيال الجديدة باتت تتلقف شروط الحياة السعيدة من التربية المشوهة الموجودة في كثير من البيوت ومن حملات الدعاية والإعلان التي تصور للناس أنهم إذا لم يتحولوا إلى مستهلكين نهمين لكل شيء فإنهم سيكونون متخلفين وبعيدين عن الحضارة و تذوق ملذات المعاصرة والحدث ، ،،،،
وإذا عدنا إلى قرارة أنفسنا وإذا عدنا إلى ما تعلمناه من مبادئ ديننا ومن حكمة الأمم وجدنا أن السعادة الحقيقية تكمن في أمور كثيرة ذات علاقة بالقيم والمبادئ والأفكار والسمو والتضحية والعطاء غير المشروط كما وضحنا وسنوضح في موضع آخر ، ونحن لا نتجاهل قيمة كل ما يتمتع به الناس بطريقة مشروعة لكن الاعتراض على جعل الملذات أساس السعادة مع أنها لا تعدوا أن تكون أشياء تكميلية ، إن الواحد منا يدرك بوضوح الفراغ الروحي الذي يشعر به عقب انقضاء أي ملذة من ملذات الجسد وحين تكون تلك اللذة تمت عن طريق غير مشروع فإن المرء يشعر بعتمة روحية وبوخز الضمير وبشيء من احتقار الذات ،،،
الأمر الحادي عشر من الأمور التي تؤثر على نحو سيء في سعادة المرء ،
الرياء ، والحرص على رضا الناس ونيل ثناءهم ودفع ظنهم ومراعاة أذواقهم وملاحظاتهم على نحو مبالغ فيه ، شيء مطلوب في الأصل ألا نقف مواقف التهم وألا نتصرف تصرفات تجعلنا موضع نقد من الآخرين ، هذا في تصوري مبدأ مسلم به ، لكن المشكلة تكمن في الشطط في الانصياع لرغبات الناس والشطط في حب الاستحواذ على ثناءهم وتقديرهم ،،،
كيف يحس بكرامته واطمئنانه وسروره من يشعر أنه مهزوم أمام الآخرين ، ولذا فإنه يفعل أشياء لا يعتقدها خوفاً منهم ويخفي أشياء من أجلهم يجب في الأصل أن يظهره ، إنه يلبس لكل حالة لبوسها وله أكثر من قناع وقد بذل جهوداً مضنية طول حياته من أجل رسم صورة براقة له في أعين الناس وعليه الآن أن يبذل جهوداً أخرى فيما تبقى من عمره حتى لا تخدش تلك الصورة ، ولا يهم ما إذا كان ذلك يتطلب النفاق والرياء والكذب والمديح وكتمان الحق والسكوت على المنكر ، إن همه باختصار أن يبدو لائقاً اجتماعيا في نظر الناس ولا يأبه كثيراً لنظر الله تبارك وتعالى له ،،،،
صنف من هؤلاء الذين يسيطر عليهم هاجس نظرة الناس إليهم يقومون بأعمال وأنشطة اجتماعية عديدة بغية ظهورهم في شريحة أو طبقة أعلى من طبقتهم الحقيقية ، فهم يقدمون الهدايا القيمة لمن يعتقدون أنهم أرفع درجة منهم كما يقومون بزيارتهم وعرض بعض الخدمات عليهم ، هذا الصنف يشعر بآلام نفسية مبرحة غامضة وخفية ، وتلك الآلام مردها في الحقيقة لفقد الانسجام بين روحه وعقله ونفسه من جهة وبين سلوكاته ومجاملاته الاجتماعية ، كما أنها تعود أيضاً إلى النظرة الدونية التي تتكون لديهم عن أنفسهم حيث يشعرون في أعماقهم أنهم غير صادقين ولا عزيزي النفوس ولا مستقيمين ولا أقوياء بما فيه الكفاية ، إن الذين يكدرون حياتهم من أجل الآخرين أو من أجل نيل شيء لا يستحقونه وليس لهم لا تكون علاقتهم بالله جل وعلا إلا هامشية ولا تكون دعائم الإيمان في أنفسهم إلا مزعزعة ، قد قال الله تعالى في المنافقين : ( يراءون الناس ولا يذكرون الله إلى قليلا ) وهذا الصنف في حاجة ماسة إلى أن يعرف أن ما فقده بمراءاته ومجاملاته هو أكثر بكثير من كل الأشياء التي سيكسبها وبكل المقاييس ، وإن لنا في تكاليف الحياة ومتطلبات القيام بأمر الله تعالى لشغلاً عن كل شغل كما أن فيها من الجزاء ما يفوق بما لا يدع مجالاً للمقارنة ما يمكن أن يربحه من وراء لبس قناع وخلع قناع ، ،،،
أحد الموظفين المرموقين كان يقول لرئيسه في العمل كلما قابله : أحلامك أوامر ، أي إن ما تحلم به و تتخيله و تتمنى الحصول عليه أعده بالنسبة إلي أمراً واجب التنفيذ ، ومن كثرة تكرار ذلك فإن مديره تضايق منه وصار يقول له يا فلان لا تبالغ وما تقوله غير معقول فما يكون من صاحبنا إلا أن يقسم الأيمان أنه لا يبالغ وأنه يعني ما يقول وأنه مستعد لأن يفدي ذلك الرجل ـ أي رئيسه ـ بنفسه إذا لزم الأمر ،،
إننا جميعاً نعرف أشخاصاً كثيرين يكفون عن بعض أعمال الخير ويحرمون أنفسهم من ثوابها خشية أن يتهمهم بعض الناس بالرياء أو يفسروها تفسيراً خاطئا ، وهذا من علامات الحرمان وعلامات الخذلان ، إن الحضارة ولا شك تعني المزيد من الإحساس بالآخرين لكنها تعني أيضاً استقلال الشخصية والحساسية نحو الكرامة الشخصية و تنفيذ القناعات الخاصة ، ومهمتنا دائماً أن نقوم بسلوك المسلك الصحيح نحو كل ذلك ،،،،
الثاني عشر من المنغصات ..
الأنانية .. والتمحور حول الذات وتضخيم الأنا ، هذه أمراض خطيرة من أمراض عصرنا ، وهذا المرض ، وهذه الأمراض تجلب لنا الكثير من المزعجات مع أن الظاهر أن الأناني شخص يخدم ذاته ومصلحته على أفضل وجه ممكن ، لكن الأمور في الحقيقة أعقد من أن تفهم على هذا النحو ، ،،
إن كثيراً من مباهج الروح ومسرات الخاطر يأتي من وراء تفكير الإنسان في مسائل غير شخصية ، أي من وراء تفكيره في مسائل لا يعود عليه منها نفع خاص ومباشر ، وعلى سبيل المثال فإن مورداً من أعظم موارد السعادة يتمثل فيما تجلبه لنا الحياة الاجتماعية من أمنٍ وسرور ولا تستقيم هذه الحياة إلا بالبذل والعطاء المجاني ، سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى الجوار أو على مستوى الأصدقاء والزملاء أو على مستوى العام ، فقد مضت سنة الله تعالى في اجتماع الناس أن يكون ما يعود على حياتهم المعنوية من تدعيم وتقوية مكافئاً لما يبذلونه من مال ومن وقت وجهد وعطاء غير مشروط على الصعيد المادي ،،
ولك أن تتصور معي صداقة من غير تبادل لأي شيء مادي أو منزلاً يتقاضا فيه الزوج من زوجته أجرته أو ثمن الطعام الذي تأكله وتتقاضا المرأة من زوجها ثمن خدمة أولاده وت ربيتهم وتنظيف البيت وطهي الطعام ، ولك أن تتصور حينئذٍ النزاع اليومي والحساب المصلحي و الأناني الذي يتم في كل الأوقات ، لاشك أن الحياة آنذاك ستكون مرهقة غاية الإرهاق ،،،
شعار الأنانيين " أنا ومن بعدي الطوفان " وتحقيق هذا الشعار على الوجه الأكمل يقتضي رذيلتين " الشح " بكل ما يحمله من معاني الأثرة والإمساك و " الجشع " بكل ما يحمله من معاني الشعور بالحاجة والرغبة في الاستحواذ على ما في أيدي الآخرين ،،،
البخل حين يحل في نفس إنسان يجعل تلك النفس أم تعاسته ومصدر شقاءه ، فالبخيل المقتر مهما ملك يكون في حالة أشد من حالة الفقير ، إن الفقير يفتقد بعضاً أو كثيراً من الأشياء لكن الشحيح الأناني يفقد كل شيء وتملأ قلبه الحسرات بسبب عدم امتلاكه الإرادة التي يحتاجها للإنفاق على ما يشتهيه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم )
أما الجشع وحب الاستئثار الذي يصاب به الشخص الأناني فإنه يشكل جذراً مفزعاً من جذور الرذيلة ، والإنسان الجشع يسلك مسالك يتنزه عنها الحيوان بالغريزة التي وضعها الله تعالى فيه ، قد صور ذلك أحد الشعراء حين قال :
الذئب يترك شيئاً من فريسته ** للجائعين من الذئبان إن شبع
والمرء وهو يداوي البطن من بشمه ** يسعى ليسلب طاوي البطن ما جمع
الذئب حين يشبع لا يدخر وإنما يترك باقي ما افترسه يترك باقي الفريسة للذئاب الجائعة حتى تأكل منها ، أما الإنسان الجشع فإنه وهو يداوي بطنه من التخمة وإنه وهو حائر في التصرف في الأشياء الهائلة التي يملكها إنه في هذه الحالة يسعى ليسلب طاوي البطن ما جمع يسعى للانقضاض على الأشياء القليلة جداً التي يملكها الفقراء المعدمون ،،
الطمع حين يتحكم بإنسان يحول نبله ومروءته وذكائه إلى شيء يشبه البلاهة فالإنسان الطماع الجشع يتصرف تصرفات لا يتصرفها من رزق أي قدر من العقل والحكمة والكياسة ،،
يقول أحد الكرماء : وهبني أحدهم نعجة فأهديت إليه ناقة ثم أهداني نعجتين فبعث إليه بناقتين وبعد ذلك جاء إلى حظيرتي ـ إلى الزريبة أو الإسطبل الذي فيه نياق هذا الرجل الكريم ـ جاء وأخذ يعد النوق التي فيها طبعاً ليهدي له بعددها غنماً ويسوقها ، وصدها صاحبنا صفقات رابحة ، قطعاً إن ذلك الكريم وجد أنه إذا لم يكن للجشع أي حدود فلابد من أن يضع لكرمه بعض الحدود ، ،،
يحب الناس الشهيد لأنه يشكل في نظرهم النموذج الأرقى والأعظم للعطاء والبذل كما قال : والجود بالنفس أقصى غاية الجود ،،،
ويكره الناس الشحيح والأناني و يستخفون به وينبذونه لأنه في نظرهم في درجة أقل من درجة إنسان ، وهكذا فالمرء الذي يتمحور حول ذاته يواجه صراعاً مراً في الداخل على الصعيد النفسي والروحي ويواجه صراعاً في الخارج على الصعيد الاجتماعي ، وهو الخاسر المهزوم في كلا الصراعين ،،،،
الثالث عشر :من المنغصات
اليأس والتشاؤم ، ورؤية الجانب السلبي من الأشياء و والشعور بانسداد الآفاق وانقطاع الحيلة ، هذه الأشياء مصادر في تصوري لإفساد الحياة الطيبة ،مصادر لانحطاط الشخصية وفقدان إمكانية التطلع إلى ما هو أحسن و أقوى ، لقد كان عليه الصلاة والسلام ( يعجبه الفأل ويكره التشاؤم ) ،،
حين يسافر الإنسان في طلب علم أوفي تجارة أو قضاء مصلحة فإن هناك احتمالاً لأن يتعرض لحادث وأن يسطوا عليه اللصوص أو يتعرض لخديعة أو ضياع ، وهناك احتمال أن يمرض ولا يجد من يمرضه ويساعده وهناك وهناك .. ، لكن إلى جانب هذه الاحتمالات السيئة هناك احتمال أكبر لتحقيق الهدف من السفر والفوز به وهناك احتمال أن يتحقق أكثر مما كان مرجواً ومتوقعا ، المتشائم يرى الاحتمالات السيئة فقط والمتفائل يرى الاحتمالات المشرقة كل منهما يرى نصف ما يمكن أن يقع ، ولهذا فإننا مع التفاؤل ينبغي ألا ننسى احتمال وقوع غير المرغوب فيه ،،
المتشائم يحمل نفسه بفعل اتجاهه السوداوي متاعب جمة هي أشد وقعاً على أعصابه من المصائب و الملمات التي يمكن أن تقع وحين يقوم المتشائم بالعمل فإنه يبذل اقل الجهد لأنه يفتقد الحماسة للجد والنشاط ،،
والخلاصة أن المتشائم يعيش في نكدٍ دائم لأنه بين أمرين سيئين مكروه يصيبه ومكروه يتوقعه حتى في الوقت الذي ينال فيه الخير والفلاح يتذكر ما يمكن أن يأتي بعد هذا الخير من سوء ومن شر ونكبات ، ،،،
إن من أشد ما يعانيه الإنسان و يكابده هو أن يموت بداخله شيء وهو ما زال حيا وذلك الشيء هو الأمل والرجاء بتحسن الأحوال ، ولذا قالوا: إن أفقر الناس من ليس له أمل يحفزه على العمل ، ،،،
تبدوا الحياة في نظر المتشائم أضيق من عين الإبرة أو سم الخياط بالتعبير القرآني ، ولذا فإنه يشعر إذا أصابته أزمة أو شدة أنها ستقضي عليه حيث لا فرار ولا خيار ولا تراجع أمامه ، وهذا كما يعلمنا القرآن وكما تعلمنا الخبرة والتجربة ليس بصحيح إطلاقاً إذ ما من بلاء إلا يمكن التخفيف منه وما من أزمة إلا يمكن كسر شيء من حدتها وما من داء إلا له شكل من الدواء قد لا يقضي عليه لكن قد يجعل التعايش معه ممكنا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله ) ويبشرنا الله جل وعلا ببشارة عظيمة تنطوي على لفتة عجيبة في سخاءها وفي عطائها وقدرتها على تفريج الكروب يقول سبحانه : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) اليسر موجود في نفس اللحظة التي نرى فيها العسر لكننا بحكم تربيتنا وبحكم قصورنا الثقافي نرى العسر وحده دون اليسر ونرى الأبواب المغلقة دون الأبواب المفتوحة ،،،
فيا أيها المتشائمون تجاوبوا مع هدي القرآن وبشائره الكثيرة لأنبيائه وأوليائه وعباده الصالحين بالنصر والتمكين والعزة في الدنيا والآخرة وبالسعادة الأبدية في الآخرة ،،
إذا أردنا أن نبحث عن مصادر للسعادة والطمأنينة فإننا سنجد الكثير الكثير هذا عمر رضي الله تعالى عنه يعلمنا كيف نستنبط دواعي الحمد والشكر والاغتباط من قلب المصيبة .............
انتهى الشريط الثالث
عسى ان تكون فيه الفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط الثالث ....
إن الحياة لقصيرة مهما طالت ، ولحظات الغرور ليست سوى قطرات الماء لا معنى لها في محيط الزمان الكبير ، أيها المغرور إنك تؤذي نفسك بموقف ذهني خاطئ ، والكون يستمر في حركته وفي اتجاهه على ما هو عليه دون أن يتأثر بشيء ، رأيت في الحياة أشخاصاً أعمى الغرور بصائرهم فأخرجهم من كل دوائر المنطق والمعقولية ، وصار الواحد منهم أشبه بالديك الذي يعتقد أن الشمس لا تشرق إلا كي تستمتع بصياحه ، ،،،،
أما الكبر فإنه أعظم شراً من العجب ، وأعظم شراً من الغرور ، لأنه يشتمل عليهما ويزيد بخصلتين قبيحتين ، هما ازدراء الناس ورد الحق ، أنفةً من اتباعه والاستسلام له ، قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) قال رجل : يا رسول الله ــ التبس الأمر على الناس ـ قال يا رسول الله : إن الرجل يحب أن يكونه ثوبه حسناً ونعله حسنا ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس ) أي : رد الحق وازدراء الناس والاستخفاف بهم ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( أل النار كل عتلٍ جواظ مستكبر وأهل الجنة كل ضعيف مستضعف ) وقال سبحانه وتعالى : ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) ،،،
المتكبر ينشر في المجتمع معادلة الازدراء المتبادل ، يزدري الناس لأنه يراهم أقل منه ، والناس يزدرونه لكبره وسوء خلقه ، قال أحدهم واصفاً هذه الحالة :
مثل الجاهل في إعجابه ** مثل الناظر من أعلى الجبل
يحسب الناس صغارا وهو في ** أعين الناس صغيراً لم يزل
ويبدوا أن المتكبر يدخل نفسه في دورة من العلاقات المريضة ، فهو يتكبر على من دونه بمقدار إذلاله لنفسه أمام من يرى أنهم فوقه ، وكثيراً ما يكون الكبر ستراً لنقص جوهري في الذات وتغطية على عيب أساسي في الشخصية ، كما قال أحدهم :
لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال استعانوا بالكبر ليعظم صغيراً ويرفع حقيرا وليس بفاعل ، لا يستطيع الكبر أن يقوم بهذه المهمة ، ويصل الكبر في بعض الأحيان إلى درجه يحتاج معها صاحبه إلى علاج ، كما هو الشأن في المصابين بجنون العظمة ، وهؤلاء في عصر الثروة ، عصر القوة و التقنية المتقدمة ، باتوا كثيرين ، قد كانت العرب قديما تضع حذيفة الأطرش في مقدمة المتكبرين حيث أنه كان لا ينادم أحداً لتكبره ، يسامر أحداً لتكبر، لا يتباسط إلى أحد ، ويقول إنما ينادمني الفرقدان ، ما شاء الله هذا الرجل لا يدري أنه لا يستطيع عزل مجتمع بأكمله لكنه يعزل نفسه ويورثها آلام الوحشة والغربة وهو بين أهله وفي دياره ، وهذا لا شك وأمثاله يحتاجون إلى علاج مضاعف ، ويذكرون أن ابن عوانه كان من أقبح الناس كبراً حيث روي أن قال لغلام له ـ خادم ـ: اسقني ماء ، قال الغلام نعم ـ أجابه ـ فقال ابن عوانه : إنما يقول نعم من يقدر أن يقول لا ، اصفعوه ـ أي اضربوه ـ فصفع الغلام ،،،
لا يستطيع المرء أبداً أن ينعم بالسعادة والطمأنينة وهو ينشر بين الناس الحقد والكراهية ، ولا يستطيع أحد أن يؤذي الآخرين باحتقارهم دون أن يناله حظ من أذاهم ،،،
المغرور والمعجب بنفسه والمتكبر يضعون مادة عازلة بينهم وبين المسرات التي ينالها المحسنون والأخلاقيون والطيببون من جراء حبهم للناس وحب الناس لهم " وعلى نفسها جنت براقش "
المنغص السادس :
الشعور بالاضطهاد بالتآمر وقهر الآخرين ، وهذا الشعور مستشرٍ بين الناس وهو واحد من الأمور المهمة في إفساد متعة الحياة وتكدير الخاطر ، في أمة الإسلام كثيرون جداً يعتقدون أن السبب الجوهري لتخلف الأمة لا يعود إلى قصورها الذاتي ولا إلى الأخطاء والخطايا التاريخية المعاصرة والحاضرة ، وإنما يعود إلى المآمرات التي تحاك من الأعداء خارج حدود العالم الإسلامي ولاسيما الدول الغربية ، ولهذا فإنهم كثيراً ما يعتقدون أن انحطاط تلك الدول أو دمارها هو الذي سيخلص العالم الإسلامي من أوضاعها الراهنة ، والذين يعيشون في الغرب من هؤلاء المسلمين يعدون من البراعة الشخصية الخروج على القوانين المرعية هناك في سبيل الحصول على بعض المكاسب أو إلحاق الضرر باقتصاد تلك البلاد أو ببعض الأشخاص هناك ،،،
وحين تجالس هؤلاء تجد أنهم يشعرون بدرجة عالية من المرارة واليأس ولما لا يكون الشأن كذلك وهم يعتقدون أن مفتاح كل تقدم يمكن أن ننجزه ليس بأيدينا وإنما بأيدي خصومنا التاريخيين والمنافسين لنا في عالم اليوم ن ، هؤلاء الناس نفضوا أيدهم من أي عمل إيجابي بنائي لأنه في نظرههم ليس مجديا ،، مع أن القرآن الكريم يعلمنا أن المشكلة الجوهرية ليست في تسلط الأعداء ولكن في ضعف دفاعاتنا و ضعف التزامنا وقيامنا بأمر الله تعالى ، المشكلة في ضعف همتنا ، في انخفاض إنتاجيتنا وسيطرة الكثير من الأدواء والعاهات الخلقية علينا على نحو ما نلمسه في قول سبحانه : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير ) حين هزم المسلمون في أحد ، قال بعضهم : كيف نهزم ونحن جند الله فنزلت الآية ، ،،
ويقول سبحانه : ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ) هؤلاء الذين يشعرون بقهر الأمم لأمة الإسلام يظلون غير قادرين على تقييم أحوالهم ونقدها وإصلاحها وتجد الواحد منهم يسلك في الاستسلام للأوضاع السيئة مسلك الجبريين الذين يعتقدون أن الإنسان لا يعدوا أن يكون كالريشة المعلقة في الهواء تميلها الرياح يمنة ويسرة ، مع أن هؤلاء ليسوا جبريين في معتقدهم ولكن اعتقادهم بهذا السيطرة الرهيبة علينا جعلهم مشلولي الحركة كما هو شأن من يعتقد الجبر ،،،
على الصعيد الفرد الداخلي تلقى كثيرين من الناس يعتقدون أن عدم استقرارهم في مؤسسة أو في شركة أو مهنة يعود أساساً إلى الظلم الذي وقع عليهم أو إلى عدم تحملهم لمشاهد التسيب والفساد الذي وجدوه في المؤسسات التي عملوا فيها ، ومع أن وجود ما يتحدثون عنه قد يكون صحيحا إلا أنك تجد عند البحث والتدقيق أنهم لم يستطيعوا القيام بواجباتهم المهنية والوظفية على الوجه المطلوب فتم الاستغناء عنهم ، وهناك أشخاص يشعرون أن حياتهم معرضة للخطر بسبب الحقد والحسد الذي يكن بعض الناس لهم ولذا فهم في توجس دائم ، وهؤلاء في الحقيقة يحتاجون إلى علاج نفسي ،،،
وهناك فريق ثالث من الناس منزعجون دائما لأن من يقيمون علاقات معهم لا يعاملونهم بالكياسة والرقة واللطف والعطف الذي يستحقونه ،،
وأخيرا نموذج المحسن ، الذي يعمل دائماً الخير للناس ويمد لهم يد العون والمساعدة على الرغم من عدم طلبهم لذلك لكنه مندهش وفزع أن أولئك الذين تلقوا مساعدته لا يظهرون له أي اعتراف بالجميل ، ،،
يشترك كل المضطهدين في أنم يسيئون فهم الحياة ، وفهم العلاقات بالآخرين ، بل يسيئون فهم أنفسهم أيضا ، ومع أنك قد لا تعثر على أي علاج ناجح لبعض حالات هوس الاضطهاد إلا أن الحالات الخفيفة التي يشعر بها من ليس مصاباً بالتصلب الذهني قد يكون لها بعض العلاج ، ،،،
وأعتقد أن ما سأقوله الآن قد يكون نافعاً في الحالات المشار إليها :ـ
أولا ..
على المرء فيما يواجهه من نقود وحملات تبدوا عدائية ، أن يتهم نفسه ويراجع مواقفه وعلى سبيل المثال : فإن هناك من يكره الغيبة ويمسك لسان عن الحديث عن أي أحدٍ بسوء ، والذي كثيراً ما يحدث أن يقاوم هذا الشخص أو هذا المرء الكلام في غيبة فلان من الناس عشرين مرة وفي عشرين موقف ، لكن في موقف من المواقف غلبته نفسه فتكلم عليه بكلام لا يرضاه وحدث أن قام من بلغه بذلك الكلام فشن حملة ضده هذا الرجل الذي يقاوم الغيبة نسي الموقف الذي اغتاب فيه فظن أنه يتعرض لهجوم ظالم والأمر ليس كذلك ، وهذا الأمر في خبرتي ومعرفتي يتكرر يومياً في المدينة الواحدة مرات عديدة إن لم نقل عشرات المرات ،،،
ثانياً :
على المرء ألا يبالغ في تقدير صفاته الخاصة لا من حيث عظمة الفضيلة في ولا من حيث قلة الشر لديه ، فإذا فعل ذلك يكون قد ترك في حياته في علاقاته هامشاً للخطأ وهامشاً لإمكانية المؤاخذة من قبل الآخرين ،،
ثالثاً :
علينا ألا نتوقع أن يهتم بنا الناس كما نهتم بأنفسنا ، فالناس ينظرون إلى أمور الحياة من زاويتهم الخاصة وليس من زاويتك أو زاويتي ، وعلى هذا فليس للمرأة العجوز أن تتوقع من ابنتها أن تعزف عن الزواج رغبةً في البقاء إلى جوارها كي تقوم على خدمتها ، وليس للأهل أن يتوقعوا من ابنهم أن يطلق زوجته أو يعيش معها في نكدٍ دائم تلبية لرغبتهم في سكناه معهم ، وهنا أقول : علينا أن نعترف أننا نتصرف في بعض الأحيان بنوع من الأنانية والجشع وعدم الشعور بالمسؤولية ، وإذا لم يفعل الناس ما نريد ويستجيبوا لرغباتنا تضايقنا وشعرنا أنهم يضطهدوننا ،،
رابعاً ..
هذا الأمر الرابع من الأمور التي تساعد على تخفيف الشعور بالاضطهاد ، على كل واحدٍ منا أن يدرك أن الناس الآخرين يصرفون من وقتهم في التفكير فيه أقل بكثير من الوقت الذي ينفقه في التفكير بذاته ، الواقع أن لدى جميع البشر مشاغلهم وشؤونهم الخاصة التي تستنزف طاقاتهم في الليل والنهار ، وليس لدى كثير منهم أي وقت للتفكير فيه أو السؤال عنه أو الانشغال بحياكة المكايد له ،،،
إنني أيها الإخوة الكرام ، أيتها الأخوات الكريمات أعتقد اعتقاداً جازما أن ما نفعله بأنفسنا على مستوى أمتنا وعلى مستوى مجتمعاتنا وعلى مستوياتنا الشخصية والخاصة إن ما نفعله تعجز أكبر قوة معادية في الأرض أن تفعله معنا ، فالقصور ذاتي والإخفاق داخلي وما يتم تجاهنا من مؤامرات هو شيء طبيعي ولو كنا في موقف قوة لفعلنا مثله وربما أكثر منه ، فبدل أن نتجه إلى التفكير فيما يحاك ضدنا علينا أن نتجه إلى سؤال أنفسنا لماذا يحاك ضدنا كل هذا ؟ والجواب قطعاً سيكون لأننا النقطة الأضعف ، ،،،
أنت حينما تريد أن تفتح ثقباً في جدار لا تأتي إلى عمود الإسمنت فتحفر فيه ، تأتي إلى نقطة هشة فتحفر فيها ، علينا أن نعود إلى قول الله جل وعلا : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
لنعد إلى ذلك فهماً وتحليلا وعملا وسنجد خيرا كثيرا ،،،
الأمر السابع من المنغصات للسعادة وللحياة الطيبة :
الفراغ والبطالة ، وهما من مصادر النكد ومن مفسدات الحياة الطيبة ،،
إن الله جل وعلا خلق لكل واحدٍ منا يدين لكي تعملا وتنتجا ، فإذا توقفتا عن العمل بصورة غير معتادة ولا طبيعية ، شعرنا بأن شيئاً ما ينقصنا ، وشعرنا باضطراب داخلي عنيف ، حين يكون الإنسان باطلا عن العمل لفترة طويلة فإن أحواله المادية تصبح قلقة وربما وقع في حرج شديد من العيش ، وتصبح الحياة بالنسبة إليه عبارة عن وحدات زمانية يجب التخلص منها بأقل قدر من المعاناة ، وفي تصوري أن أكثر من خمسين في المئة من المسلمين يعيشون في وضعية دفع الأيام إلى الأمام كما يدفع المرء شيئاً يريد أن يتخلص منه ، وهذا وحده كافٍ لنزع الكثير من أردية السعادة والسرور عن أية حياة وأي عيش ، ليست مشكلة البطالة محصورة في فقد المرء لمصدر قوته وقوت عياله وإنما يتولد عنها آثار نفسية واجتماعية وسلوكية خطيرة فحين يجلس المرء مدة طويلة من غير عمل فإن ارتكاسات كريهة تصيب شخصيته بوصفه إنساناً وبوصفه كائناً يمكن أن يكون فاعلاً ومؤثراً ومنتجاً وعاملا ، وفي هذه الحالة يمكن أن يفسد احترامه لنفسه وثقته بذاته هذا إذا لم تؤدي البطالة إلى انهيار حياته الأسرية وتسمم الجو الذي يعيش فيه صغاره وأولاده ، وهذا كله في كفة وإمكان انغماسه في اللهو مع قرناء السوء وإمكان إدمانه للمخدرات والمكيفات في كفة أخرى ، وحين يحدث ذلك فإن العاطل عن العمل يكون أقرب إلى المعوق والمشوه ، وقد صدق من قال : إن البطالة أم المعائق ،،،
الفراغ يجعل المرء في مواجهة نفسه وهذا أمر صعب وسيء حيث يبدأ آن ذا لا يرى فيها إلا النقائص والسلبيات ونقاط الضعف وأرجوا أن نفكر ملياً في هذا الكلام ، ،،،
لماذا حين يكون الإنسان باطلا عن العمل ويواجه نفسه لا يرى إلا النقائص والسلبيات ولا يرى إلا الرذائل التي يمكن أن تكون لديه ، في تصوري هذا يعود إلى أن فضائل الإنسان لا تتجلى إلا في أوقات العمل وفي أوقات الكد والتعب والعطاء والإنتاج والفاعلية حينئذٍ تتجلى فضائلنا ونرضى عن وضعيتنا وتأتينا حينئذٍ الأفكار الإيجابية عن ذواتنا و كل فكرة إيجابية تطرد فكرةً سلبية ،،،
البطالة في الحقيقة هي عطالة كاملة حيث يخرج الباطل عن العمل من دورة الحياة التي تشكل مصدر إمتاع كبير للإنسان ، في دورة الحياة تكون حياتنا موزعة على حلقات متناوبة من العمل والفراغ والتعب والراحة وال×ذ والعطاء والتأثير والتأثر ، أما في حالة البطالة فإن المرء يعيش في فراغ يحده الفراغ من جهاته الست ، كبار السن الذين يحالون إلى التقاعد أو المعاش كما يقال في بعض الدول ، يعيش كثير منهم في معاناة صامتة لا يمكن أن يعرف حجمها المنهمكون في أعمالهم ومهماتهم ومسؤلياتهم ، إنهم يشعرون بالخسارة وتصبح حساسيتهم نحو الضغوط مفرطة كما يشعرون بزيادة اعتمادهم على غيرهم وحاجتهم للمساعدة من سواهم ، وللأسف لم يأخذ كبار السن حقهم منا من الدراسة والمساعدة والمعاونة مع أنهم كانوا يتألقون في المجتمع في فترة عملهم وفي فترة إنتاجهم وبعد إحالتهم للتقاعد ، كثير منهم صار في أوضاع سيئة وعلى المجتمع أن يساعدهم كما ساعدوه في يوم من الأيام ،،،
أيها الإخوان ، العمل بالنسبة للإنسان العاقل الراشد يشكل وسيلة وهدفاً في آن واحد ، والبطالة تقضي على الوسيلة والهدف بضربة واحدة ، ومن هنا فإن على كل واحد منا وفي أي سنّ كان أن يفكر بما يمكن أن يسميه الاحتياط المهني ، كما نفكر كيف نحتاط للأمور المالية وعلاقاتنا الاجتماعية ، ،،،
الاحتياط المهني معناه : تعدد اهتمامات المرء وتعدد المهن أو الأشياء التي يمكن أن يعمل فيها إذا حال تقدم العمر أو حالت ظروف معينة دون العمل في بعض منها ، ،،
أعرف شخصاً مهندساً ودارساً لبعض العلوم الإنسانية ، اقتضت ظروف عمل زوجته أن يسكن في قرية يصعب عليه فيها أن يجد عملا ذا أجرٍ مجزٍ ومكافئ للجهد الذي سيبذله ، وبعد شهرين أو ثلاثة أشهر من القعود في البيت شعر أن الحياة ما عادت تطاق فذهب إلى إحدى المؤسسات التي تعمل في مجال تمديد الكهرباء للمنازل ، وقال لصاحب المؤسسة : أريد أن أعمل عندك مجانا ، فاستغرب صاحب المؤسسة و سرته المفاجأة لأنه سيحصل على إنجاز وعلى عمل وعون مجاناً ، وفعلاً بدأ الرجل بالعمل الجاد والمثمر مسلحاً بالخبرة الطويلة التي يمتلكها في هذا المجال ، وبعد شهر واحد قال صاحب المؤسسة : ليس من الإنصاف أن تنفعني كل هذا النفع ولا تأخذ على ذلك أجرا ، هنا وجد ذلك المهندس نفسه في موقف قوة موقف كما يقال يتيح له التفاوض من موقع قوة ، وكان ذلك ، قد تعلق به صاحب المؤسسة وصار اعتماده عليه كبيرا ، ودفع له بالتالي مرتباً مجزياً ،،،
لو تأملنا أيها الإخوة والأخوات في أحوال العاطلين عن العمل مع تقديري البالغ لصعوبة كثير من الظروف في كثير من البلاد ، لو تأملنا في أحوالهم لوجدنا أن لديهم خلطةً سيئة من الكسل والفوضى وضعف الاهتمام واليأس والارتباك وضعف الكفاءة وضعف الـتأهيل الذاتي والمهني ، إنني أعتقد أن هناك دائماً فرصاً لكن الذين يستفيدون منها هم الأشخاص الأفضل والأكفأ والأنشط ، إن أي عمل شريف وبأي أجرٍ كان يمكن أن يؤمن للواحد منا درجة من السعادة أفضل بكثير من الوضعية النفسية التي نكون فيها في حالة البطالة وفي حالة الفراغ ،،،،
وسوف أتحدث عن دور العمل في توطيد أركان الحياة الطيبة عند الكلام عن أسباب ومقومات السعادة بحول الله وطوله .......
ثامناً من منغصات السعادة ...
الفجوة بين الطموح والإنجاز ،
كثيراً ما تشكل مصدر إزعاج مستمر لكثير من الناس ، وإن علينا أن نقول في البداية إن من المهم أن يكون للمرء آمالاً يطمح إلى تحقيقها ، وأن يكون هناك أهداف يسعى إلى الوصول إليها ، فالحياة من غير شيء يكون أمامنا تعني الجمود وتعني التكلس ،،،
التقدم الحضاري بطبيعته يجعل طموحات الناس تتسع ، فالذي يغري بالسعي إلى المزيد من الرفاهية وإلى المزيد من اقتناء الأشياء والمزيد من استهلاكها هو الرفاهية نفسها ، لكن الإمكانيات التي تساعد على تحقيق ما نتشوف إليه لا تنموا ولا تتطور بقدر تضخم تطلعاتنا ، فيكون لدينا من ثم شعور مستمر بأن ما نجده أقل بكثير مما نطلبه ، في عالم المسلمين فقر وعوز واسع النطاق في الحقيقة ، لكن طموحات كثير من الناس ليست مستمدة من واقع المسلمين وإنما من واقع العالم الصناعي للثراء العريض ، وهكذا فالحسرة تكاد تجتاح كثيرا من النفوس من خلال ما يشاهدون من مظاهر البذخ والرفاهية في الفضائيات وفي الإنترنت وفي وسائل الإعلام المختلفة ، ،،،
هناك لون آخر من ألوان التعاسة يحل بنا نتيجة خطأ في فهم الأشياء وفي تصورها ، إذ إننا كثيراً ما نتخذ قراراتنا بناء على أفضل التصورات وأفضل التوقعات وأحسن الاحتمالات ثم نصدم بعد ذلك ونقع في الإحباط نتيجة تخلف النتائج المرجوة ،،،
التجارة في أذهاننا للربح ، والدراسة للنجاح ، والسفر للمتعة والترويح ، ولا يحسب حساب أي شيء آخر ربما يقع ، ولذا فإن التفاؤل الذي يزيد عن حده ينقلب في يوم واحد إلى تشاؤم وإحباط ، ،،
أن يكون هناك مسافة بين ما نريد وبين ما هو موجود هذا شيء جيد ، لكن لنضغط على أنفسنا كي تبقى تلك المسافة في حدود الممكن وفي حدود المقدور عليه فتقدم بطيء مستمر خير من قفزة في الهواء لا نعلم ما الذي تسببه لنا ، ،،
الأمر التاسع من منغصات الحياة الطيبة
الإرهاق والقلق والخوف والتوتر العصبي ،،،
هذه في الحقيقة أمور باتت شائعة في زماننا هذا إلى حد أنها صارت تهدد الحياة الآمنة الطيبة ، وباتت فعلا أبرز مظاهر العصر الحديث ،،،
الزمان الذي نعيش فيه بمتطلباته الكثيرة و شروطه القاسية ومستوياته العالية وتعقيداته الكبيرة هذا الزمان صار يتطلب من الواحد منا المزيد من التفكير ، المزيد من الحذر والاهتمام ، وزاد الطين بلة ، ضعف الاهتمام بالجوانب الإيمانية والروحية لدينا ،،،
إننا نشعر في بعض الأحيان أننا في حاجة إلى قدر كبير من التوازن حتى لا نحيد عن الطريق الصحيح وصار مثلنا مثل الذي يسير على حبل مشدود فهو مطالب أولا بأن يسير ومطالب ثانيا بأن يبذل قصار جهده في حفظ توازنه حتى لا يسقط ، ولهذا فإنه ليس هناك أي سبيل لتفادي القلق والتوتر العصبي بصورة كلية ،،،
التعب الجسماني المحض بدون أن يكون مفرطا يظل أقرب إلى أن يكون سبباً من أسباب السعادة وهو يفضي إلى النوم الهادئ ويجعل قابلية المرء لتناول الطعام جيدة ، كما أنه يضفي نكهة ممتعة على المسرات المتاحة في الأجازات والرحلات وأوقات الفراغ ، وحين يكون التعب الجسماني مفرطاً وقاسياً فإنه يغدوا أحد الأعداء المهمين للسعادة والانشراح ، ولذا فينبغي العمل على تفاديه والتقليل منه إلى أقل حد ممكن ،،،
بعض الناس يصاب بالإرهاق الشديد والتوتر العصبي بسبب اعتقاده أن العمل الذي يؤديه عمل مهم وخطير ويجب إنجازه خلال فترة محددة و إلا حدثت كارثة ويعتقد أن أخذ استراحة ليوم أو يومين يعد أمراً غير معقول ولا مقبول ، ومع أن مثل هذا الاعتقاد قد يكون صحيحاً في أوقات طارئة ونادرة إلا أن من الصحيح أيضا أن معظم من يعتقد أن عمله مهم جدا يكون مبالغاً في ذلك ومنطلقاً من تصورات خاطئة ، ولو أن طبيباً حاذقاً نظر في أمر هؤلاء لأمر بأخذ إجازة إجبارية لكل من يعتقد أن عمله مهم وخطير ،،،
القلق في الحقيقة هو نوع من الخوف ، وجميع أشكال الخوف ينتج عنها التعب أو الإرهاق العصبي ، والحقيقة أنه لا يكاد إنسان يخلوا من شيء من خوف ، فهذا خائف من زوال منصب يحتله ، وذاك خائف من خسارة مالية كبرى تلحق به ، وثالث خائف من إطلاع الناس على بعض أخطائه وعيوبه ، ورابع خائف من حسد الناس وتواطئهم عليه ، وهكذا ...
الإرهاق العصبي لا يسبب الإزعاج لنا ويكدر صفو حياتنا فحسب بل إلى جانب ذلك يجعل اهتمامتنا بما يجري حولنا محدودة ، وقد يكون ما يدور حولنا خطير جدا ، ويحتاج منا إلى ما يشبه الاستنفار لكن الإعياء الذي نحن فيه يجعل تفكيرنا بذلك تفكيرا هامشيا ، ويجعل انطباعاتنا عنه بالتالي مبهمة ومشوشة ،،،
نحن في الحقيقة في حاجة إلى أن ندرب أنفسنا على مواجهة القلق والإرهاق والخوف حتى نتخلص من الأوهام التي تقتل طاقاتنا الحيوية وتبدد صفاءنا وهدوءنا وراحتنا ،
ولعل مما يفيد في هذا الشأن الأمور التالية :ــ
أولاً :
علينا أن نؤمن أن القلق لا يجرد الغد من مآسيه لكنه يجرد اليوم من أفراحه ، وإذا كان هذا هو الشيء ، فشيء من الثقة بمعونة الله تعالى وشيء من التوكل عليه وشيء من الإيمان بالقضاء والقدر والاستسلام لأمر الله تعالى أقول إن شيئاً من هذه المعاني يخفف عن المسلم الكثير من مخاوفه وأحزانه ويمده بعزم جديد وكلما زادت ثقتنا بالله تعالى وزاد توكلنا عليه انخفضت درجة الخوف ودرجة القلق من المستقبل لدينا ،،،
ثانياً :
إن المتاعب التي نواجهها يجب أن تحملنا على التفكير العميق وليس على القلق ، وأنا أعتقد أن عدم مواجهتنا الجادة والصريحة والمكشوفة للأمور التي تخيفنا وتزعجنا هو السبب في سيطرة تلك الأمور علينا ولو تأملت في أوضاع الشخصيات القلقة لوجدت أن هناك رفضاً تاماً لمناقشة أي شيء ، حيث أن لديهم استسلام تام للأوهام والهواجس المزعجة ، ويعتقدون أن ما يخشون فقده سيفقد وما يخشون وقوعه سيقع ولا فائدة ترتجى من التفكير فيه ، وهذا خطأ فادح ،،،،
ثالثاً :
حين تكون قلوبنا مثقلة بالأسى ونحن نتألم من فرط الحزن أو خيبة الأمل فلنحاول التخلص من ذلك وإن شئت أن تقول لنحاول مقاومة ذلك عن طريق الإيمان بأننا ما زلنا رغم كل ما جرى نملك شيئين :
دعاء الله تعالى والتضرع إليه بأن يكشف البلوى ويزيل الغمة
والأمر الثاني هو العمل على التخفيف من الآثار السيئة التي تترتب على وقوع ما يقلقنا وقوعة ،،
رابعاً :
يمكن تحجيم القلق بتفعيل رؤيتنا للحياة الدنيا ، فكل ما يجري في هذه الدنيا من مآسي ومصائب وكوارث يأخذ طابع العابر والمؤقت ، وإن أعظم العواصف التي تثور في حياتنا لا تعدو إذا حققنا النظر وتأملنا جيدا أن تكون في نهاية الأمر أكثر من زوبعةٍ في فنجان كما يقولون ، إن الواحد منا ليس سوى جزءٍ صغيرٍ جداً من العالم ويجب أن يعرف قدر نفسه ولا يبالغ كثيراً في تضخيم أهميته ، نحن في حاجة إلى نوع من الترويض العقلي ونوع من السيطرة على أفكارنا ، والحقيقة أن معظم الناس لديهم مشكلة ضعف توجيه أفكارهم و السيطرة عليها ومناقشتها وتقييمها ، والقيام بذلك في تصوري ليس بالأمر الصعب كما قد نتوهم في كثير من الأحيان ،،
خامساً :
لا تفكر في مشكلاتك و وفي الأمور التي تزعجك إلا إذا علمت أن هناك جدوى للتفكير ولا فائدة من التفكير إذا لم يكن لدى المرء بعض المعلومات حول الأمور التي تزعجه و إلا لم يستفد من التفكير شيئا ، أما في الليل فلا تفكر أبدا سواء أكانت هناك جدوى من التفكير أو لم تكن وذلك حتى لا يحرم الإنسان نفسه من النوم والراحة التي يحتاجها للعمل و الآداء الجيد في يومٍ جديد ،،،،
سادساً :
منحنا الأهمية الزائدة لأي موضوع يسبب لنا الإزعاج ويسبب لنا الغم والخوف ،
يقول أحد الفلاسفة المعاصرين : قدمتُ في شبابي عدداً لا يستهان به من المحاضرات العامة وفي بداية الأمر كان كل جمهور من السامعين يفزعني ، فكان توتر أعصابي يجعلني أتكلم برداءة و تأتي خطبتي مشوهة جداً وكنت أخشى من هذا المأزق كثيراً حتى إنني كنت أتمنى في بعض الأحيان لو كسرت رجلي قبل الصعود إلى المنصة و تقديم المحاضرة ، وحال انتهاءها أكون مرهقاً من عنف التوتر العصبي ، وتدريجياً عودتُ نفسي على الشعور بأنه لا فرق إذا تكلمتُ بطريقة جيدة أو تكلمت بطريقتي الرديئة فسوف يظل الكون على ما هو عليه ولن تخرب الدنيا في كلا الحالتين ، ووجدت أنه كلما قلّ اهتمامي إذا تكلمت جيداً أو رديئاً قلّ الكلام الرديء الذي أتكلمه ، وهكذا أخذ التوتر العصبي يقل تدريجياً حتى وصل تقريباً إلى نقطة التلاشي ،،،
وأنا مع ذلك الفيلسوف في أن كثيراً من الآلام و المتاعب النفسية يمكن التعامل معه بهذه الطريقة ، فنجاحاتنا وإخفاقاتنا ليست مهمة إلى الدرجة التي نفترضها عادةً ، ولستُ أريد هنا الخروج عن الرؤية الموضوعية للأشياء ولكن أحب أن أقول لنضع الأمور في سياقها العام ، إذا كان ذلك يخفف من أحزاننا التي مهما كانت شديدة ومهما كانت مؤذية فلن تغير من واقع الحال أي شيء ، أنت الآن في الأربعين وقد حصلت على الثانوية منذ اثنين وعشرين عاما ، ما ذا لو كنت حصلت عليها منذ واحدٍ وعشرين عاما أو منذ ثلاثةٍ وعشرين عاما ، ما التأثير العظيم الذي سيتركه دخول الوظيفة أو الجامعة في حياة إنسان بشكل مبكر سنة أو متأخر سنة ، إذا أردت رأيي الشخصي قلت لك : لا شيء هناك أبدا مما أظن ومما تظن ومما يظن الناس ، فتأثير المشكلات مهما عظمت لا يدوم و يتناقص مع كل ساعة تمر فلا داعي لتنغيص الحياة بشيء قضى الله فيه بما أراد وأحب ،،،،،
سابعاً :
من أمراض عصرنا التي تشكل نوعاً من الإفساد المستمر للسعادة ما يمكن أن نسميه " إلحاح الإنجاز " حيث تجد أن كثيراً من الناس ولاسيما رجال الأعمال و كبار الموظفين أصيبوا بهوس إنجاز الكثير من العمل في أقل وقت ممكن ، إلى درجة يصعب معها فهم المنطق الذي يسيرهم والفلسفة التي ينطلقون منها ، هم دائماً في عجلة من أمرهم و دائما لا وقت لديهم ودائما ما هو مطلوب منهم أكبر من طاقتهم هكذا يتوهمون ، هناك أشخاص يحمل الواحد منهم ثلاثة جوالات ، هل تصدقون هذا ؟ ولا يسكت واحد منها حتى يبدأ جرس الآخر بالرنين ، إنهم أشبه بمن يقذف في الهواء خمس أو ست كرات بصورة مستمرة وعليه حتى لا يخسر ألا يقع أي منها على الأرض ، إن هذا الأسلوب في العمل ضار جداً بالقلب وضار جداً بالصحة النفسية وضار بالحياة الأسرية ، ما يكون منه طارئاً أو مؤقتاً يحتمل ، لكن من يعرف منا هذا الصنف من الناس يجد أنهم أفضل من ينطبق عليهم المثل الصيني " لا شيء يدوم أكثر من المؤقت " إنه كلما زادت إنجازاتهم زادت مشاغلهم وزادت متاعبهم وشعروا أن الأربع والعشرين ساعة في اليوم لم تعد كافية ، ولا أعرف أنا شخصياً أي طريقة لإقناع هؤلاء بأن كل من يسابق ظله أو يحاول الإمساك به سيخسر السباق في النهاية ،،،،
نحن من كثرة حبنا للإنجاز ما عدنا نلمس إلى المحسوس والسريع و أهملنا ما يمكن أن يقوم به عقلنا الباطن من أعمال ممتازة ، الذين يشتغلون بالقضايا الفكرية والقضايا الثقافية ورجال الأعمال وكبار الموظفين كل هؤلاء يجدون أنفسهم باستمرار أمام أفكار تحتاج إلى بلورة وأمام أساليب تحتاج إلى تطوير وأمام مشكلات تحتاج إلى حلول ، ونحن غالباً نتجه إلى حصر الذهن فيما نواجهه وجعل الوصول إلى شيء فيه هماً وغماً مقيماً ومزعجاً ، مع أن هناك أسلوباً كثيراً ما ينجح في التخفيف من هذا وهو تشغيل العقل الباطن و الإلتفات بوعينا إلى الاهتمام العادي بأمور أخرى ،،،
يحكي بانتراند راسل أشهر الفلاسفة الإنجليز في العصر الحالي عن تجربته الخاصة في هذا الشأن فيقول : وجدت إذا كان علي أن أكتب عن موضوعٍ صعب أن علي أن أفكر فيه جديا وأوجه اهتمامي الكلي إليه لساعات قليلة أو أيام قلائل ، وبعد إنتهائي من التفكير أصدر أوامري إن صح التعبير كي يمضي العمل تحت الأرض في اللاشعور وبعد أشهر أعود إليه بوعيي فأجد أن العمل كله قد أنجز ، وكنت قبل اكتشاف هذه التقنية أقضي تلك الشهور الفاصلة بين التفكير والتنفيذ في قلق الوهم لأني لم أكن أحرز في هذه الفترة الفاصلة أي تقدم ، ،،،،
أيها الإخوان ، أيتها الأخوات ، إن كل عمل مهما كان خيّراً ومهما كان مفيدا قد ينقلب إلى سوء و بلاء وخسائر فادحة إذا جانبه شيئان " الرفق والتوازن "
الرفق والتوازن هما الطابع الجميل والحكيم الذي يتركه الكبار على أعمالهم وعلى إنتاجهم ، ،،
العاشر من منغصات الحياة الطيبة ....
إتجاه المرء إلى اتخاذ الملذات أساساً ورأس مالٍ جوهرياً للحصول على السعادة ،
وكنا قد أشرنا إلى ارتباطٍ وثيق بين اللذة والسعادة لكنهما لا يتطابقان فقد نجد السعادة دون لذة وقد نجد اللذة دون سعادة ، ومما يؤسف له أن أعداداً متزايدة من الناس و لاسيما الشباب والفتيان والفتيات صار لديهم اعتماد أساسي في الحصول على السعادة والأمن والاطمئنان على ما ورد إلينا من العالم الغربي والصناعي عامة من تقنيات ووسائل تقوم أساساً على الرفاهية وعلى السعي إلى الانتصار على الإملاق والعوز والجهد والملل ، بل على الشيخوخة أيضا والقبح ، فقد نشطت في الآونة الأخيرة عمليات التجميل للرجال والنساء وهي أشكال وفنون كثيرة كما كثرت الأدوية المنشطة وتلك المقاومة لتكلس الخلايا أوشيخوخة الخلايا وقد صار مستقراً في أذهان الكثيرين منا أن الإنسان السعيد هو دائماً شاب وأن المرأة السعيدة هي دائماً جميلة ،،
السعادة صارت لدى الكثيرين تكمن في التسلية والمرح والرحلات والخروج إلى المتنزهات بل إن الأمر تجاوز كل هذا إلى وجود مساعٍ مسرفة لإحداث نشوى مصنوعة في الروح عن طريق العقاقير المخدرة ، وهي كثيرة ومتنوعة وعلى من يقع في حبالها أن يزيد من تناولها حتى لا تفقد تأثيره ، وهكذا تصبح الحياة السوية ، الحياة الطبيعية لدى المدمنين حياة لا تطاق ، ويؤدي بهم ذلك في نهاية الأمر إلى تدمير حياتهم الروحية والنفسية والاجتماعية ،،،،،
إن السعادة التي تتطلب النشوة هي سعادة دائماً زائفة ومزورة وإن من المؤسف مرة أخرى أن الأجيال الجديدة باتت تتلقف شروط الحياة السعيدة من التربية المشوهة الموجودة في كثير من البيوت ومن حملات الدعاية والإعلان التي تصور للناس أنهم إذا لم يتحولوا إلى مستهلكين نهمين لكل شيء فإنهم سيكونون متخلفين وبعيدين عن الحضارة و تذوق ملذات المعاصرة والحدث ، ،،،،
وإذا عدنا إلى قرارة أنفسنا وإذا عدنا إلى ما تعلمناه من مبادئ ديننا ومن حكمة الأمم وجدنا أن السعادة الحقيقية تكمن في أمور كثيرة ذات علاقة بالقيم والمبادئ والأفكار والسمو والتضحية والعطاء غير المشروط كما وضحنا وسنوضح في موضع آخر ، ونحن لا نتجاهل قيمة كل ما يتمتع به الناس بطريقة مشروعة لكن الاعتراض على جعل الملذات أساس السعادة مع أنها لا تعدوا أن تكون أشياء تكميلية ، إن الواحد منا يدرك بوضوح الفراغ الروحي الذي يشعر به عقب انقضاء أي ملذة من ملذات الجسد وحين تكون تلك اللذة تمت عن طريق غير مشروع فإن المرء يشعر بعتمة روحية وبوخز الضمير وبشيء من احتقار الذات ،،،
الأمر الحادي عشر من الأمور التي تؤثر على نحو سيء في سعادة المرء ،
الرياء ، والحرص على رضا الناس ونيل ثناءهم ودفع ظنهم ومراعاة أذواقهم وملاحظاتهم على نحو مبالغ فيه ، شيء مطلوب في الأصل ألا نقف مواقف التهم وألا نتصرف تصرفات تجعلنا موضع نقد من الآخرين ، هذا في تصوري مبدأ مسلم به ، لكن المشكلة تكمن في الشطط في الانصياع لرغبات الناس والشطط في حب الاستحواذ على ثناءهم وتقديرهم ،،،
كيف يحس بكرامته واطمئنانه وسروره من يشعر أنه مهزوم أمام الآخرين ، ولذا فإنه يفعل أشياء لا يعتقدها خوفاً منهم ويخفي أشياء من أجلهم يجب في الأصل أن يظهره ، إنه يلبس لكل حالة لبوسها وله أكثر من قناع وقد بذل جهوداً مضنية طول حياته من أجل رسم صورة براقة له في أعين الناس وعليه الآن أن يبذل جهوداً أخرى فيما تبقى من عمره حتى لا تخدش تلك الصورة ، ولا يهم ما إذا كان ذلك يتطلب النفاق والرياء والكذب والمديح وكتمان الحق والسكوت على المنكر ، إن همه باختصار أن يبدو لائقاً اجتماعيا في نظر الناس ولا يأبه كثيراً لنظر الله تبارك وتعالى له ،،،،
صنف من هؤلاء الذين يسيطر عليهم هاجس نظرة الناس إليهم يقومون بأعمال وأنشطة اجتماعية عديدة بغية ظهورهم في شريحة أو طبقة أعلى من طبقتهم الحقيقية ، فهم يقدمون الهدايا القيمة لمن يعتقدون أنهم أرفع درجة منهم كما يقومون بزيارتهم وعرض بعض الخدمات عليهم ، هذا الصنف يشعر بآلام نفسية مبرحة غامضة وخفية ، وتلك الآلام مردها في الحقيقة لفقد الانسجام بين روحه وعقله ونفسه من جهة وبين سلوكاته ومجاملاته الاجتماعية ، كما أنها تعود أيضاً إلى النظرة الدونية التي تتكون لديهم عن أنفسهم حيث يشعرون في أعماقهم أنهم غير صادقين ولا عزيزي النفوس ولا مستقيمين ولا أقوياء بما فيه الكفاية ، إن الذين يكدرون حياتهم من أجل الآخرين أو من أجل نيل شيء لا يستحقونه وليس لهم لا تكون علاقتهم بالله جل وعلا إلا هامشية ولا تكون دعائم الإيمان في أنفسهم إلا مزعزعة ، قد قال الله تعالى في المنافقين : ( يراءون الناس ولا يذكرون الله إلى قليلا ) وهذا الصنف في حاجة ماسة إلى أن يعرف أن ما فقده بمراءاته ومجاملاته هو أكثر بكثير من كل الأشياء التي سيكسبها وبكل المقاييس ، وإن لنا في تكاليف الحياة ومتطلبات القيام بأمر الله تعالى لشغلاً عن كل شغل كما أن فيها من الجزاء ما يفوق بما لا يدع مجالاً للمقارنة ما يمكن أن يربحه من وراء لبس قناع وخلع قناع ، ،،،
أحد الموظفين المرموقين كان يقول لرئيسه في العمل كلما قابله : أحلامك أوامر ، أي إن ما تحلم به و تتخيله و تتمنى الحصول عليه أعده بالنسبة إلي أمراً واجب التنفيذ ، ومن كثرة تكرار ذلك فإن مديره تضايق منه وصار يقول له يا فلان لا تبالغ وما تقوله غير معقول فما يكون من صاحبنا إلا أن يقسم الأيمان أنه لا يبالغ وأنه يعني ما يقول وأنه مستعد لأن يفدي ذلك الرجل ـ أي رئيسه ـ بنفسه إذا لزم الأمر ،،
إننا جميعاً نعرف أشخاصاً كثيرين يكفون عن بعض أعمال الخير ويحرمون أنفسهم من ثوابها خشية أن يتهمهم بعض الناس بالرياء أو يفسروها تفسيراً خاطئا ، وهذا من علامات الحرمان وعلامات الخذلان ، إن الحضارة ولا شك تعني المزيد من الإحساس بالآخرين لكنها تعني أيضاً استقلال الشخصية والحساسية نحو الكرامة الشخصية و تنفيذ القناعات الخاصة ، ومهمتنا دائماً أن نقوم بسلوك المسلك الصحيح نحو كل ذلك ،،،،
الثاني عشر من المنغصات ..
الأنانية .. والتمحور حول الذات وتضخيم الأنا ، هذه أمراض خطيرة من أمراض عصرنا ، وهذا المرض ، وهذه الأمراض تجلب لنا الكثير من المزعجات مع أن الظاهر أن الأناني شخص يخدم ذاته ومصلحته على أفضل وجه ممكن ، لكن الأمور في الحقيقة أعقد من أن تفهم على هذا النحو ، ،،
إن كثيراً من مباهج الروح ومسرات الخاطر يأتي من وراء تفكير الإنسان في مسائل غير شخصية ، أي من وراء تفكيره في مسائل لا يعود عليه منها نفع خاص ومباشر ، وعلى سبيل المثال فإن مورداً من أعظم موارد السعادة يتمثل فيما تجلبه لنا الحياة الاجتماعية من أمنٍ وسرور ولا تستقيم هذه الحياة إلا بالبذل والعطاء المجاني ، سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى الجوار أو على مستوى الأصدقاء والزملاء أو على مستوى العام ، فقد مضت سنة الله تعالى في اجتماع الناس أن يكون ما يعود على حياتهم المعنوية من تدعيم وتقوية مكافئاً لما يبذلونه من مال ومن وقت وجهد وعطاء غير مشروط على الصعيد المادي ،،
ولك أن تتصور معي صداقة من غير تبادل لأي شيء مادي أو منزلاً يتقاضا فيه الزوج من زوجته أجرته أو ثمن الطعام الذي تأكله وتتقاضا المرأة من زوجها ثمن خدمة أولاده وت ربيتهم وتنظيف البيت وطهي الطعام ، ولك أن تتصور حينئذٍ النزاع اليومي والحساب المصلحي و الأناني الذي يتم في كل الأوقات ، لاشك أن الحياة آنذاك ستكون مرهقة غاية الإرهاق ،،،
شعار الأنانيين " أنا ومن بعدي الطوفان " وتحقيق هذا الشعار على الوجه الأكمل يقتضي رذيلتين " الشح " بكل ما يحمله من معاني الأثرة والإمساك و " الجشع " بكل ما يحمله من معاني الشعور بالحاجة والرغبة في الاستحواذ على ما في أيدي الآخرين ،،،
البخل حين يحل في نفس إنسان يجعل تلك النفس أم تعاسته ومصدر شقاءه ، فالبخيل المقتر مهما ملك يكون في حالة أشد من حالة الفقير ، إن الفقير يفتقد بعضاً أو كثيراً من الأشياء لكن الشحيح الأناني يفقد كل شيء وتملأ قلبه الحسرات بسبب عدم امتلاكه الإرادة التي يحتاجها للإنفاق على ما يشتهيه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم )
أما الجشع وحب الاستئثار الذي يصاب به الشخص الأناني فإنه يشكل جذراً مفزعاً من جذور الرذيلة ، والإنسان الجشع يسلك مسالك يتنزه عنها الحيوان بالغريزة التي وضعها الله تعالى فيه ، قد صور ذلك أحد الشعراء حين قال :
الذئب يترك شيئاً من فريسته ** للجائعين من الذئبان إن شبع
والمرء وهو يداوي البطن من بشمه ** يسعى ليسلب طاوي البطن ما جمع
الذئب حين يشبع لا يدخر وإنما يترك باقي ما افترسه يترك باقي الفريسة للذئاب الجائعة حتى تأكل منها ، أما الإنسان الجشع فإنه وهو يداوي بطنه من التخمة وإنه وهو حائر في التصرف في الأشياء الهائلة التي يملكها إنه في هذه الحالة يسعى ليسلب طاوي البطن ما جمع يسعى للانقضاض على الأشياء القليلة جداً التي يملكها الفقراء المعدمون ،،
الطمع حين يتحكم بإنسان يحول نبله ومروءته وذكائه إلى شيء يشبه البلاهة فالإنسان الطماع الجشع يتصرف تصرفات لا يتصرفها من رزق أي قدر من العقل والحكمة والكياسة ،،
يقول أحد الكرماء : وهبني أحدهم نعجة فأهديت إليه ناقة ثم أهداني نعجتين فبعث إليه بناقتين وبعد ذلك جاء إلى حظيرتي ـ إلى الزريبة أو الإسطبل الذي فيه نياق هذا الرجل الكريم ـ جاء وأخذ يعد النوق التي فيها طبعاً ليهدي له بعددها غنماً ويسوقها ، وصدها صاحبنا صفقات رابحة ، قطعاً إن ذلك الكريم وجد أنه إذا لم يكن للجشع أي حدود فلابد من أن يضع لكرمه بعض الحدود ، ،،
يحب الناس الشهيد لأنه يشكل في نظرهم النموذج الأرقى والأعظم للعطاء والبذل كما قال : والجود بالنفس أقصى غاية الجود ،،،
ويكره الناس الشحيح والأناني و يستخفون به وينبذونه لأنه في نظرهم في درجة أقل من درجة إنسان ، وهكذا فالمرء الذي يتمحور حول ذاته يواجه صراعاً مراً في الداخل على الصعيد النفسي والروحي ويواجه صراعاً في الخارج على الصعيد الاجتماعي ، وهو الخاسر المهزوم في كلا الصراعين ،،،،
الثالث عشر :من المنغصات
اليأس والتشاؤم ، ورؤية الجانب السلبي من الأشياء و والشعور بانسداد الآفاق وانقطاع الحيلة ، هذه الأشياء مصادر في تصوري لإفساد الحياة الطيبة ،مصادر لانحطاط الشخصية وفقدان إمكانية التطلع إلى ما هو أحسن و أقوى ، لقد كان عليه الصلاة والسلام ( يعجبه الفأل ويكره التشاؤم ) ،،
حين يسافر الإنسان في طلب علم أوفي تجارة أو قضاء مصلحة فإن هناك احتمالاً لأن يتعرض لحادث وأن يسطوا عليه اللصوص أو يتعرض لخديعة أو ضياع ، وهناك احتمال أن يمرض ولا يجد من يمرضه ويساعده وهناك وهناك .. ، لكن إلى جانب هذه الاحتمالات السيئة هناك احتمال أكبر لتحقيق الهدف من السفر والفوز به وهناك احتمال أن يتحقق أكثر مما كان مرجواً ومتوقعا ، المتشائم يرى الاحتمالات السيئة فقط والمتفائل يرى الاحتمالات المشرقة كل منهما يرى نصف ما يمكن أن يقع ، ولهذا فإننا مع التفاؤل ينبغي ألا ننسى احتمال وقوع غير المرغوب فيه ،،
المتشائم يحمل نفسه بفعل اتجاهه السوداوي متاعب جمة هي أشد وقعاً على أعصابه من المصائب و الملمات التي يمكن أن تقع وحين يقوم المتشائم بالعمل فإنه يبذل اقل الجهد لأنه يفتقد الحماسة للجد والنشاط ،،
والخلاصة أن المتشائم يعيش في نكدٍ دائم لأنه بين أمرين سيئين مكروه يصيبه ومكروه يتوقعه حتى في الوقت الذي ينال فيه الخير والفلاح يتذكر ما يمكن أن يأتي بعد هذا الخير من سوء ومن شر ونكبات ، ،،،
إن من أشد ما يعانيه الإنسان و يكابده هو أن يموت بداخله شيء وهو ما زال حيا وذلك الشيء هو الأمل والرجاء بتحسن الأحوال ، ولذا قالوا: إن أفقر الناس من ليس له أمل يحفزه على العمل ، ،،،
تبدوا الحياة في نظر المتشائم أضيق من عين الإبرة أو سم الخياط بالتعبير القرآني ، ولذا فإنه يشعر إذا أصابته أزمة أو شدة أنها ستقضي عليه حيث لا فرار ولا خيار ولا تراجع أمامه ، وهذا كما يعلمنا القرآن وكما تعلمنا الخبرة والتجربة ليس بصحيح إطلاقاً إذ ما من بلاء إلا يمكن التخفيف منه وما من أزمة إلا يمكن كسر شيء من حدتها وما من داء إلا له شكل من الدواء قد لا يقضي عليه لكن قد يجعل التعايش معه ممكنا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله ) ويبشرنا الله جل وعلا ببشارة عظيمة تنطوي على لفتة عجيبة في سخاءها وفي عطائها وقدرتها على تفريج الكروب يقول سبحانه : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) اليسر موجود في نفس اللحظة التي نرى فيها العسر لكننا بحكم تربيتنا وبحكم قصورنا الثقافي نرى العسر وحده دون اليسر ونرى الأبواب المغلقة دون الأبواب المفتوحة ،،،
فيا أيها المتشائمون تجاوبوا مع هدي القرآن وبشائره الكثيرة لأنبيائه وأوليائه وعباده الصالحين بالنصر والتمكين والعزة في الدنيا والآخرة وبالسعادة الأبدية في الآخرة ،،
إذا أردنا أن نبحث عن مصادر للسعادة والطمأنينة فإننا سنجد الكثير الكثير هذا عمر رضي الله تعالى عنه يعلمنا كيف نستنبط دواعي الحمد والشكر والاغتباط من قلب المصيبة .............
انتهى الشريط الثالث