بسم الله الرحمن الرحيم


لم تستطع الأيام محو تلك الليلة الرمضانية الممطرة من ذاكرتي ........

كان هناك عجوز قابع على حافة الطريق بالقرب من أحد المطاعم ,البؤس و الفقرالشديد ينضحان من تجاعيد وجهه

يرتدي جلبابا ممزقا باليا و يفترش قطعة بلاستيكية بها بعض ثمار البلوط التي أفسدت بسبب المطر و تعاقب الايام

حين مررت أمامه , لم أستطع تجاهل ذاك التباين الذي يشوب المكان..........

شيخ عجوز فقير يجلس بالقرب من أناس لا هم لهم سوى ملإ بطونهم ... قد تركوا الصلاة في أطهر ليالي السنة .....تتعالى أصواتهم فرحا و بهجة في مكان يؤمن لهم الدفئ و الطعام

لم تدفعهم الرحمة أو الشفقة بذاك العجوز فمشاعرهم و أحاسيسهم أبرد من ذاك الجو الممطر

تقدمت من العجوز و كلي أسى و أعطيته بعض المال و في نفسي خوف كبير من أن يردني

لكن كبرياءه لم يسمح له أن يأخذ صدقة من أحد ........

أعطاني بثمن النقود التي دفعتها ما يقابلها من ثمار و بعدها







أتدرون ماذا فعل؟










أخذ المال الذي أعطيته بيدين مبللتين بالمطر و ردد : الحمد و الشكر لله

ما هذا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

رجل فقير يرضى يمبلغ زهيد , لا يكفي حتى لشراء خبزة واحدة , يحمد الله و لا يتذمر أو يسخط

كان الموقف كفيلا بسلبي دموعي , ليس بسبب الفقر و لكن من قناعة ذاك الرجل

سبحان الله , آ في الألفية الثانية , حيث أصبح مفهوم الجشع مفهوما عاما و جماعيا , أجدني أمام شخص قنوع راضي بقسمة الله !

لقد تجسد في ذلك الرجل بكل بؤسه و فقره و كبر سنه , أروع شكل للقناعة و الرضى بالقضاء و القدر

كانت ضروف عيشه تشفع له بمد يده للناس لكنه آثر أن يكسب قوت يومه بنفسه مهما كان زهيدا

في حين أجد كل الناس جشعين , فمن له سيارة يريد إثنتين و من لها لباس تريد عشرة و من له زوجة يريد كل النساء , حتى كبار الدول , فقدت السيطرة على نفسها وأصبحت تستحل أراضي و ممتلكات الغير بدافع الجشع

فشتان بين قلب رضي بقسمة الله و قنع و بين قلب لاهت جشع


(272) لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)