يعيش في حالة تأزم رهيبة .. حينا يصرخ وحيناً آخر يصمت لظروف ما أخذ يجوس طويلاً .. وكان في بعض الأحايين يقف ملياً أمام حيطان الأكواخ المتآكلة
يسأل _ وبصوت لا يسمع _ ماهذا ؟
ينبجس من وسط أرض شبح ضخم ، وبأعلى الصوت يقول:
هذا البؤس _: : اليأس القاتل ..
هذا الفقر المتوغل..
هذا الحزن .. الألم المحفور في وجه الأكواخ..
مرآة تعكس ما بالداخل.
يصمت حين تبش أسارير الكلب الرابض باحدى زوايا الأزقة المتسخة _ طبعاً كان ذلك بعد خوار عجل هائج.
في أزقة الأكواخ البسيطة توجد مستنقعات تزكم أنوف الناس .. تجلب وباء الملاريا الذي يتعب شحارير الأكواخ .. ويرهق عصافير الأشجار ..ويزعج طيور الدوح .. ويحد من تغريد البلبل.
الصمت يطول .. يحاول البعض العزف على وجع الحب .. لكن ناموس المستنقع يقرص وبشدة .. ثم _ يطارد شحرور الغد..
يرحل ..
يتغرب نفياً..
يزداد عمقاً جرح الاكواخ
ينزو الجرح .. ينزف ..
ينزف .. ينزو ..
صادفها في أحدى أزقة الأكواخ .. تكاد تكون في العشرين من عمرها ..
كانت عميقة الحزن .. مجعدة الوجه .. غائرة التورد ..مبعثرة الشعر .. ضامرة الجسد .. لابسة الثوب العادي .. تتعثر في خطاها تبدو خائفة من " أخطبوط يتوسع في المد " يخطو وراءها ويحاول أن يحضنها .. ويمص دمها ودم شحرورها.
وخائفة من هذا العجل المتثعلب في أكواخ الأهل .
تقترب منه .. يقترب منها .. كلاهما يتملى في تقاسيم الآخر .. عندئذ تتلفت .. يتلفت ليتأكد أن لا أحد يترصدها .. يشاهدان كلباً يربض في أحدى المستنقعات المتناثرة في زقاق الأكواخ . تقترب وبشدة .. تهمس في أذنه :_
_ أذكر .. أني كنت حلمك .. ديدن كأسك .. كنت تتمنى أن أخرج من سخف العادات .. ومن أسر القهر.. لكني اليوم أشد وقوعاً في أسر العادات وبشكل آخر وأجد .
توجد أقفاص لشحاريري وعصافيري .. مع قص ريش التحليق .
توجد مقاص لقص براعم حبي قبل أوان تفتحها .
قهر " العجل " .. العدل الشامل .
زيف " الثعلب " الصدق الكامل .
زقزقة " العصفور " الجرم الفادح .
جنب " الأرض " الخصب الوافر .
يرحل في اليوم الواحد آلاف الاحباب _ الأقمار .
بحثاً عن تحليق أكبر .
بحثاً عن عدل أعمق ..
عن عيش أفضل .
في لحظة يكتشف الأحباب .. أن الرحلة لم تثمر ، .. والاحلام تضيع ..
لكن مع هذا .. تتوحد لي الأعماق صلوات الحزن مستقرئة " وأمل " البرعم _ الورد لاطلالة الفجر القادم .. الأكثر خصوبة .. والأفضل أكسجين .
فجأة : سألته :
_ أتعشقني سراً أو جهراً ؟
_ منذا يخاف في عشقه؟
_ سيصادر في يوماً ما ..
وسيعلن سماسرة الصحف اليومية .. عن عشقك ويقولون :
خيانة ..
وستكتب ضمن قائمة الخونة ..
وأمام الاسم : هذا ذنب . دجال .. مارق .
اخف عشقك النابت في صدر الشمس وفي أوراق الأشجار
فأنا عليك أخاف ..
أني أخاف .
_ لا . أني أرفض هذا . لان عشقي .. هو خوفي عليك ممن " يأتونك بثياب الحملان .. ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة " .
يشرد كل منهما في الآخر .. يطول الشرود التأملي
يطول .. ويطول .