السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في تلك الزاوية ... كان يجلس على أريكته ...
قد أنهكهُ المرض فلم يعُد يقوى على الحِراك ...
يجلس ... و الإبتسامة تعلو مُحيَّاه ...
كم كان ينثُرُها عبيراً في أرجاءِ منزلنا ...

بالرغم من كل تلك الأوجاع التي كان يشعر بها ...
و بالرغم من ذلك الصوت المبحوح من شدة ما يعانيه من ألمٍ كان يُحادثنا و يُحاورنا ...
لم يشعرنا قط بما كان يشعر به .... آثر الصمت ... لكنَّ لغةُ العيون كان لها معنا شأنٌ آخر
لمحةٌ منا الى عينيه تشعرنا بكل آلامه و أوجاعه ...

حكاياتٌ من الحزن و الألم تحكيها تلك الزاوية ...
تُحدِّثُني عمَّن فقدته ...

لم تبرح الدمعة عيني و أنا أسمع إخوتي الصغار يسألوني عنه ...
أين ذهب أبي ؟
هل سافر ؟
إلى أين يذهب و يتركنا ؟
إنه يحبنا ... لا يمكن أن يتركنا وحدنا و يذهب ..
و مضى سجل الذكريات يسري بهم في آفاق ذاكرتهم ...
هم موقنون انه سيفاجئهم يوماً ما بالعودة اليهم ...
حسِبوا غيابه عنهم لعبةً من ضمن ألعابه معهم ...


زلزلةٌ أحسستُ بها ... ارتعدتْ منها أوصالُ جسمي ...
تلعثمتُ ... و تبعثرتْ أمامي كلُّ الحروف ...
ماذا عسايَ أنْ أُجيبَ صغاراً لم يعرفوا بعد حقيقة الموت ...

أسئلةٌ كثيرة مرَّت على مُخيِّلتي ..
هل أُجيبهم بالحقيقة أم أُخفي عنهم سرَّها ؟
إن أنا أجبتُ بغيرِها .. فسيعلمونها من غيري ...

بدأتُ أبحث عن طريقةٍ للإجابة ...
لم أشعر إلا بالدموع و هي تنسابُ من عيْنيْ ...
آثرتُ أن تكون الدموع هي الوسيلة الوحيدة للتعبير ...
لم أقوى حتى على الحديث ...

بدؤوا إخوتي يلزمون الصمت و هم ينظرون إليْ ...
ينتظرون مني إجابةً تشفي غليل شوقهم ...
طلبتُ منهم أن يتركوني وحدي ...
شاركوني بالدموع و هم لم يعلموا بعد بالحقيقة ...
فكيف لو علِموا بها ؟

تركتهم ودموعهم تجري ...
و كأنَّهم أحسُّوا بشيءٍ ما يستنطق الدمعة الموجودة في أعينهم ...


سأَلتُ أُمِّـي أن تُخبرهم بالذي حدث ...
حاولتُ حينها أن أملِكَ نفسي أمامها ... غلبني البكاء ...
عمِدت إلى إخراج كل ما في نفسي من لغة الحنين و الأنين ...
أيقنتُ حينها أنني لستُ أقلَّ حظَّـاً من الشوق لأبي ...
حتى تلك الزاوية بدت لنا و كأنَّها مظلمة تَحِنُّ إلى اللقيا بمن كان نوراً لها ...
و مازال الشوق يُراجع ذكرى أعز من فقدته أعيننا و اشتاقت له قلوبنا ..