عنوان الموضوع : الأخـفـيـاء -1- متجدد - تم الرد
مقدم من طرف منتديات أميرات
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
كان الحديث عن الأخفياء لأني ولربما لأنك أيضا نظرت الحال أولئك الرجال الذين نسمع قصصهم ونرى أثارهم ومصنفاتها ونرى أنهم أحياء، أحياء بذكرهم وبعلمهم وبنفعهم وإن كانوا في بطن الأرض أمواتا بتلك الأجساد الطيبة الطاهرة.
فأسأل وتتساءل معي، ما هو السر في حياة أولئك الرجال؟
السر هو توجه القلب كل القلب لله جل وعلا، توجهت قلوب أولئك الرجال فنالوا ما نالوا ووصل سمعهم إلى عصرنا الحاضر.
فكان القلب علمه وعمله لله سبحانه وتعالى.
وكان حبه وبغضه لله.
وقوله وفعله لله.
حركاته وسكناته لله.
دقه وجله لله.
سره وعلانيته لله.
يوم أن كانت الآيات هي الشعارات التي ترفع، وهي الكلمات التي تتردد بالقلب قبل اللسان، وفي كل مكان:
( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ).
هكذا كانت الآيات ترفع فامتلأت بها القلوب.
أما اليوم، فتعال وأنظر لحالنا يا أخي الكريم، أنظر لحالنا كأفراد؛
فقلوبنا شذر مذر.
ونفوسنا عجب وكبر.
وأفعالنا تزين وإظهار.
وأقوالنا لربما كانت طلب للاشتهار.
وهمومنا في الملذات.
وحديثنا في الشهوات.
وصدق صلى الله عليه وسلم في قوله:
( إن الله كره لكم ثلاثة؛ قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال).
وانظر حالنا كأمة؛
ذل ومهانة وهوان واحتقار.
ولا داعي لأن أواصل هذا الكلام عن حال هذه الأمة في هذا العصر، ولكني أسوق لك دليلا قريبا، في شهر رمضان ثلاثة مذابح للمسلمين:
مذبحة السوق في ساراييفو.
ومذبحة الإبراهيمي في فلسطين.
ومذبحة في السودان.
أكان ذلك يكون لو كانت القلوب متوجهة إلى الله بصدق؟ لا والله.
أقولها ثقة بالله سبحانه وتعالى، لا والله لا يكون هذا الذل وهذا الاحتقار لهذه الأمة، لو توجهت قلوب أصحابها، وتوجهت قلوب المسلمين جميعا إلى الله جل وعلا.
إذا فالسر في حياة أولئك التوحيد، التوحيد لله، ليس التوحيد قولا، فكلنا نقول لا إله إلا الله ولكنه التوحيد القلبي، يوم أن تكون الأفعال والأقوال محركات القلب وسكناته كلها لله سبحانه وتعالى عرف هذا السر أولئك الأخفياء، فكانت الدنيا لهم، والآخرة دارهم.
ثم أيضا سبب آخر ومهم جدا للحديث عن الأخفياء.
فيا أخي الحبيب ويا أختي المسلمة:
إن فقدت الأعمال والأقوال – أيا كان نوعها – إن فقدت خلوص النية لله جل وعلا، انطلقت من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات والعياذ بالله.
ألم تسمع لذلك الحديث المفزع للقلوب الذي كما أراد أبو هريرة – رضي الله عنه وأرضاه –أن يرويه لنا، أو يرويه لأصحابه، وقع مغشيا عليه.
يفعل ذلك ثلاثة مرات أو أربع، لهول ذلك الحديث المفزع.
حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة:
(قارئ القرآن والمجاهد، والمتصدق بماله).
أفضل الطاعات، وأفضل القربات إلى الله جل وعلا، يوم صرفت لغير الله أصبحت أحد المخالفات، بل أصبحت هي التي تقود أصحابها إلى النار والعياذ بالله.
وهذا الحديث لما سمعه معاوية رضي الله عنه وأرضاه قال:
(قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بعدهم؟، أو فكيف بمن بقي من الناس؟)
ثم بكى معاوية. رضي الله عنه وأرضاه بكاءً شديداً.ة يقول الراوي حتى ضننا أنه هالك.
انظروا صحابة رسول الله، يخشون على أنفسهم عندما يسمعون الحديث.
فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟
يقول الراوي: حتى ضننا أنه هالك، ثم أفاق معاوية،.ومسح وجهه ودمعه بيده. رضي الله تعالى عنه، وقال صدق الله ورسوله:
ولا شيء يحطم الأعمال مثل الرياء ومثل التسميع، بأن يقول فلان:
سمعت وعلمت وفعلت وجئت وذهبت، مسمعا للناس بأفعاله عياذا بالله.
التزام التخلص من كل الشوائب التي تشوب هذه النية، كحب الظهور أو التفوق على الأقران، أو الوصول لأغراض وأغراض من جاه أو مال أو سمعة أو طلب لمحمدة وثناء الناس، فإن هذه وأمثالها قاسمة للظهر متى شابت النية.
ولذلك كان النظر لحياة الأخفياء ولأحوالهم ومدارسة أمورهم من أعظم الأسباب لوصول إلى طريق المخلصين، جعلني الله وإياك منهم .
ثم سبب ثالث: لأهمية الإخلاص، ولخطر الرياء.
ولرجوع الناس إلى الله جل وعلا ، ولكثرة أعمال البر والخير والدعوة إلى الله من الرجال والنساء بحد سواء ، ولإقبال الناس عموما على العبادات، وحرصهم على الخيرات- والحمد لله-، مما نراه من الناس في هذه الفترة المتأخرة، كان لا بد من طرح هذا الموضوع لئلا تذهب هذه الأعمال وهذه العيادات عليهم سدى من حيث لا يشعرون.
كان لازما أن نتحدث في مثل هذا الموضوع، وقد كان أهل العلم يحبون أن يتخصص أناس للحديث عن النية وبيانها للناس ولذلك تكلمنا عن هذا الموضوع، تذكيرا وتنبيها وتحذيراً، لشدة الحاجة إليه .
__________________________________________________ __________
ولكن يكثر في هذا الزمن الأخفياء ولكنهم أخفياء من نوع آخر.
أخفياء يختفون عن أعين الناس، ويحرصون كل الحرص ألا يطلع أحد من الناس على أعمالهم.
هؤلاء الأخفياء هم الذين أخبر عنهم النبي صلى اله عليه وآله وسلم في قوله:
(لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا)، أعوذ بالله.
يقول راوي الحديث ثوبان- رضي الله عنه - : يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا ، أن نكون منهم ونحن لا نعلم.
اسمع! ثوبان الصحابي الجليل هو الذي يقول : أن نكون منهم ونحن لا نعلم ، فرحمك الله يا ثوبان ، ورضي الله عنك ، قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-:
( أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ). أخرجه ابن ماجة من حديث ثوبان بسند صحيح .
وأخفياء من نوع آخر.
وهم المقصرون الفاترون أهل الخمول والكسل، فلو أنك نصحت أحدهم وصارحته بحاله وسألته عن أعماله فقلت له مثلا ماذا حفظت من القرآن ؟
وهل تحرص على صيام النوافل أم لا ؟
وتقول له : ماذا قدمت للإسلام ؟
وهل تنكر المنكرات ؟
وهل وهل …وغيرها من الأسئلة التي تبين حقيقته أمام نفسه.
أنت تريد الخير بنصيحته وتريد مكاشفته بحاله ، حتى يرى حاله على حقيقتها ، فتسأله هذه الأسئلة ، فيجيب هو على نفسه. لأجابك هذا الشخص بقوله:
هذا بيني وبين الله ، وهل كل عمل أعمله لا بد أن أطلعك عليه؟
أنظر هو الآن ماذا يخفي هو يظهر لنا الإخلاص ، لكنه يخفي الحقيقة، ما هي الحقيقة؟
أنه مقصر في أعماله ، وانه قد لا يكون عنده شيء.
وقد لا يكون حفظ من القرآن شيء وإن حفظ فالقليل.
وقد لا يكون قدم للإسلام شيئا وإن قدم فالقليل القليل.
وهو يستحي أن يصارح الآخرين بهذه الأعمال التي هي لا شيء حقيقة.
فبالتالي لا يملك حتى يبريء ساحته في هذه اللحظة إلا أن يقول لك هذا بيني وبين الله ، وهل كل عمل أعمله لا بد أن تطلع عليه ؟.
فانظر كيف وقع هذا المسكين ، أظهر لنا الإخلاص وأخفى حقيقة النفس وتقصيرها ، فوقع في الرياء من حيث لا يشعر.
وما أكثر أولئك للأسف وهذا لا شك خداع للنفس وتشبع بما لا يعطى.
وهكذا التصنع والتزين والتظاهر ، أما الحقيقة التي أخفاها اليوم فإنه لا يستطيع أبد أن يخفيها:
( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).
فنعوذ بالله من حالهم، ونستغفر الله لحالنا .
يقول عمر رضي الله عنه، اسمع لكلام المحدث الملهم رضي الله عنه وأرضاه يقول:
(فمن حسنت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وما بين الناس ومن تزين بما ليس فيه شانه الله ). ذكر ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين .
مقدم من طرف منتديات أميرات
الأخـفـيـاء
فضيلة الشيخ : إبراهيم الدويش
-1-
سلسلة متجددة
سلسلة متجددة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذه ليلة الاثنين الموافق 23/10/1414هـ وعنوان هذا اللقاء(الأخفياء).
فقد كنت تأملت، ونظرت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزهد قوله:
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذه ليلة الاثنين الموافق 23/10/1414هـ وعنوان هذا اللقاء(الأخفياء).
فقد كنت تأملت، ونظرت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزهد قوله:
(إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
ولقد تأملت قوله صلى الله عليه وسلم (الخفي) فمازالت تلك الهواجس والأفكار والأسئلة تدور في الخاطر المكدود؛
من هو هذا العبد الخفي ؟
من الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى؟
من هم الأخفياء ؟
من هو هذا العبد الخفي ؟
من الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى؟
من هم الأخفياء ؟
قلت ربما هم الذين عرفوا ربهم وعرفهم فأحبوه وأحبهم وحرسوا أن يكون بينهم وبينه أسرار وأسرار، والله سبحانه وتعالى يعلم إسرارهم فكان خيرا لهم.
وقلت ولربما هم الأنقياء الأتقياء، فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم إلا لخوفهم من ربهم، وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور وهجمات الرياء، وطلب الثناء والمحمدة من الناس.
وقلت ربما هم الجنود المجهولون الناصحون العاملون، الذين قامت على سواعدهم هذه الصحوة المباركة، فكم من ناصح ، وكم من مرب وكم من داع للحق لا يعرف، وكم من رسالة وكم من شريط طار في كل مطار، وسارت به الركبان، كان خلفه أخفياء وأخفياء فهنيئا لهم.
وقلت أيضا ربما هم الساجدون الراكعون في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان السماء، وكم من دمعة بللت الأرض، فبهذه الدمعات وبهذه السجدات حفظنا وحفظ أمننا، ورزقنا وسقينا ربنا.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم اللذين يسعون في ظلمة الليل ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، لإطعام الطعام، وبذل المال ليفكوا كربة مكروه، وليفرجوا هم أرملة ضعيفة، شديدة الحال، كثير العيال.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم أولئك اللذين لا يعرفهم الناس أو اللذين لا يعرفوا أعمالهم الناس، ولكن الله سبحانه وتعال يعرفهم، وكفا بالله شهيد، فهنيئا لهم .
ثم قلت وما الذي يمنع أن يكون أولئك جميعا؟
وما الذي يمنع أن تكون هذه الصفات كلها صفات لأولئك الأخفياء؟
ولذلك ترددت كثيرا في الحديث عن هذا الموضوع، فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم، وأستغفر الله جل وعلا.
ونحن أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا، وقد قالها عبد الله بن المبارك.
وقلت ولربما هم الأنقياء الأتقياء، فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم إلا لخوفهم من ربهم، وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور وهجمات الرياء، وطلب الثناء والمحمدة من الناس.
وقلت ربما هم الجنود المجهولون الناصحون العاملون، الذين قامت على سواعدهم هذه الصحوة المباركة، فكم من ناصح ، وكم من مرب وكم من داع للحق لا يعرف، وكم من رسالة وكم من شريط طار في كل مطار، وسارت به الركبان، كان خلفه أخفياء وأخفياء فهنيئا لهم.
وقلت أيضا ربما هم الساجدون الراكعون في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان السماء، وكم من دمعة بللت الأرض، فبهذه الدمعات وبهذه السجدات حفظنا وحفظ أمننا، ورزقنا وسقينا ربنا.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم اللذين يسعون في ظلمة الليل ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، لإطعام الطعام، وبذل المال ليفكوا كربة مكروه، وليفرجوا هم أرملة ضعيفة، شديدة الحال، كثير العيال.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم أولئك اللذين لا يعرفهم الناس أو اللذين لا يعرفوا أعمالهم الناس، ولكن الله سبحانه وتعال يعرفهم، وكفا بالله شهيد، فهنيئا لهم .
ثم قلت وما الذي يمنع أن يكون أولئك جميعا؟
وما الذي يمنع أن تكون هذه الصفات كلها صفات لأولئك الأخفياء؟
ولذلك ترددت كثيرا في الحديث عن هذا الموضوع، فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم، وأستغفر الله جل وعلا.
ونحن أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا، وقد قالها عبد الله بن المبارك.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم........ليس صحيح إذا مشى كا المقعد
رحمك الله يا بن المبارك، عندما قلت هذا لبيت، تعني به نفسك.
فماذا نقول إذا نحن عن أنفسنا؟
ورحم الله القائل :
فماذا نقول إذا نحن عن أنفسنا؟
ورحم الله القائل :
أحب الصالحين ولست منهم.......لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي........ولو كنا سواء في البضاعة
وأكره من تجارته المعاصي........ولو كنا سواء في البضاعة
==================================
جزاك الله خيرا
وفي موازين حسناتك ان شاء الله
وفي موازين حسناتك ان شاء الله
__________________________________________________ __________
وعليكُمُ السلام ورحمةُ الله وبركاته ..
موضُوع لم أندفِع بِقراءته إلا لِسهُولة نثرِه , وقِلة عباراتِه التي تحمل
بين طيَّاتها الخير كُله ..
أسأل الله أن يُبارك فِيكِ وأن يجعلنا من الأخفياء
الذِي لا يُراءُون الناس بِأعمالهم
موضُوع لم أندفِع بِقراءته إلا لِسهُولة نثرِه , وقِلة عباراتِه التي تحمل
بين طيَّاتها الخير كُله ..
أسأل الله أن يُبارك فِيكِ وأن يجعلنا من الأخفياء
الذِي لا يُراءُون الناس بِأعمالهم

__________________________________________________ __________
شكرا جزيلا على المرور
بارك الله فيكِ
وجزاكِ الله خير
بارك الله فيكِ
وجزاكِ الله خير
__________________________________________________ __________
الأخـفـيـاء
فضيلة الشيخ : إبراهيم الدويش
-2-
لماذا الحديث عن الأخفياء؟
كان الحديث عن الأخفياء لأني ولربما لأنك أيضا نظرت الحال أولئك الرجال الذين نسمع قصصهم ونرى أثارهم ومصنفاتها ونرى أنهم أحياء، أحياء بذكرهم وبعلمهم وبنفعهم وإن كانوا في بطن الأرض أمواتا بتلك الأجساد الطيبة الطاهرة.
فأسأل وتتساءل معي، ما هو السر في حياة أولئك الرجال؟
السر هو توجه القلب كل القلب لله جل وعلا، توجهت قلوب أولئك الرجال فنالوا ما نالوا ووصل سمعهم إلى عصرنا الحاضر.
فكان القلب علمه وعمله لله سبحانه وتعالى.
وكان حبه وبغضه لله.
وقوله وفعله لله.
حركاته وسكناته لله.
دقه وجله لله.
سره وعلانيته لله.
يوم أن كانت الآيات هي الشعارات التي ترفع، وهي الكلمات التي تتردد بالقلب قبل اللسان، وفي كل مكان:
( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ).
هكذا كانت الآيات ترفع فامتلأت بها القلوب.
أما اليوم، فتعال وأنظر لحالنا يا أخي الكريم، أنظر لحالنا كأفراد؛
فقلوبنا شذر مذر.
ونفوسنا عجب وكبر.
وأفعالنا تزين وإظهار.
وأقوالنا لربما كانت طلب للاشتهار.
وهمومنا في الملذات.
وحديثنا في الشهوات.
وصدق صلى الله عليه وسلم في قوله:
( إن الله كره لكم ثلاثة؛ قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال).
وانظر حالنا كأمة؛
ذل ومهانة وهوان واحتقار.
ولا داعي لأن أواصل هذا الكلام عن حال هذه الأمة في هذا العصر، ولكني أسوق لك دليلا قريبا، في شهر رمضان ثلاثة مذابح للمسلمين:
مذبحة السوق في ساراييفو.
ومذبحة الإبراهيمي في فلسطين.
ومذبحة في السودان.
أكان ذلك يكون لو كانت القلوب متوجهة إلى الله بصدق؟ لا والله.
أقولها ثقة بالله سبحانه وتعالى، لا والله لا يكون هذا الذل وهذا الاحتقار لهذه الأمة، لو توجهت قلوب أصحابها، وتوجهت قلوب المسلمين جميعا إلى الله جل وعلا.
رب ومعتصماه انطلقت......ملء أفواه الصبايا اليتم
لا مست أسماعهم لكنها......لم نلامس نخوة المعتصم
لا مست أسماعهم لكنها......لم نلامس نخوة المعتصم
إذا فالسر في حياة أولئك التوحيد، التوحيد لله، ليس التوحيد قولا، فكلنا نقول لا إله إلا الله ولكنه التوحيد القلبي، يوم أن تكون الأفعال والأقوال محركات القلب وسكناته كلها لله سبحانه وتعالى عرف هذا السر أولئك الأخفياء، فكانت الدنيا لهم، والآخرة دارهم.
ثم أيضا سبب آخر ومهم جدا للحديث عن الأخفياء.
فيا أخي الحبيب ويا أختي المسلمة:
إن فقدت الأعمال والأقوال – أيا كان نوعها – إن فقدت خلوص النية لله جل وعلا، انطلقت من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات والعياذ بالله.
ألم تسمع لذلك الحديث المفزع للقلوب الذي كما أراد أبو هريرة – رضي الله عنه وأرضاه –أن يرويه لنا، أو يرويه لأصحابه، وقع مغشيا عليه.
يفعل ذلك ثلاثة مرات أو أربع، لهول ذلك الحديث المفزع.
حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة:
(قارئ القرآن والمجاهد، والمتصدق بماله).
أفضل الطاعات، وأفضل القربات إلى الله جل وعلا، يوم صرفت لغير الله أصبحت أحد المخالفات، بل أصبحت هي التي تقود أصحابها إلى النار والعياذ بالله.
وهذا الحديث لما سمعه معاوية رضي الله عنه وأرضاه قال:
(قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بعدهم؟، أو فكيف بمن بقي من الناس؟)
ثم بكى معاوية. رضي الله عنه وأرضاه بكاءً شديداً.ة يقول الراوي حتى ضننا أنه هالك.
انظروا صحابة رسول الله، يخشون على أنفسهم عندما يسمعون الحديث.
فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟
يقول الراوي: حتى ضننا أنه هالك، ثم أفاق معاوية،.ومسح وجهه ودمعه بيده. رضي الله تعالى عنه، وقال صدق الله ورسوله:
( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون).
لأنهم فعلوا ذلك ليقال قارئ، وليقال متصدق، وليقال جريء.ولا شيء يحطم الأعمال مثل الرياء ومثل التسميع، بأن يقول فلان:
سمعت وعلمت وفعلت وجئت وذهبت، مسمعا للناس بأفعاله عياذا بالله.
التزام التخلص من كل الشوائب التي تشوب هذه النية، كحب الظهور أو التفوق على الأقران، أو الوصول لأغراض وأغراض من جاه أو مال أو سمعة أو طلب لمحمدة وثناء الناس، فإن هذه وأمثالها قاسمة للظهر متى شابت النية.
ولذلك كان النظر لحياة الأخفياء ولأحوالهم ومدارسة أمورهم من أعظم الأسباب لوصول إلى طريق المخلصين، جعلني الله وإياك منهم .
ثم سبب ثالث: لأهمية الإخلاص، ولخطر الرياء.
ولرجوع الناس إلى الله جل وعلا ، ولكثرة أعمال البر والخير والدعوة إلى الله من الرجال والنساء بحد سواء ، ولإقبال الناس عموما على العبادات، وحرصهم على الخيرات- والحمد لله-، مما نراه من الناس في هذه الفترة المتأخرة، كان لا بد من طرح هذا الموضوع لئلا تذهب هذه الأعمال وهذه العيادات عليهم سدى من حيث لا يشعرون.
كان لازما أن نتحدث في مثل هذا الموضوع، وقد كان أهل العلم يحبون أن يتخصص أناس للحديث عن النية وبيانها للناس ولذلك تكلمنا عن هذا الموضوع، تذكيرا وتنبيها وتحذيراً، لشدة الحاجة إليه .
__________________________________________________ __________
جزاك الله خير
الأخـفـيـاء
فضيلة الشيخ : إبراهيم الدويش
-5-
أخفياء ولكن !!
ولكن يكثر في هذا الزمن الأخفياء ولكنهم أخفياء من نوع آخر.
أخفياء يختفون عن أعين الناس، ويحرصون كل الحرص ألا يطلع أحد من الناس على أعمالهم.
هؤلاء الأخفياء هم الذين أخبر عنهم النبي صلى اله عليه وآله وسلم في قوله:
(لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا)، أعوذ بالله.
يقول راوي الحديث ثوبان- رضي الله عنه - : يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا ، أن نكون منهم ونحن لا نعلم.
اسمع! ثوبان الصحابي الجليل هو الذي يقول : أن نكون منهم ونحن لا نعلم ، فرحمك الله يا ثوبان ، ورضي الله عنك ، قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-:
( أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ). أخرجه ابن ماجة من حديث ثوبان بسند صحيح .
وأخفياء من نوع آخر.
وهم المقصرون الفاترون أهل الخمول والكسل، فلو أنك نصحت أحدهم وصارحته بحاله وسألته عن أعماله فقلت له مثلا ماذا حفظت من القرآن ؟
وهل تحرص على صيام النوافل أم لا ؟
وتقول له : ماذا قدمت للإسلام ؟
وهل تنكر المنكرات ؟
وهل وهل …وغيرها من الأسئلة التي تبين حقيقته أمام نفسه.
أنت تريد الخير بنصيحته وتريد مكاشفته بحاله ، حتى يرى حاله على حقيقتها ، فتسأله هذه الأسئلة ، فيجيب هو على نفسه. لأجابك هذا الشخص بقوله:
هذا بيني وبين الله ، وهل كل عمل أعمله لا بد أن أطلعك عليه؟
أنظر هو الآن ماذا يخفي هو يظهر لنا الإخلاص ، لكنه يخفي الحقيقة، ما هي الحقيقة؟
أنه مقصر في أعماله ، وانه قد لا يكون عنده شيء.
وقد لا يكون حفظ من القرآن شيء وإن حفظ فالقليل.
وقد لا يكون قدم للإسلام شيئا وإن قدم فالقليل القليل.
وهو يستحي أن يصارح الآخرين بهذه الأعمال التي هي لا شيء حقيقة.
فبالتالي لا يملك حتى يبريء ساحته في هذه اللحظة إلا أن يقول لك هذا بيني وبين الله ، وهل كل عمل أعمله لا بد أن تطلع عليه ؟.
فانظر كيف وقع هذا المسكين ، أظهر لنا الإخلاص وأخفى حقيقة النفس وتقصيرها ، فوقع في الرياء من حيث لا يشعر.
وما أكثر أولئك للأسف وهذا لا شك خداع للنفس وتشبع بما لا يعطى.
وهكذا التصنع والتزين والتظاهر ، أما الحقيقة التي أخفاها اليوم فإنه لا يستطيع أبد أن يخفيها:
( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).
فنعوذ بالله من حالهم، ونستغفر الله لحالنا .
يقول عمر رضي الله عنه، اسمع لكلام المحدث الملهم رضي الله عنه وأرضاه يقول:
(فمن حسنت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وما بين الناس ومن تزين بما ليس فيه شانه الله ). ذكر ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين .